بَعدَ شَهر مِن فَتح ونَصر سُورِيَة، فرحة العُمر وبهجتنا الكبيرة وسُرورنا الشديد

فرحتنا الغامِرة بالجلاء الثاني وفتحِ الشام وسُورية وإزاحَة

سفَّاحِهما وطاغيتِهما العالَمِيِّ بشَّارُون الوَحشِ بنظامه الفاجِر

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر! لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبرُ كَبِيرًا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عَبدَه، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، وعلى أصحاب محمد، وعلى أزواج محمد، وعلى ذرية محمد، وسلم تسليما كثيرا.

الحمد لله رب العالمين القائل سبحانه: (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم*). آل عمران- 126، والقائل جل شأنه: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). محمد- 7، والقائل عز وجل: (وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُون*). الشعراء- 227، وهو القائل سبحانه: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يُؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار*). إبراهيم- 42، والقائل تعالى: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون* وأملي لهم إن كيدي متين*). القلم- 44- 45، والقائل سبحانه: (إن ربك لَبِالمِرصَاد*). الفجر- 14، والقائل تعالى: (ولا يُرَدُّ بأسُنا عن القوم المُجرِمين*). يوسف - 110.

وهو القائل في محكم كتابه عزوجل أيضا: (قل اللهم مالك الملك تُؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير*). آل عمران- 26. وقال جل شأنه: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون*). يونس- 58.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا وقائدنا إلى الأبد محمد رسول الله القائل: "إن الله لَيُملِي لِلظالِم، حتى إذا أخذه لم يُفلِتَه". ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القُرَى وهي ظالمة إنَّ أخذَهُ ألِيمٌ شَدِيد*). هود- 101، والحديث

متفق عليه عن أبي موسى الأشعري. "اللؤلؤ والمرجان" 932، برقم 1668.

لقد بدأت عملية "ردع العدوان" المباركة -وهي كالحُلم العجيب اللذيذ- في سورية على أيدي المجاهدين والثوار السوريين الأبطال -"هيئة تحرير الشام وإخوانهم"- في أواخر شهر "تشرين الثاني" فلم أهتم بها كثيرا، وظننتها عملية محدودة كسابقاتها "درع الفرات"، و"غصن الزيتون"، و"نبع السلام" في الأعوام السابقة الماضية.

فلما حُررت حلب -خلال نحو يومين، ورأى الناس حُسن معاملة المجاهدين لأهلها وعدم التدمير والقتل، بدأ اهتمام الناس -وأنا منهم- وإعجابهم بالعملية والمجاهدين يزداد، فلما انطلقوا -وتابعوا نحو المعرة فحماة- رأينا العملية جادة وشاملة، وعظمت فرحتنا ودهشتنا معا.

وتسارعت الأحداث، وتابع الثوار المجاهدون هجومهم وانتصاراتهم، وما هي إلا اثنا عشر يوما حتى جاء يوم الفتح المبين يوم الأحد 7/6/1446هـ = 8/12/2024م؛ فدخلوا دمشق الشام فاتحين منتصرين، وإذا بجيش بشار "أبو شحاطة" قاتل الشعب السوري - يختفي ويذوب، وإذا بقائده الرعديد الجبان بشار يفر مذعورا مدحورا كالفئران أمام القطط، أو كالظباء أمام الأسُود، إلى سيده بوتين مع ما استطاع سرقته من أموال الشعب السوري:

وفي الهَيجاءِ ما جرَّبت نفسي             و لكن في الهزيمة كالغزالِ

وإذا بقوات حزب اللات اللبناني، وعصابات إيران وتوابعها وأذنابها، والقوات الروسية تختفي وتتبخَّر؟!

ودخل الفاتحون دمشق مُهللين ومكبرين وساجدين، كما فعل أجدادهم الكرام حينما فتحوها أول مرة بقيادة سادتنا أبي عبيدة ابن الجراح، وخالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة، سنة 14هـ - 635م رضي الله عنهم أجمعين.

وفرح أهل دمشق -وسوريا عموما- فرحا شديدا عارما بالفتح الجديد، والجلاء الثاني، والفاتحين الجدد من إخوانهم، ورحبوا بهم ترحيبا حارا، وشرعوا يحتفلون بالفتح والنصر المبين وما زالوا حتى الآن بعد شهر من الفتح والتحرير، في ساحة الأمويين، وغيرها من ساحات سورية الأبية؟!

فرح المحرومين طويلا والأطفال و"الهُبل"؟!

أما أنا فقد غمرني الفرح -وغيري ومثلي كثيرون خارج سورية- ولذا بدأت

بنظم قصيدة عن هذا الحادث الجَلَل فجلست جلسة من ليلة، وكتبت بعضها، ثم جلسة أخرى وثالثة ورابعة، حتى أصبحت ملحمة مطولة في (93) بيتا؟!

ثم شرعت في شرحها، وطال الشرح، ثم نقحت القصيدة الملحمة وأضفت إليها أبياتا أخرى حتى بلغت (107) أبيات؟!

وأتممت شرحها، وأصدقكم القول إخوتي وقرائي الأعزاء! إني كنت -إبَّان أحداث الفتح والتحرير لسورية وما بين نهايته وتداعياته والفرح به، وكتابتي لهذه الملحمة المطولة وشرحها- ما بين حُلم رائع ماتع طويل، وبين أحلام اليقظة اللذيذة والماتعة جدا أيضا؟!

يقول المثل العامِّي عندنا: "عِلكَة الأهبَل رطل"؟! وبناء عليه أقول:

فإن فرحة المحروم المظلوم المقهور لمدة طويلة وطويلة جدا؛ كفرحة الطفل وفرحة الأهبل والدرويش؟!

ومثلي كثيرون جدا من السوريين وغيرهم؛ الذين تفاجؤوا بل صُدموا لأيام من هذا الزلزال والطوفان الذي حل بسورية والشام، وأدهش العالَمَ؟؟!!

فقد بلغ اليأس والاستيئاس مَبلَغَهُ من الناس عامة، والسوريين خاصة؟! حتى ظننا أننا سنموت في غربتنا، وندفن خارج سورية، ولن نرى فرجا؟؟!!

إذ قد طالت محنة الشعب السوري، وقُتل منهم وهُجر الملايين، وخذلهم العالم جُله وتخلى عنهم، بمن فيهم مَن سَمَّوا أنفسَهم في بداية الثورة "أصدقاء الشعب السوري"؛ من عرب وأوربيين وأمريكان.

ونظام بشار الأسد الطاغي ساعده النظامان الروسي والإيراني، وعصابات الإرهاب والإجرام من لبنان والعراق وغيرهما.

وشعر بشار الأسد بالأمان والاطمئنان، ولا سيما بعد سقوط حلب عام 2016م بيد النظام السوري؛ بتدخل ومساعدة الروس وقصفهم للشعب السوري بالطيران المدعوم من بعض "إخواننا العرب"؟؟!!

وبعدما ما عوَّمه إخوانه وأشباهه من العرب -قبل 3 سنوات- وأرجعوه إلى حضن الجامعة العربية، وأعطوه صكوك الغفران، ونسوا كل إرهابه وطغيانه وفظائعه وشنائعه بـ "إخوانهم" السوريين؟؟!!

فازداد طغيان بشار وبغيه ضد شعبه، وأصبح كريما جدا مع إخوانه العرب في الأردن والسعودية والإمارات؛ فصار يُكرمهم بل يسخو عليهم بكميات

الكبتاغون المصنعة لديه ولدى أخيه ماهر السفاح الأزعر؟!

وأصبحت "سيدة القصر"، و"سندريلا سورية" أسماء الأسد تزيد من تمتعها بشراء الفاخر من الأحذية والألبسة والمجوهرات والذهب بأموال السوريين المنهوبة منهم، وهم الذين يتضورون جوعا وشقاء وبؤسا وقهرا.

كما أصبح زوجها بُشير" يحلم بعودته إلى حكم سورية أقوى من قبل، وإعمار سورية من جديد، ويحلم هو وزوجه ربما، -ومعه بعض الطغاة العرب- لاستمرار الحكم لبشار، ثم توريثه لابنه المدلل حافظ المراهق؟!

وفي هذا الجو المُتناقض -مِن الظلام الشديد، والاستيئاس، من الشعب السوري- وغيره- المنكوب مَن طالت مِحنته، وأن حقه ضاع وذهب، والأمل المُشرق والحلم اللذيذ الذي كان يشعر به الطاغية بشار ونظامه وأتباعه وأحبابه- تدخلت العناية الإلهية للشعب السوري المظلوم المقهور المنكوب المشرد البائس الفقير الجائع العريان ... (جاءهم نصرنا). يوسف - 110.

وتدخلت القدرة الإلهية الغالبة لبشار ونظامه الطاغي الباغي وأحبابه وأعوانه وشبيحته (فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر). القمر- 42.

هذا، مع أن مرحلة الانتقام الإلهي بدأت منذ نحو 3 سنوات؛ فقد قلت لزوجي أكثر من مرة: لقد بدأت مرحلة الانتقام الإلهي للسوريين المَظاليم:

1- مِن الإيرانيين: يوم اغتيل قائدهم الكبير الإرهابي قاسم سليماني، ثم بقتل بعض أتباع حزب اللات وبعض الحرس الثوري الإيراني ومستشاريهم في سورية على يد الصهاينة، ثم بضرب الصهاينة لإيران في عقر دارها أكثر من مرة، ثم مقتل رئيسها رئيسي، ثم قتلها لبعض المقاومين الفلسطينيين على أراضيها وعجزها عن الرد ...

2- من حزب اللات: ثم بنكب حزب اللات وعناصره، وقتل قياداته مؤخرا في لبنان، وتحطيمهم على يد الصهاينة، وعجزه عن الرد.

3- من الروس: لما حصلت حرب أوكرانيا ضدهم، وصاروا يغرقون فيها، وتستنزفهم شيئا فشيئا، حتى عجزوا عن الدفاع عن حليفهم بشارمُؤخَّرًا؟!

فلذلك أيها الإخوة الكرام! نحن فرحنا كثيرا فرحة عارمة وغامرة وطويلة، كفرح وسرور الطفل، والأهبَل، والمحروم من شيء طويلا؛ لطول مُعاناتنا وبؤسنا لنحو (61) سنة من حكمنا بنظام البعث الفاجر.

ولوقوعنا تحت جاثوم (كابوس) حكم الوحشين حافظ وابنه بشار طيلة (54) سنة متواصلة من القهر والقمع والسجن والقتل والتدمير والتهجير؟!

وإليكم قرائي الأعزة! مثالين على شدة الفرح والحُزن العارمين من حديث نبوي صحيح، ومن شاعر إسلامي معاصر؟!

أما شدة الفرح؛ فقد جاء في الحديث النبوي الصحيح عن سيدنا رسول الله Peace Be Upon Him | Encyclopedia MDPI أنه قال: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ". أخرجه مسلم عن أنس، "موسوعة السنة النبوية" 221، برقم (13823).

فقد فرح ذلك الرجل فرحا شديدا جعله يخطئ خطأ فاحشا؛ فيقول: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك"، بدل: "اللهم أنت ربي وأنا عبدُكَ"؟!

وأما شدة الحُزن فقد بلغت بشاعر إسلامي كبير أن يبكي على فراق أولاده؛ بل ينفجر باكيا بعاطفة جياشة كعاطفة طفل؟!

إنه الشاعر الإسلامي الكبير عمر بهاء الدين الأميري ت 1992م، رحمه الله، وهو الذي كان يصطاف بصحبة أولاده في "قرنايل" بلبنان، ثم سافر أولاده إلى حلب وودعهم، وتكلف الصبر عنهم لما بكوا لفراقه؛ فلم يبك؟!

ولكنه ما إن فارقه أولاده وغابوا عن ناظريه؛ فإذا به ينفجر باكيا كالطفل لفراقهم، ويقول قصيدته الشهيرة التي تُعَدُّ من عيون الشعر العربي بعنوان (أب)، وهي التي قال عنها الأديب الكبير عباس محمود العقاد: "لو كان للشعر العالمي ديوان، لكانت قصيدة (أب) في مقدمته"؟!

وهي التي يقول في مطلعها:

أينَ الضَّجِيجُ العَذبُ والشَّغَبُ؟       أينَ التَّدَارُسُ شَابَهُ اللَّعِبُ؟

وختمها ببكائه المُرِّ الشديد الماطر، وعاطفة الطفل شديد البكاء والحزن؛ لفراق أولاده، ومُبديا عُذرَه عن بكائه مع كونه رجلا قويا؛ فقال:

دَمعِي الذي  كتَّمتُه جَلَدًا           لمَّا تبَاكَوا ، عِندَما رَكِبُوا

حتى إذا سَارُوا وقد نَزَعُوا         من أضلعي قَلبًا بِهم يَجِبُ

ألفيتُني -كالطفل- عاطِفةً           فإذا به -كالغَيث- يَنسَكِبُ

قد يَعجَبُ العُذالُ مِن رجُل           يَبكي، ولو لم أبكِ فالعَجَبُ

هَيهاتَ! ما كلُّ البكا خَوَرٌ         إني -و بي عَزمُ الرِّجالِ- أبُ

فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والله أكبر، ولله الحمد، على هذا الفتح المبين، والنصر المؤزر، والتحرير والجلاء الثاني لسورية والشام.

وبهذه المناسبة السعيدة أحب إهداء إخواني القراء أنشودة رائعة للشاعر الإسلامي أبي جهاد يوسف العظم رحمه الله؛ الذي كان يحب السوريين كثيرا، وقد ساعدهم كثيرا في محنتهم في الثمانينات، لما لجأ بعضهم إلى الأردن الشقيق، وهذه الأنشودة له الرائعة جدا عن معركة اليرموك وفتح دمشق الأول، ولا سيما حين نسمعها بصوت المنشد الرائع أبي عبد الله أحمد بربور ت 2002م، رحمه الله، والتي يقول فيها:

و عَلَى اليَرمُوكِ تَرَاتِيلُ         مِن آيِ الذِّكرِ، و تَنزِيلُ

و ابنُ الجرَّاحِ يُعاونه      سيفٌ  -لِلعِزَّة- مَسلُولُ

فاندحَرَ الباطِلُ مَهزُومًا        و الرُّومُ أسِيرٌ ،   و قَتِيلُ

وحُصُونُ دِمشقَ يُزَلزِلُهَا        تَكبِيرُ اللهِ ،   و تَهلِيلُ

و الحَقُّ تَعَالَت رايَتُهُ        مُذ حَمَلَ الرَّايَةَ جِبرِيلُ

ونسأل الله تعالى العلي القدير أن يُتم علينا النعمة بإعمار سورية الجديدة، بالبناء المادي والمعنوي، بالعزة والكرامة والعدل والحرية وحقوق الإنسان؛ كي يعيش السوريون الجُدد خيرا مما عاش آباؤهم وأجدادهم قبل (61) سنة، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 1110