مواقف الخذلان المخزية من فساد المرجعية العقدية
تداولت وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق موضوع ما سمي بانتقام إيران من الكيان الصهيوني، ردا على قصفه قنصليتها في سوريا . وتراوحت ردود الأفعال لدى الرأي العام العربي تحديدا على هذا الحدث الذي بدأ كي ينتهي بسرعة في وقت قياسي غير مسبوق مقارنة مع المعتاد في عمليات الرد على العدوان بين الأطراف المتحاربة، بين موقفين ، الأول، موقف متعاطف مع النظام الإيراني ، وهو منحصر في البلدان العربية التي فيها حضورعسكري إيراني كالعراق، وسوريا ،ولبنان ، اليمن، وهو موقف الإشادة بما أقدم عليه هذا النظام ، واعتباره نصرا مبينا على الكيان الصهيوني ، وأنه قد أصاب أهدافه بدقة متناهية ، والثاني وهو موقف سواد الرأي العام في الوطن العربي الذي اعتبر هذا الحدث عبارة عن مسرحية هزلية ، وضحك على الذقون وإضرارا بالقضية الفلسطينية ، وذلك باعتبار ما يلي :
1 ـ غرابة إعلان النظام الإيراني عن رده على العدوان على قنصليته بزمن معتبر أفقده عنصر المباغتة والمفاجأة الذي يعتبر أهم شيء في الأفعال وردود الأفعال بين الأطراف المتحاربة حسب الأعراف العسكرية .
2 ـ إبلاغ الإدارة الأمريكية ، وبعض الأنظمة العربية بالرد كما صرح بعظمة لسانه وزير الخارجية الإيراني لوسائل الإعلام .
3 ـ تصدي الدول التي أبلغت بالرد للمسيرات والصواريخ الإيرانية قبل وصولها المجال الجوي لفلسطين المحتلة .
4 ـ اكتناف الغموض لآثار القصف على الأهداف التي صرح النظام الإيراني أنه نال منها بقصفه .
والملاحظ أن كشف النقاب عن الرد على العدوان الصهيوني أمر في غاية الغرابة خصوصا عندما يكون أول من يبلغ هو الإدارة الأمريكية ،مع أنها طرف متحيز كل التحيز إلى الكيان الصهيوني بل مشارك له في عدوانه على غزة ، الشيء الذي يفضح وجود تنسيق بين هذه الإدارة، وبين النظام الإيراني ، بل قد يدعو هذا الأمر إلى افتراض أن الرد كان إملاء له من الإدارة الأمريكية أكثر منه تنسيقا معه . ومما يؤكد هذا هو تصدي الإدارة الأمريكية مع حلفائها الإنجليز والفرنسيين وغيرهم للمسيرات والصواريخ ، وبهذا تكون هذه الإدارة خصما وحكما في نفس الوقت أو بتعبير أدق هي العرّاب بين الكيان الصهيوني والنظام الإيراني . وقد تأكد هذا من خلال مؤشرين هما: أولا استعجال النظام الإيراني التصريح بأنه لن يواصل القصف بعد لحظات من امطلاقه ، وثانيا هو صدور الأمر فورا إلى الكيان الصهيوني من طرف الإدارة الأمريكية بعدم الرد عليه تحت ذريعة حصر الصراع بين الطرفين في المنطقة مخافة اتساع رقعته . وكل هذا يؤكد أن الأمر يتعلق بتآمر مدروس، ومبيت بين الإدارة الأمريكية وبين النظام الإيراني لصالح الكيان الصهيوني الذي ساءت سمعته عالميا بسبب جرائم الإبادة الجماعية الفظيعة في حق أهل غزة ، والتي لا زالت متواصلة إلى غاية هذه الساعة .
ولقد كانت مسرحية الرد الإيراني الهزلية بالمسيرات والصواريخ كافية للالتفاف على الإدانة العالمية للكيان الصهيوني العنصري الذي صار في لمح البصر بسببها ضحية بعدما كان جلادا، حيث أذاعت وسائل الإعلام الغربية على أوسع نطاق أنه قد تعرض للعدوان ، وأن ذلك يقتضي التعاطف الدولي معه . ولقد وجد مجرم الإبادة الجماعية نتنياهو في الرد الإيراني طوق نجاة مما كان يتهدد في الأوساط الصهيونية الداخلية التي بلغت إدانتها له درجة غير مسبوقة في تاريخ هذا الكيان المحتل ، كما أنه وجد فيه ما يغطي به على الإدانة العالمية له ، وما يبرر به مواصلة إبادة الشعب الفلسطيني في غزة ، ومواصلة احتلالها وحصار أهليها وتجويعهم .
إن ما وقع أول أمس هو عبارة عن خيانة عظمى كانت متوقعة ومنتظرة من النظام الإيراني الذي لا يكن أي عداء للإدارة الأمريكية ، ولا للكيان الصهيوني بقدر ما يكن عداء للشعوب العربية والمسلمة بدافع عقدة شعوبية مزمنة ضاربة الجذور في التاريخ، لم يستطع أصحابها في الماضي و لا في الحاضر استساغة انهيار الحضارة الفارسية ، الكسروية ، المجوسية أمام الفتح الإسلامي الذي يعتبرونه عروبيا باعتبار نزول الرسالة الخاتمة باللسان العربي ، وليسوا وحدهم من لديهم هذا الاعتقاد، بل يشاركهم في ذلك كل من لديهم نزعات عصبية أوعرقية أو طائفية متشنجة مع أن هذه الرسالة أراد لها الله تعالى أن تكون عالمية لا علاقة لها بعرق أو بلسان أو بطائفة ...
ولقد ظهرت النزعة الشعوبية الكسروية المجوسية منذ الخلافة العباسية ، وكانت لها تجليات في الفكر والأدب ، وفي الثقافة ، كما كان يعكسها صراع في شتى المجالات والميادين بين ما هو شعوبي، وما هو عروبي ،وكانت الزندقة هي وليدة هذا الصراع .
ولما نشأت الدولة أو الأمبراطورية الصفوية التي حكمت إيران وما جاورها من البلاد ما بين 1501 و1763 ، وأصل تسميتها يعود إلى صفي الدين الأرذبيلي ( 1252 / 1334 )، وهو صاحب طريقة صوفية كانت في بداية أمرها سنية ، فحوّلها في مطلع القرن السادس عشر الحاكم الصفوي الأول إسماعيل الأول ، وهو من أصل كردي إلى عقيدة شيعية إثني عشرية ، فرضها بالقوة والاستبداد ، واضطهد أهل السنة ، مقابل التمكين للشيعة ، وأحاط دهاقنة ممن يمثلون هذا التوجه بالعناية والمدد المادي ، والسطوة والسلطة . ولقد كانت نهاية هذه الدولة أو الأمبراطورية الصفوية التي سارت على نهج الأمبراطورية الساسانية التي انهى أمرها بالفتح الإسلامي على يد الأتراك العثمانيين ، علما بأنها حكمت بلاد فارس بعد أسر حاكمة متعددة أعقبت سقوط الخلافة العباسية ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الطاهريين ، والصّفارين ، والسامانيين ، والبويهيين ،والغزنويين ، والفوريين ، والسلاجقة ، وقد حكم بعدهم المغول ثم جاء التيموريون وهم من خلفهم على الحكم الصفويون حتى قضى على هؤلاء الأتراك العثمانيون ، وظهرت بعد ذلك أسرة بهلوي التي انتهى أمرها بثورة الخميني، والتي كرست العقيدة الشيعية الإثني عشرية على طريقة وتهج الحاكم الصفوي إسماعيل الأول ومن جاءوا بعده من ورثته .
ومن أجل فهم المواقف الإيرانية الحالية المتمثلة في التآمر مع الغرب على حساب القضية الفلسطينية كما حصل أول أمس بشكل مكشوف لا غبار عليه، لابد من استحضار النزعة الشعوبية التي تغذيها العقيدة الشيعية الإثني عشرية المعادية للعقيدة السنية ، وهي عقيدة تعود في الأصل إلى المعتقد السبئي نسبة إلى اليهود عبد الله بن سبأ الذي كان قادح نارالفتنة التي ذهب ضحيتها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد ألب عليه السوقة والرعاع ، وكان من غلاة الشيعة وقد أضفى بعض صفات الألوهية على الإمام علي كرم الله وجهه ، وقد تبرأ منه هذا الأخير ،ومن افتراءاته عليه ، وهو أول من سن لعن وشتم الصحابة خصوصا الصديق والفاروق وبنتيهما عائشة وحفصة رضي الله عنهم أجمعين ، وهو سبب وقوع معركة الجمل ، وهو المنظر لعقيدة الوصية أي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب بالإمامة بعده ، وهي مقتبسة من كتاب اليهود العهد القديم ، سفر التثنية، الإصحاح رقم 18 . وهو أيضا المنظر للرجعة ، وهي عودة علي بن أبي طالب إلى الحياة بعد موته ،على غرار عودة المسيح عليه السلام . وكان يقول لأهل مصر بعد أن فر إليها من الكوفة خوفا من الإمام علي: كيف يؤمن الناس بعودة المسيح ، ولا يؤمنون بعودة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعودة علي بن أبي طالب ؟ وكان يلوي بأعناق آيات قرآنية كي يستدل بها على ما كان يفتريه لتضليل أتباعه . وكان أول من أعلن البراءة من أعداء علي ،وحكم عليهم بالكفر.
نعود إلى القول بأن فهم الموقف الإيراني أول أمس، وهو موقف ينم عن خيانة عظمى صارخة ،تستهدف جهاد وصمود المقاومة الفلسطينية في غزة ، والمتمثل في حبك مسرحية المسيرات والصواريخ الهزلية ، يقتضي استحضار العقيدة السبئية المنحرفة ، ذلك أن مواقف الخذلان المخزية والمضرة بالقضية الفلسطينية التي قوامها الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك وعن فلسطين المحتلة ، مصدرها فساد هذه العقيدة التي تداولها الشيعة منذ السبئية إلى عهد الصفوية إلى عهد الخمينية والخامنائية .
ومعلوم أن عقيدة إشراك الخلق في صفات الخالق سبحانه وتعالى أو في صفات من اصطفاهم من رسله وأنبيائه صلواته وسلامه عليه أجمعين، هي استمرار للفكر الوثني الجاهلي عند العرب في شبه جزيرة العرب ، وعند غير العرب من الأمم الوثنية . وقد كانت العرب في جاهليتها تعبد الأصنام، وتدعي أنها تقربها من الله زلفى، تعالى الله عما كانوا يفترون علوا كبيرا . ولقد اقتبست هذه العقيدة الفاسدة الكثير من الفرق المحسوبة على الإسلام شيعية ،وطرقية ، مع اختلاف في تسميات المتزلف بهم بين شيوخ كمّل أو أقطاب زمانهم أوأئمة معصومين ، تنسب إليهم الكرامات وحتى المعجزات أحيانا ، ومنهم يعود بعد موته وفق عقيدة الرجعة ، ومنهم من يتصل بالأتباع والمريدين أوالمتشيعين عبر أضغاث الأحلام . ولقد نقلت وسائل الإعلام في العراق صوت أحد الشيعة ، وهو ينادي على المهدي كي يسدد رمي المسيرات والصواريخ الإيرانية ، وهو دعاء لا يوجه إلى غير الله تعالى عند من يصح اعتقادهم .
وعلى غرار الزعماء الصفويين الذي كرسوا السبئية بعد قرون على اندثارها يسير القادة الشيعة في إيران اليوم ، ويكرسونها تحت اسم المذهب الشيعي الإثني عشري ، ويخدمون بها مصالحهم المادية الصرفة ، ويكدسون بها الأموال الطائلة ، الشيء الذي يجعل مواقفهم لا تستقيم على مبادىء ،بل توجهها المصالح حتى وإن كانت تحالفا مع الشيطان أو الأعداء مع التمويه على خيانتهم من خلال الجهر بعداء كاذب لهم ، مع وجود علاقات مصالح في السر والخفاء ، خصوصا وأن هؤلاء الأعداء ، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني تجمعهم بهم جذور سبئية مستوحاة من كتاب العهد القديم ، ومن السامرية التي هي جزء لا يتجزأ من عقيدة الوصية والرجعة ، والتي ذمها الذكر الحكيم .
وبقي أن نقول أن مهزلة الجبهات الشيعية في لبنان ، والعراق ، واليمن وما تقوم به من تمثيل فلكلوي منذ السابع من أكتوبر، لا يختلف عن المسرحية الهزلية التي أداها النظام الإيراني بشكل فج ، وقد أصبحت حديث تنذر وسخرية لدى الرأي العام العربي والإسلامي . ولو أن إيران وجبهاتها كانت صادقة في عدائها للكيان الصهيوني، لدخل الجميع الحرب يوم السابع من أكتوبر دخول المقاومة الفلسطينية المظفرة بعون الله تعالى ، ولو أرادوا الدخول إليها لأعدوا له عدته ، ولكن كره الله انبعاثهم لفساد مرجعيتهم العقدية التي تتطاول على ألوهيته تعالى عما يصفون علوا كبيرا ، وتضمر العداء للمسلمين ، وتبطن الولاء للكافرين ، وكفى بشهادة شاهد من أهلها هو زعيم حزب الله السابق السيد صبحي الطفيلي .
وسوم: العدد 1076