فيتو أمريكي ينقض قرار وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة

فيتو أمريكي ينقض قرار وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة بالرغم من إدانة محكمة الجنايات الدولية المسؤولين عنها وإصدارها مذكرات اعتقال في حقهم

مرة أخرى تستعمل الإدارة الأمريكية الفيتو لمنع صدور قرار بوقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة المحاصرة والمجوعة ساكنتها أمام صمت وتفرج ساسة العالم دون تحريك ساكن باستثناء مظاهرات وحراكات الشعوب المنددة  بها والشاجبة  لفظائعها، ولسكوت حكامها على ذلك وفضح تأييدهم للكيان الصهيوني من خلال إمداده بالأسلحة الفتاكة ، بل بمشاركتهم الفعلية معه في اقتراف جرائمه الوحشية .

والفيتو الأمريكي الأخير على غرار سابقيه فضح الإدارة الأمريكية التي كانت ولا زالت تسوق إعلاميا لدعاية مفادها أنها تعمل على وقف الحرب في  قطاع غزة، وما ذلك إلا تمويه على مشاركتها المباشرة  والفعلية في جرائم الإبادة الجماعية ، وهي تسوف بذلك وتمدد المهلة الكافية للكيان الصهيوني كي يبيد سكان  قطاع غزة تمهيدا لضمه مع الضفة الغربية، واستعدادا للتوسع في أقطار من  الوطن العربي من أجل تحقيق حلم إنشاء وطنه التلمودي المزعوم .

ولقد تبين اليوم  لكل شعوب المعمور أن الفيتو هو أخطر آفة خلفتها الحرب العلمية الثانية حيث جعل مصير العالم بيد الدول النووية التي تتصرف فيه وفق أهوائها وكما تشاء دون محاسبة ، وقد جعلت من  قوة قرار الفيتو ما يفوق قوة إرادة كل شعوب المعمور . ولقد صار التصويت على القرارات في مجلس الأمن عبارة عن مسرحية هزلية  معروفة النهاية حتى أن الرأي العام العلمي صار يعلم علم اليقين مسبقا هذه النهاية المثيرة للسخرية ، والدالة على مدى استخفاف دول الفيتو بإرادة  كل شعوب العالم ، وبمصائرها المعرضة للعبث خصوصا عندما يتعلق بهلاك بعضها كما هو الشأن بالنسبة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة .

ولا شك أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة على السلطة تضع الفيتو مباشرة  رهن إشارة الكيان الصهيوني عندما يتعلق الأمر بما يدينه ، وهي بذلك تعطيه الضوء الأخضر للتمادي في عدوانه على الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه بالقوة ، وهو محروم من حقه  في الدفاع عن استقلاله بنفس الأسلوب الذي استعمل لاحتلاله   علما بأنه حق  تقرهة القوانين الدولية .  

وأية فضيحة  هي أشنع من فضيحة الفيتوهات  الأمريكية  المتتالية ، والتي استعملت لنقض قرار وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة ؟ وماذا عسى الإدارة الأمريكية أن تقول لجماهيرها الساخطة والتي خرجت في مسيرات ومظاهرات حاشدة منددة بها كأشد ما يكون التنديد ؟ وهي تبرر منعها بالقوة تحت ذريعة التصدي ومنع  " معاداة السامية " ، وهي ذريعة صارت مبتذلة كأشد  ما يكون الابتذال في نظر الرأي العالم العالمي الذي يتابع الصور الحية لجرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة  والتي ترتكبها السامية الشاكية والباكية  وتلوح باتهام كل من يندد بما تقترفه من فظائع بنفس الذريعة " معاداة السامية " .

وتزامنا مع الفيتو الأمريكي أصدرت محكمة الجنايات الدولية أحكاما أدانت فيها الإبادة الجماعية في قطاع غزة بشتى الأساليب الوحشية بما في ذلك تجويع أهالي قطاع غزة ، كما أدانت رئيس وزراء الكيان الصهيوني ووزير دفاعه المسؤولين عنها ، وقضت باعتقالهما. ولقد فضح  أحكام هذه المحكمة الفيتو الأمريكي الذي صار في وضعية شرود  فاضحة. وما كاد قرار المحكمة يعلن حتى سارعت الإدارة الأمريكية إلى انتقاده بشدة مع تهديدها الصريح  للمحكمة ، علما بأنها كانت أول من سارع إلى الترحاب بقرار نفس المحكمة  حين أدانت الرئيس الروسي ، وقضت باعتقاله  بتهمة ارتكابه جرائم حرب في أوكرانيا . فهل توجد  فضيحة  أشنع من فضيحة ازدواجية المكيال لدى هذه الإدارة الشيء الذي يعرضها لسخرية الرأي العام العالمي وإدانتها ؟

ولم يختلف رد فعل الإدارة الأمريكية يخصوص قرار محكمة الجنايات الدولية عن رد فعل الكيان الصهيوني حيث وصفه قادته  الضالعون في جرائم الإبادة بمن فيهم رئيس الوزراء ، ووزير الدفاع  وغيرهما  من الوزراء والمسؤولين بأحط النعوت ، واعتبروه قرارا معادية للسامية ، كما اعبروا يوم صدوره أسود يوم في تاريخ  البشرية .... واستخفوا به كأشد ما يكون الاستخفاف بكل تعال وغطرسة .

ورد فعل الصهاينة على قرار هذه المحكمة يعكس مدى تشبثهم بأخطر نزعة عنصرية عرفها التاريخ البشري حيث يعتبرون  أنفسهم عرقا فوق كل الأعراق البشرية ، وهم بذلك في اعتقادهم  فوق الإدانة والمحاسبة والمحاكمة ،ولذلك هم  يعتبرون ما يقترفونه من جرائم إبادة جماعية  في قطاع غزة و في عموم  الأراضي الفلسطيني  سلوكا مبررا ،لأن الفلسطينيين في نظرهم ليسوا بشرا، بل هم مجرد حيوانات كم صرح بذلك بعض مجرميهم، وقد سمع به الرأي العالم العالمي وأدانه بشدة .

إن استخدام الإدارة الأمريكية للفيتو لنقض قرار وقف الإبادة الجماعية التي صوت عليه أعضاء مجلس الأمن ، وانتقادها قرار محكمة الجنايات وتهديها بسبب ذلك يعتبر ضوءا أخضر للكيان الصهيوني كي يتمادى في إجرامه ،الشيء الذي يجعل العالم  يعيش فترة  أسوأ انحطاط للقيم الإنسانية  والأخلاقية حيث انحدرت إلى أسفل درك ،وهذا ما ينذر بمصير خطير يتهدده ما لم تتوقف سطوة الفيتو الأمريكي ، وسطوة باقي الفيتوهات التي تدوس على القيم الإنسانية  والأخلاقية بكل وقاحة .

وعلى شعوب العالم الحر إذا ما  قد بقي لحريتها من معنى أن تنهض بمسؤولية صيانة الكرامة البشرية التي تنتهك في فلسطين المحتلة ، وفي العديد من بلدان  العالم وإلا فإن  امتهان كرامة الفرد الواحد في هذا العالم هو بمثابة امتهان لكرامة البشرية جمعاء .

وسوم: العدد 1103