اتساع رقعة الاحتجاجات الطلابية في بلاد الغرب وقمعها من طرف الأنظمة الغربية يفضحانها
اتساع رقعة الاحتجاجات الطلابية في بلاد الغرب وقمعها من طرف الأنظمة الغربية يفضحان تورطها في جرائم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وهي مؤشر على تغيير جذري قادم في واقع عالم اليوم
لقد انطلقت الاحتجاجات والاعتصامات في أعرق الجامعات الأمريكية التي تقود الحركة العلمية والفكرية والفلسفية في العالم الغربي ، وفي سائر دول العالم التي تتطلع جامعاتها إلى اللحاق بركب تلك الجامعات الرائدة . وانتقل بعد ذلك تأثير تلك الاحتجاجات إلى سائر جامعات بلاد الغرب سواء في القارة العجوز أو في ابعد نقط في أستراليا . ومعلوم أن هذا الذي حدث تضامنا مع الشعب الفلسطيني ضحية جرائم الإبادة الجماعية بأسلحة غربية أمريكية وأوروبية ، وبدعم لا حدود لها للكيان الصهيوني العنصري المحتل لأرض فلسطين الذي مكنته منها حركات الاحتلال الغربي للبلاد العربية والإسلامية في القرن التاسع عشر ، و هي التي تتحمل المسؤولية الأخلاقية والتاريخية عن بث ذلك الكيان السرطاني الخبيث في القلب النابض للوطن العربي والإسلامي ، يعتبر نقطة تحول كبرى في العالم الغربي الذي كانت أنظمته تسوق لرعاياها فكرة دعم الكيان الصهيوني من خلال تصويره كضحية للكراهية والمعاداة لكونه سامي العرق مقابل تسويق فكرة الإسلاموفوبيا والإرهاب الملصق بكل من ينتمون إلى دين الإسلام ، وتصويرهم كوحوش كاسرة تهدد الحضارة الغربية ، واستقرار الأمن والسلام في العالم ، وتعادي القيم الغربية العلمانية والديمقراطية والحريات ...
ولا شك أن النخبة الطلابية الجامعية في الغرب انطلاقا من الجامعات الرائدة في الولايات المتحدة ، وانتقالا إلى الجامعات الأوروبية ، وهي نخبة يؤطرها الفكر الرائد الذي تتلقاه على يد فلاسفة وعلماء ومفكرين لهم وزنهم في العالم، يمثل الوعي الحقيقي السائد في المجتمعات الغربية التي كانت الأنظمة فيها تعتقد أن رعاياها إن هي إلا قطعان تساق سوق المواشي حتى فوجئت بالحقيقة التي كشفت عن الوعي الطلابي الرافض للخضوع لها خضوع السواد الأعظم المنشغل بمظاهر الرفاهية المادية ، والمنصرف إلى الرياضة والفن وكل أشكال اللهو ... مما يلهى به عما يجري في العالم خصوصا في العالم البائس الذي تضطهد شعوبه ، وتستنزف خيراته ومقدراتها من أجل توفير الرفاهية لسواد تلك الشعوب الغربية المشغولة بالرفاهية واللهو.
ولقد نجح اللوبي الصهيوني المسيطر على رؤوس الأموال وعلى الإعلام ، وعلى كل شيء في بلاد الغرب في التحكم في كل المجتمعات الغربية ، وقد جعل شعوبها طوع إرادته يفعل بها ما يشاء متى وأنى شاء من خلال اختيار من يحكمها ممن يظهرون له أكبر قدر من الانصياع له والخضوع ، وعلى رأس الانصياع الدعم اللامحدود واللامشروط للكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين والمهجر لشطر من شعبها خارجها ، والمحاصر والمضطهد للشطر الآخر في قطاع غزة والضفة الغربية ، والمبتلع لشطر ثالث في باقي مناطق فلسطين مما بات يسمى دولة إسرائيل .
ومع اندلاع طوفان الأقصى ، وهو في حقيقة أمره ردة فعل عنيفة على درجة التعسف الصهيوني ضد أهل غزة المحاصرين لما يقرب من عقدين حصارا خانقا مع تكرار العدوان الصهيوني عليهم خلال هذه المدة عن طريقة آلة عسكرية غربية شرسة يوفرها له قادة غربيون يعينه اللوبي الصهيوني النافذ كل النفوذ في المجتمعات الغربية ، والمسيطر فيها على صنع القرار ، انطلقت شرارة الوعي الطلابي في الجامعات الأمريكية أولا ، ثم انتشر عبر الجامعات الأوروبية ، وسقط قناع تهافت الديمقراطية الغربية حيث واجهت إداراتها الحاكمة الاحتجاجات والاعتصامات ضد جرائم الإبادة الجماعية بالعنف المفرط ، وبالاعتقالات ، وآخر ما لجأت إليه التهديد بإلغاء تأشيرات وإقامات الطلاب الأجانب ، وهي تريد بذلك حصر مسؤولية تلك الاحتجاجات والاعتصامات المندلعة في هؤلاء الطلبة من أجل إعطاء انطباع للرأي العام فيها ، وفي عموم العالم أن طلبتها قد استدرجوا إلى هذه الحركة الطلابية استدراجا ، ولم تقف عند هذا الحد ، بل جيشت طلابا مستأجرين بإيعاز من اللوبي الصهيوني لمهاجمة الاعتصامات الطلابية لتبرير تدخلاتها العنيفة ضدهم، وكأن الأمر يتعلق بإخلال بالنظام ، وبث للفوضى ، والحقيقة أن تلك التظاهرات والاعتصامات سلمية لا علاقة لها بفوضى ، ولا بإخلال بالنظام، بل هي مشروعة كما تنص على ذلك قوانين الأنظمة الغربية المفاخر بالديمقراطيات ، وبحقوق الإنسان اعتقادا وتعبيرا ،بل والوصية عليها في العالم ، والمعاقبة لكل نظام في هذا العالم يخرج عن إطارها . ولقد جاء رد فعل تلك الأنظمة على الحركات الطلابية المنادية بوقف جرائم الإبادة في قطاع غزة وعموم فلسطين مكذبا لما تدعيه الأنظمة الغربية من قيم وهمية لا أثر لها في الواقع ، وقد سقطت بذلك أقنعتها أمام الرأي العام الدولي الذي يتابع تفرجها على تلك الإبادة، بل وعلى تورطها فيها بشكل مباشر عن طريق توفير أسلحة الفتك والدمار لعصابات الجيش الصهيوني الذي استأجر بدوره عصابات المرتزقة من دول غربية وأمريكية لاتينة وغيرها كي يحدث دمارا شاملا في قطاع غزة ، و يفتك ، ويبيد الآلاف من سكانه أغلبهم مدنيين ، وأكثرهم أطفال أبرياء ، وأمهاتهم ، فضلا عن شيوخ وعجزة ومرضى .
إن الحركة الطلابية الغربية المناهضة في الحقيقة للحركة الصهيونية من خلال مناهضة ما تقترفه من جرائم حرب ، وجرائم إبادة جماعية ، تعد نقطة تحول ستؤدي حتما إلى نهاية خرافات وأساطير صهيونية في عالم اليوم . وستقود النخبة الطلابية وهي الطليعة العالم إلى وضع جديد يغير من ملامح وضع ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وهو وضع لا يقل سوء وفوضى عن وضع ما قبل تلك الحرب التي أوقدها الصراع على المستعمرات وموارد ومقدرات شعوبها المحتلة بلادها. ولا شك أن توجه العالم بعد هذه الحركة الفكرية الراشدة سيكون نحو وجود عالم بقيم غير القيم السائدة اليوم، والتي تجعل شعوب المعمور فئتين فئة تعيش الرفاهية واللهو ، وأخرى تعاني الفقر المدقع، والقهر، والتسلط ،والاستبداد الذي مصدره أنظمة خاضعة للأنظمة الغربية الخاضعة بدورها للوبي الصهيوني المتوحش .
ولن يتوقف الحراك الطلابي عند هذا الحد كما تظن الأنظمة الغربية من خلال قمعه ،بل سيأخذ أبعادا أخرى ، وستكون له تداعيات في كل ربوع المعمور ، وإن غدا لناظره قريب .
وسوم: العدد 1079