من بركات طوفان الأقصى
الطوفان حرر سورية و سيتحرر الشام كله بإذن وذلك إيذان بتحرير الأمة كلها كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أحوجا إلى البشائر وتحرير الأوطان وعودة الأمة إلى مركز الرقي والريادة لتعود الخلافة على منهج النبوة "حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، ولنا هذه الأيام أن نفرح ونستبشر ونجن نرى التدبير الإلهي يعمل بجلاء، فطوفان الأقصى وفّر الظروف لتحرير سورية من الاستبداد والاحتلال الروسي والإيراني وهذه بشارة أنه سيحرر فلسطين...إنه القدَر الذي يرسم الخطوات والخرائط والمصائر في عالم الغيب ويجسدها في دنيا الناس، ولئن كان سقوط الكيان الصهيوني سيأخذ شكلا مغايرا لسقوط النظام البعثي في سورية فإنه محتوم وفقا لسنن الله في المجتمعات، قال تعالى "﴿ َفكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾- سورة العنكبوت 40...فرح السوريين والعرب والمسلمين بزوال نظام الظلم والقهر والاستعباد والتبعية للخارج يفتح لنا أبواب للأمل كاد الواقع المرير أن يغلقها في وجوهنا، فقد منّ الله علينا بالصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي وكنا نتمنى أن نصلي في المسجد الأقصى وهو محرر وأمنيتنا الآن أن نؤدي الصلاة في الجامع الأموي بدمشق بعد أن استعاد عافيته وعاد إلى أحضان أهل السنة لنشمّ رائحة الأمويين الذين أوصلوا لنا الإسلام وخدموا العربية ورائحة ابن تيمية وابن القيم وصولا إلى مصطفى السباعي وعصام العطار وعبد الفتاح أبو غدة وأمثالهم من مصابيح الهدى ومنارات الدجى.
وحتى لا يكون تحرير سورية طفرة أو إنجازا معزولا أو بناء هشّا فإن هناك حلا واجد فقط بالنسبة للعرب والمسلمين هو العمل الجاد العميق المتواصل الممنهج لإشاعة الحرية والعدل وإقامة دولة المؤسسات وتسيير البلدان بالشورى وسد طرق الاستبداد بإحكام وليس هناك وسيلة لبلوغ ذلك إلا تطبيق شرع الله تعالى وهذا شيء ممكن الآن أكثر من ذي قبل لأن الناس سئموا الاستبداد من جهة وجربوا الحكم العلماني من المحيط إلى المحيط من الجهة الأخرى فما جنوا منه إلا التخلف والحياة الضنك والتفسخ الأخلاقي وتشويه الإسلام والتبعية الذليلة للغرب بغير مقابل، والقضية ليست سياسية بحتة بل هي تربوية بالمعني الإيماني والعلمي للكلمة فعلى الأمة – وبإشراف العلماء المتخصصين والدعاة الربانيين والمربين الرساليين والبيوت المؤمنة أن يشرعوا من الآن ووفق خطط مدروسة في تربية الأطفال والشباب على معاني الرجولة والبطولة والعزة، ويجعلوهم يتابعون مسلسل غزة الرفيع المستوى - فهو أفضل ألف مرة من المسلسلات التي ألِفوها - ويقولوا لهم إن البطل الحقيقي ليس رامبو بل الملثم وهنية والسنوار وإخوانهم، ويخرجوهم من حياة الاسترخاء واللهو إلى مستوى القساميين، ويبثوا فيهم روح الإسلام ونخوة العرب وأثار أحمد ياسين...إنها فرصة ثمينة ليعيدوا الجيل إلى التربية الصحيحة ليس على المناهج التغريبية المستوردة لكن على مناهج أبطال غزة، فعلى مدى سنوات هل رأيتم هناك شبابا طائشا أو امرأة متبرجة؟ وهل رأيتم اليوم فيهم جزعا أو خوفا أو تراجعا؟ ولعل حجر الأساس في البناء الذي تأمله الأمة هو إقامة صرح الحرية في النفوس والواقع على أنقاض الاستبداد وكل ما يسوّغه من قول أو عمل لأن إقامة دولة العقل والقانون – قبل دولة الشرع – لا يتلاءم مع هذه "المعالم الحضارية الكبرى" المتناثرة من المحيط إلى الخليج:
سجن صيدنايا : كنا نعرف حاله قبل تحرير سورية لكن من يظنون أن الطاغية يؤيد المقاومة كانوا يرفضون التصديق.
سجن تازممارت في المغرب، وهو من طراز صيدنايا، من إبداعات من كان ينتحل اسم "أمير المؤمنين".
السجن الحربي بمصر، سلخ فيه ألوف العلماء والدعاء والأبرياء منذ عهد الطاغية الأول إلى الآن.
سجن بوسليم بليبيا: في يوم 29 جوان 1996 قُتل فيه 1270 سجين بالرصاص بأمر من الحاكم لأنهم ثاروا ضد ظروف اعتقالهم.
سجن أبو غريب بالعراق الذي اشتهر بعد "تحرير" البلاد وحوّله "المحررون" إلى مسلخ بشري لأحرار العراق الذين قاوموا الغزو الهمجي لبلادهم.
هذه معالمنا الكبرة يا خير أمة أخرجت للناس، فكيف لا تكون حياتنا عبودية لغير الله وذلا وتخلفا؟ وهذا ما يجعلنا نتعلق بأي بصيص أمل تعلق الغريق بالقشة، فها نجن أولاء نفرح بمستجدات سورية: أحمد الشرع (الرئيس الفعلي) يأمر بعدم تعليق أي صورة له في أي مكان، رئيس الحكومة يخطب الجمعة في جامع الأمويين، وزير العدل – وهو خريج العلوم الشرعية - يتكلم عن تطبيق قطاعه الوزاري لأحكام الشرع.
لكن ...كيف تطيق الأنظمة العربية كل هذا وهي تؤمن بدين واحد هو "العلمانية" التي تحترم الخمور والتبرج وركن الإسلام الأول فيها هو "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين".
وسوم: العدد 1107