مخاوف مشروعة من مخاطر مهددة للثورة السورية ( مجرد وجهة نظر)

أعادت الثورة السورية التي أنهت فترة الشمولية المقيتة  في سوريا لعقود نفسا جديدا للربيع السوري الذي بدأ سنة 2011 متزامنا مع ربيع شعوب عربية أخرى .وكانت أجواء احتفال الشعب السوري بنجاح الثورة يوم أمس إيذانا بوصل الفصل الأول من ثورته التي قمعت كأشد ما يكون القمع ، مع أنه لم تكن مطالبه يومئذ أكثر من فسحة أو هامش من الحرية ، ونصيب من الديمقراطية بالفصل الثاني من ثورته التي أخذت طابع المواجهة المسلحة ، وهي التي ظلت تقمع من طرف حلفاء النظام المنهار الروس، والإيرانيين ،والعناصر التابعة لهم في لبنان ، وفي العراق . ولقد عبرت الثورة المسلحة عن إرادة شعب مقهور فقد خلال ما يزيد عن عقد  كل بصيص أمل في الخلاص من وحش كاسر موظفا في  إنفاذ وحشيته  عن طريق عناصر إجرامية متوحشة من جنده، وأمنه، ومخابراته ، وموظفا  أيضا طائفيته المقيتة ، وإيديولوجيته البعثية الشوفينية .

وما كاد الثوار السوريون يعلنون سيطرتهم على البلاد ، وفرار الطاغية منها نحو حلفائه الروس حتى بدأت بعض الجهات التي لم تكن تُعنى من قبل  بمأساة الشعب السوري تعبر عن تضامنها مع ثورته ، ولكن بعبارات لا تخلو من تشكيك فيها  ، وتوجس منها ، وحتى الذين كانوا شركاء في إبادة السوريين  بالبراميل الحارقة  ، والغازات الكيماوية من روس، وإيرانيين، وعراقيين زعموا كذبا أنهم يتمنون لهم الاستقرار، ووحدة وطنهم ، مع أنهم هم  من مزقوه  شر تمزيق بتدخلهم العسكري السافر والظالم  فيه ، وذلك من أجل مصالح لهم هي في منتهى الخسة والدناءة . والملاحظ أن هؤلاء خصوصا إيران والعراق  يزدوج لديهم الخطاب بخصوص موقفهم من الثورة السورية ، فمن جهة يدّعون وقوفهم إلى جانب الشعب السوري في ثورته ، ومن جهة أخرى يسوقون خطاب تخوين ثورته ، واتهامها بخدمة الأجندة الصهيونية . والمثير للسخرية أنهم أرادوا من الثورة المنشغلة بترتيب بيتها الداخلي أن تواجه التوغل الصهيوني من جهة الجولان من أجل التفرج عليها ، علما بأنها لا تستطيع الجواب عن سؤال  لماذا لم يشارك السفاح الفار في الحرب الدائرة في غزة ولبنان ؟ ولماذا لم يطلق رصاصة واحدة في اتجاه الجولان المحتل ، ولم ينفذ تهديدا واحدا من تهديداته بالرد على الغارات الصهيونية ؟   

ومع حشر جهات عدة أنوفها في الشأن السوري ، يحق للشعب السوري، بل من واجبه أن يتوجس من مخاطر إجهاض ثورته التي قدم ثمن التضحيات غاليا ،  وتحويل ربيعه إلى خريف من جديد ، وذلك من طرف كل الذين برزوا لادعاء التعاطف معه ،سواء  منهم من كانوا يدعمون السفاح الفار بجلده علانية  أو من  الذين استقبلوه ،وقربوه إليهم بعد قطيعة  معه، وكلهم  يتظاهرون اليوم  بتهنئة الشعب السوري على التخلص من جحيمه ، فضلا عن مخاطر العدو الصهيوني  اللدود  الذي لم يتردد في الإسراع  بالتوغل في أرضه التي يحتل جولانه ، وذلك بذريعة حماية حدوده التي لا حد لها حسب خرائط الوطن التلمودي  الخرافي المزعوم ، وفضلا عن  مخاطر الإدارات الغربية الداعمة له، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية ،ويستثنى  النظام  التركية الذي استقبل فوق أراضيه السوريين المضطهدين  والمهجرين قسرا ، وآواهم ، ودعم ثورتهم ، مع وجود مصالح له في انتصار ثورتهم .

 وتفصيلا للمخاطر المحتملة أو المتوقعة  والمهددة لثورة الربيع السوري نذكر ما يلي :

1 ـ الخطر الصهيوني الذي عبر دائما عن أطماعه في القطر العربي السوري ، وهو يعتبره جزءا من وطن الصهاينة المنصوص عليه في  الخرافات والأساطير التلمودية ، ويكمن هذا الخطر في استفزاز الثوار  بالمزيد من التوغل في أرضهم  كي يضطرهم إلى رد فعل ، فيتخذ من ذلك مبررا لغزو سوريا ثم لا يوقف غزوه إلا  بعد فرض شروطه  تماما كما فعل في لبنان . ولن يتردد الكيان الصهيوني في المشاركة مع  كيانات يكون لها دور في إشعال  حرب الفتن الطائفية  كما  سيأتي ذكره .

2 ـ  خطر الإدارة الأمريكية ،ومعها حليفاتها الأوروبيات  خصوصا فرنسا التي كانت سوريا ولبنان مستعمرات سابقة لها، وكلها لها مصالح فيها ، وفي منطقة الشرق الأوسط عموما . ومكمن الخطورة من قبل هذه الجهات الغربية هو أحد أمرين إما السعي نحو ترسيخ نظام يكون ولاؤه وتبعيته لها ، أو إضرام نار حرب أهلية طائفية  تأكل الأخضر واليابس ، وتفضي إلى تقسيم سوريا ضمن ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي لا زال هو التهديد الأكبر والأخطر في المنطقة ،والذي ستكون له  له تداعيات على كامل الوطن العربي وعواقب وخيمة . ولا حاجة للتذكير بأن هذا المشروع  إنما طبخ ليصب في مصلحة الكيان الصهيوني و تقويته ودعمه خصوصا وقد صرح مجرم الكيان الصهيوني  بأنه يسعى إلى جعل إسرائيل  هي اللاعب الأساسي في المنطقة بأسرها دون منازع .

3 ـ خطر الكيانات العربية التي ساهمت في إجهاض ثورات الربيع العربي إما عن طريق تمويلها كما حدث في مصر ، وتونس ، أو عن طريق النفخ في  نيران الحروب الأهلية والطائفية كما حدث في ليبيا، واليمن ،والسودان . ومعلوم أن الدافع وراء السعي لتسريع  تفعيل هذا الإجهاض هو التوجس من اشتعال   ثورات الربيع العربي التي أجهضت من جديد  ، وهو ما تعتبره تلك الكيانات تهديدا مباشرا لوجودها ،خصوصا بعد  نجاح ثورة الربيع السوري التي سبق إجهاضها  سنة 2011 من طرف الإيرانيين والروس والعراقيين، ولم يتوقع انبعاثها من جديد.

4 ـ خطر الكيانات الشيعية  وعلى رأسها إيران ، وجبهتها المتقدمة في لبنان ، وجبهتها في الأراضي العراقية ، وهي التي اندحرت بسقوط نظام السفاح وفراره أمام زحف الثوار السوريين ، وقد خسرت ممرها الاستراتيجي عبر سوريا الذي كان يعزز جبهتها المتقدمة في لبنان . ولن تتوانى هذه الكيانات في  تجريب كل أنواع الكيد والتآمر الخبيث والماكر من أجل إشعال نيران حرب أهلية  كي تتذرع بها  للتدخل في سوريا  لحماية الطوائف الشيعية التي تدين لها بالولاء  العقدي .

5 ـ  خطر عناصر النظام البعثي المنهار الذين قد يلجئون إلى تكوين عصابات إجرامية  تهدد أمن واستقرار سوريا ، ولا شك أنها ستجد حاضنة لها  في دول الجوار العراق،  وإيران  وجنوب لبنان .

6 ـ  خطر الكيانات المنضوية تحت تنظيم (قسد )، وهي ميلشيات قوات سوريا الديمقراطية ، و تتكون خليطها  من الأكراد، والآشور ، والسريان ، والتركمان ، والشركس ، والشيشان ، والعرب ، وهي تسعى إلى علمنة سوريا ، وتكمن خطورتها في نزعاتها الإثنية ، التي تجعلها تدين بالولاء إلى بعض  دول الجوار. ومعلوم أن الفصيل الكردي له طموح لإنشاء وطنه القومي  الممتد بين سوريا ، والعراق ، وتركيا ، وإيران ، وبلدان أخرى مجاورة . وقد تتخذ هذه الكيانات إحدى الوسيلتي إما المطالبة بحصة الأسد في البرلمان السوري ـ إن قدر له أن  يوحد ـ وذلك من أجل تحقيق الطموح  البلد العلماني ، أو التلويح بالعمل المسلح الذي يجر سوريا من جديد إلى حرب أهلية أخرى .

7 ـ  وحتى لا نقول الخطر التركي  المباشر كباقي أنواع المخاطر السابقة ، نظرا لما قدمه من دعم للشعب السوري في محنته ، نقول قد  تستدعي مصالح تركيا وعلى رأسها مواجهة حركة الانفصاليين الأكراد  إلى التورط في صراع طائفي  قد يتسبب  في اتساع نطاق الصراع ، تدور رحاها فوق الأراضي السورية.  

8 ـ  خطر الكيانات الإرهابية  والإجرامية التي استنبتت في سوريا من أجل إشاعة الإجرام ، والفوضى ، والتي عضها يستغل  شعار الإسلام  لتشويهه  ، و في نفس الوقت خدمة أجندات الجهات التي تقف وراءها  وهي في الحقيقة  تتخذ من دعوى  محاربتها ذريعة للتدخل في سوريا . وتكمن خطورة هذا الكيانات في طبيعته الدموية والإرهابية ،التي  قد تستغل اندلاع حرب أهلية في سوريا لتزداد إجراما وإرهابا على حساب الشعب السوري.

كل هذه الأطراف ذات المصالح  التي  بعضها معلن ، وبعضها  الآخر خفي،  تمثل تهديدا مباشرا لثورة الربيع العربي  في سوريا ، لهذا يجب أن يكون الشعب السوري في قمة يقظته لاحتضان  ثورته بقوة  وإصرار، وهو الذي قدم التضحيات الجسيمة من أجل نجاحها الذي سيمضي به إلى العيش في أجواء الديمقراطية  الحقة ، والحرية ، والعيش الكريم .  

وأخيرا هذه وجهة نظر شخصية  فقط ،اعتمدت فيها على ما عرفته سوريا من أحداث منذ اندلاع ثورة ربيعها سنة 2011 إلى غاية انهيار النظام الشمولي فيها خلال هذا الأسبوع . والمأمول عند الله عز وجل أن يحفظ الشعب السوري بكل أطيافه من كل الفتن ، وأن يعوضه خيرا عما عاناه من تسلط، وعسف لعقود تحت حكم شمولي طائفي دموي ضيع أجزاء من الوطن ، ودمر عمرانه ، وقتل وشرد ناسه ، وجعله مستباح السيادة من طرف كيانات ذات أطماع ومصالح لم  تعد خافية  على أحد.  

وسوم: العدد 1107