إحياء المناسبات التاريخية وأبعادها الشعبية
التاريخ جزء مهم من ذاكرة الشعوب ، فأحداثه صنعها بكل تفاصيلها بأفراحها وانتصاراتها وهزائمها ، وتلك الأحداث لها أهميتها ، كونها تحمل ذكرى عاشها الشعب وحقّ للأجيال ذكرها والاستفادة منها ، والحفاظ على مكاسبها.
وإني أرى أن التقليل من شأنها خدش للشخصية الوطنية ، وضرب لهوية الأمة ، فهذه الذكريات تحمل دلالات كبرى في تشكيل شخصية المجتمع والدولة ، فالتقليل من شأنها يولّد لنا شخصيّة تجهل ماضيها ، تجهل تاريخ نضالها ، بل تجهل حجم التّضحيات التي قدّمها الشّعب من أجل افتكاك حريته ونبل سيادته.
وقد يؤدي تجاهل هذه المناسبات أمّية ، تساهم في غياب الذاكرة التّاريخية للأجيال ، حيث ينشأ لنا جيل يجهل ماضيه ، أو جيل يتنكر لأصالته ، فيكون معول هدم ، يسهل استغلاله لضرب تاريخه وأصالته ، فيبيع مقومات شخصبته بسبب جهله.
إنّ الاحتفاء بهذه المناسبات التّاريخية سواء كانت ذات أبعاد سياسية أو ثقافية أو دينية أو اجتماعية لها قيمتها في حماية الموروث الثّقافي لكلّ شعب ، فما نعيشه اليوم من ضعف في هذه الجوانب ، يدقّ ناقوس الخطر ، نلمس خطره حتى عند الفئات المتعلمة بمختلف فئتها العمرية ، لو أجرينا استطلاعات رأي لا صدمنا من نتائج هذا الاستطلاع ، فسوف نجد عددا غير قليل ، يجهل أحداثا مهمّة من تاريخه ، بل لا يعرف ، أهم قادته الذين صنعوا انتصارات أمته ، يجهل مفاصل مهمّة عن جرائم مارسها الأعداء عبر العصور على الشعب عبر قرون من الجهاد والتضحية .
بالطّبع فإنّ المناسبة التّاريخية لها من الدّلالات الكبرى في حياتنا ، لا يمكن بحال العبور عنها أو القفز عليها ، فحقّ لكلّ حرّ غيور أن يسجّل موقفه الإيجابي حول هذه الأحداث الوطنيّة ، حقّ للأجيال أن تعرف ماضيها المشرق ، وحقّ للكبار أن يورثوها للصّغار حتّى لا تطمس الذّكرى من الذّاكرة. وتظهر خطر التّقليل من شأن هذه المناسبات الهامة والتي تعكس كما قلت الهوية والذاكرة .
فأوّل خطر : ينتج عن التقليل من شأنها وأهميتها أن يصيب النّسيج المجتمعي ضعف الصّلة والانتماء ، كونها مناسبات لا تعينه ولا تهمه كونه يجهل قيمتها .
الأمر الثاني : إهمال حفظ الموروث وعدم رعايته ، سوى بالكتابة والتّوثيق أو الاحياء أو حمايته من التّلف والضّياع ، والذي يؤدي حتما لركود ثقافي سببه عدم اهتمام النخب أو الجمهور بهذه الأحداث .
الأمر الآخر: والذي لا يقلّ خطورة ، وبتمثل في عدم تحمس فاعليات المجتمع مع هذه الأحداث ، كونها تعني السّلطة السّياسية ولا تعني المجتمع بكل تفرعاته ، وهذا شرخ كبير وهوّة لا تجبر ، وجب الوقوف عندنا ومعالجة خطورة ظاهرتها .
وقد تظهر خطورة أيضا : حين يقلل ميزان هذه الأحداث والمناسبات في البعد التعليمي والتثقيفي ، والذي ينقص الوعي بأهمية التاريخ في المنظومة التربوية ، فيعطى له حقه بين المنهج التربوي، فينال حجمه الساعي ومعامله المناسب بين مرصوفة الأنشطة التعليمية ، حتى يكون لنا طالب واع لماضيه ومستقبله، وهذا الدور منوط بالنخب والكوادر التعليمية المؤهلة من الأساتذة والباحثين والدارسين من خلال مساهمة في مشروع حماية الذاكرة .
في الأخير وجب التأكيد أن إحياء المناسبات التاريخية يعدّ جزءًا مهمًا لتحصين ذاكرة الأمة الحيّة ، ويعدّ منشط جهاز الحماية لها ، فأمّة بلا تاريخ ، أمة لا مستقبل لها بل أمة يسهل بلعها واحتواءها واستغلالها ، وعليه وجب على المجموعة الواعية في الأمة التنبه لهذه المخاطر بمساهمتها في تعزيز التواصل وحماية لوحدة الاجتماعية.
وسوم: العدد 1074