الدور الذي لعبته ألمانيا وأدى إلى انفراط عقد الإمبراطورية العثمانية
الدور الذي لعبته ألمانيا وأدى إلى انفراط عقد الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى تتولاه إيران اليوم في سوريا( الجزء الثالث)( ماكس فون أوبنهايم أنموذجا Max von Oppenheim).
تعد الحضارة الإسلامية من أهم الحضارات التي لم تقتصر على العرب فحسب، بل كانت حضارة جميع الشعوب الإسلامية، التي شملتها الرسالة النبوية حتى انتشار الإسلام في كافة أصقاع الأرض. وأدى ذلك إلى ظهور دول إسلامية غير عربية. وكانت ألمانيا أحد أهم مراكز الاستشراق في العالم منذ بداية القرن السابع عشر. وقد صار العالم الغربي الحديث مهتما بشكل خاص بدور الحضارة الإسلامية التي لعبت دورا مهما في ظهور الاستشراق. ولقد اهتم المستشرقون الألمان بكل ما أنتجته الحضارة الإسلامية من موضوعات مهمة في الأدب والفن والفكر والسياسة والتاريخ. ولست معنية هنا في تعريف الاستشراق لغة واصطلاحا ! لأنه
ليس موضوع المقالة الرئيس!
وبناء على ذلك قد يسأل سائل ما علاقة الاستشراق بعنوان المقالة؟ لقد أثرت الدوافع الاقتصادية والسياسية والعسكرية على الدراسات الشرقية الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لأن ألمانيا دخلت في منافسة امبريالية مع بريطانيا العظمى وفرنسا وخاصة خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918، و مثل هذه المرحلة خير تمثيل المستشرق الألماني ماكس فون أوبنهايم( Max Von Oppenheim) ، الذي تميز بحنكته السياسية وذكائه السياسي وخبرته في المجال الدبلوماسي واكتسب تأثيرا مباشرا على السياسة الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918. حيث قدم نفسه للممثلين السياسيين والمؤرخين العرب الذين عاصروه أمثال محب الدين الخطيب والأفغاني وشكيب أرسلان و وعبد العزيز جاويش ومحمد فهمي ومنصور رفعت. بوصفه عالم آثار و أكاديمي، حيث استطاع إخراج حضارة قديمة من تحت الأرض إلى النور في موقع التنقيب السوري في تل حلف. ويعد أوبنهايم المؤسس الحقيقي لفكرة الجهاد الإسلامي أو الحرب المقدسة، وهو الحدث التاريخي الأهم في تأثير الدعاية الألمانية للجهاد المقدس في السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918 ضد أعداء ألمانيا، فرنسا وبريطانيا . وبذلك يكون قد جمع بين التطلعات الاستشراقية والسياسية لخدمة المصالح الاستعمارية الألمانية . و أيد أوبنهايم فكرة الجهاد الإسلامي وحاول تطبيقها في أراضي السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918. لكنه لم ينجح! بينما سبقته السياسة البريطانية باختراع فكرة الإسلام السياسي الموالي للغرب وكذلك فكرة القومية العربية. واستفادت بريطانيا من ذلك في تطوير هذه الفكرة وجعلها قابلة للتطبيق حتى يومنا هذا. وبذلك يكون قد قدم خدمة جليلة لبريطانيا دون أن يدري وساهم في انفراط عقد الإمبراطورية العثمانية وإن أوهمها العكس! رغم استعانته بالممثلين السياسيين والمؤرخين السوريين والعرب الذين سبق ذكرهم أعلاه. وكذلك محاولات التواصل مع الشريف حسين وابنه فيصل، الذين خدعوه لتواصلهم مع البريطانيين للقضاء على السلطنة العثمانية. وربما كانت دوافعهم أي الممثلين السياسيين والمؤرخين السوريين في ذلك خوفهم على مصير الدول العربية في حال انهيار السلطنة العثمانية، أو أنهم تصرفوا انطلاقا من الكراهية التقليدية للمصالح الاستعمارية. ربما !
عندما أرادت تركيا التحديث تحت تأثير القومية الألمانية ظهرت تركيا الفتاة ، وقامت بتحديث تركيا كدولة قومية بدلا من الخلافة الإسلامية. حيث تم استخدام القومية العربية كفكرة في الحرب العالمية الأولى 1914-1918 لإنهاء السلطنة العثمانية أو الخلافة الإسلامية، و تأسيس دولة أتاتورك في "الشرق الأوسط" على الطراز العلماني الحديث. وبذلك يكون أوبنهايم قد لعب الدور نفسه الذي لعبه لورنس العرب لصالح بريطانيا لكنه لم ينجح. وانتهى دوره السياسي في ألمانيا بانتهاء الحرب العالمية الأولى 1914-1918. ولم يكن له أي صلة سياسية بالحكومة النازية. لكن سمحت له سلطات الانتداب الفرنسية بالاستمرار في عمله الآثاري في الأراضي السورية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1914-1918. وأسدل الستار عن ظاهرة استشراقية وسياسية فريدة تجسدت في شخصيته، وتوفي معدما فقيرا عام 1946. إذا هي السياسة الماكرة التي تستخدم كل ما لديها من أدوات اقتصادية وثقافية وفكرية وعلمية وكذلك استشراقية لتحقيق أهدافها بإنعاش السياسة الخارجية؛ وتحقيق أهدافها الاستعمارية الإمبريالية على حساب وحدة الشعوب وكرامتها واستقلالها.
يتبع …..
وسوم: العدد 1076