على الغرب الأطلسي بزعامة أمريكا كبح جماح جشعه وأطماعه في مقدرات البلاد العربية والإسلامية
على الغرب الأطلسي بزعامة أمريكا كبح جماح جشعه وأطماعه في مقدرات البلاد العربية والإسلامية وأن تتركها وشأنها بعد كل ما لحقها جراء مؤامرتها المتتالية والخسية من مصائب وكوارث عظمى
لم ينج قطر من أقطار البلاد العربية والإسلامية من احتلال الأنظمة الغربية الرأسمالية البغيض خلال القرن التاسع عشر . ولم ترحل عساكر المحتلين عنها إلا بعدما استنزفت بشكل فظيع مقدراتها إلى درجة الاتلاف الكلي لبعضها . ولم تنج أيضا من تمزيق وتفكيك وحدتها ولحمتها ،الشيء الذي غير معالم حدودها الكبرى أو الجامعة التي كانت عليها خلال حكم امبراطورياتها المتعاقبة ، وذلك بسبب تطبيق الدول المحتلة ما سمته معاهدة سايكس بيكو المبرمة سنة 1916 بين فرنسا وبريطانيا وبالتنسيق مع روسيا وإيطاليا ،وبذلك قضى الاحتلال الغربي الرأسمالي على فكرة وحدة بلاد العروبة والإسلام التي آخر ما من مثلها في العصر الحديث الامبراطورية العثمانية أو بالتعبير الإسلامي الخلافة العثمانية .
وبعد سايكس بيكو التي تم بموجبها تقسيم منطقة الهلال الخصيب ، واقتطاع أجزاء من الدولة العثمانية ، من أجل استنزاف مقدارتها تحت ذريعة تحديثها وإلحاقها بركب حضارة بلاد الغرب ، وبعد المآسي التي عانت منها بسبب الحروب التي شنت عليها ظلما وعدوانا ، والتي أزهقت بسببها ملايين الأرواح البريئة ، رحلت الجيوش الغربية تدريجيا عن الوطن العربي والإسلامي الممزع الأوصال ، لكنه ظل تحت سيطرة الهيمنة الغربية اقتصاديا وإيديولوجيا ، وهي هيمنة وفرت على الدول المحتلة نفقات غزوها العسكري . وترتب عن هذه الهيمنة تآمر على حركات التحرر في الوطن العربي والإسلامي ، من أجل تطويعها لقبول التبعية الإيديولوجية والفكرية والاقتصادية للغزاة . ومن أشكال ذلك التآمر قدح زناد الصراعات بين أنظمة أقطار هذا الوطن الممزع بسبب خلافاتها حول الحدود التي خضعت لتقسيمات سايكس بيكو.
وتزامنا مع نشوء الصراع بين الدول التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية ، وهو صراع سببه الخلاف بينها حول تقاسم مناطق النفوذ في العالم بما في ذلك العالم العربي والإسلامي من أجل نهب الخيرات والمقدرات ، برز قطبان في العالم قطب رأسمالي بزعامة الولايات المتحدة ، وقطب شيوعي بزعامة الاتحاد السوفياتي ، ونشأت بينهما حرب إيديولوجية سميت بالباردة ، إلا أنها كانت تتخذ من الأقطار الواقعة تحت هيمنتها ساحات حروب ساخنة لتجريب أسلحتها في ظل التنافس الاقتصادي المحموم بينها بما في ذلك مجال الصناعات الحربية المدرة للأرباح الفاحشة .ولقد كان الوطن العربي والإسلامي مسرحا لهذه الحروب الساخنة ، فضلا عن وجود مسارح أخرى في جهات أصقاع من العالم ، ولا زال الأمر كذلك في بعض بؤر التوتر الساخنة إلى يومنا هذا بالرغم من تفكك القطب الشيوعي ، وانفراد القطب الرأسمالي بالهيمنة على العالم ولقد نشأت عن الحرب الباردة المسؤولة عن التوترات الساخنة تبعية أنظمة عربية وإسلامية إيديولوجيا واقتصاديا وفكريا لهذا المعسكر أو ذاك . وتجدرالإشارة إلى أن بعد تلك الأنظمة تحولت من الخضوع للنفوذ الشيوعي إلى الخضوعها للنفوذ الرأسمالي بعد تفكك المعسكر الشيوعي .
ولا بد من الإشارة أيضا إلى أنه من تداعيات معاهدة سايكس بيكو ما سمي بوعد بلفور الوزير البريطاني الصهيوني الذي صدر بعد سنة واحدة من صدور معاهدة السيطرة والتقسيم . ولقد نص هذا الوعد المشؤوم على زرع الورم الصهيوني الخبيث في القلب النابض للوطن العربي بأرض فلسطين حيث بدأت عملية ترحيل يهود العالم إليها ،وانتهى الأمر بالإعلان عن دولة هذا الكيان العنصري سنة 1948 ، وهي دولة لم يكن لها وجود من قبل ، وكان ذلك على حساب الشعب الفلسطيني صاحب الأرض . ولقد اعتمدت دول القطب الرأسمالي التي مزقت بمعاهدتها المشؤومة سايكس بيكو الوطن العربي بزعامة الولايات المتحدة خرافة تلمودية سخيفة تزعم أن فلسطين هي وطن قومي لليهود، و تم بذلك تسليمها إلى عصابات إجرامية صهيونية تم تسليحها لطرد الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي ، وهو يومئذ تحت حكم ما سمى بالانتداب البريطاني ، وهكذا انتقل من احتلال بريطاني إلى احتلال صهيوني ، في ظرف هيمنة القطب الرأسمالي الذي خاض بشكل مباشر حروبا غير متكافئة في منطقة الشرق الأوسط بين جيوش عربية وبين جيوشه الداعمة للعصابات الإجرامية الصهيونية التي أصبحت توصف بالجيش الإسرائيلي من أجل تثبيت الاحتلال الصهيوني في فلسطين ، ولكي يلعب دور عرّابها في المنطقة العربية ، ويتمدد فيها جغرافيا ،واقتصاديا ، وفكريا، وإيديولوجيا .
ولقد اتخذ القطب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة من حماية الكيان الصهيوني المزروع في قلب الوطن العربي ذريعة واهية من أجل التمويه على نوايا جشعه وأطماعه في مقدرات هذا الوطن المفكك الأوصال بمعول سايكس بيكو . ولقد جعل من الاحتلال الصهيوني أمرا واقعا ، واعتبر وجوده أبديا في فلسطين، لأن ذلك يخدم فكرة نهب وسلب المقدرات العربية التي بها صنع الغرب رفاهيته بشطر كبير منها إبان احتلاله العسكري ، وبشطر أكبر منه بعد انسحابه العسكري منها ، وتعويضه بسياسة الهيمنة والابتزاز ، وفرض التبعية له فكريا وإيديولوجيا واقتصاديا .
و لقد تناسلت عن ذريعة حماية الكيان الصهيوني ذرائع أخرى متتالية منها ذريعة محاربة الإرهاب ، وذريعة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ، وبهاتين الذريعتين غزا الغرب الأطلسي بجيوشه كلا من العراق وأفغانستان طمعا في المقدرات ، بذلك أعاد من جديد احتلاله لهما كما كان الحال من قبل في القرن التاسع عشر .
ومن تداعيات الحرب على العراق وأفغانستان ، والاستبداد الصهيوني في أرض فلسطين ، وسوء سياسة الأنظمة العربية الخاضعة للغرب الأطلسي ، و بسبب تنامي وعي الشعوب العربية ، اندلعت ثورات الربيع العربي التي أسقط بعضها أنظمة مستبدة ، لكن سرعان ما أجهز عليها الغرب الأطلسي عن طريق انقلابات بعضها عسكري دموي ، والبعض الأخر كان عبارة عن التفاف حولها بشكل أو بآخر، في حين أشعل فتيل الحروب الطائفية في بلاد عربية أخرى لا زالت مشتعلة لحد الساعة .
وبسبب الإجهاز على ثورات الربيع العربي التي كانت الشعوب العربية تتوق من ورائها إلى حياة كريمة في ظل سيادة الديمقراطية بعد ماض استعماري بغيض ، و بعد حكم أنظمة مستبدة عقب استقلالها ، فكر الغرب في مؤامرة خبيثة أخرى سماها صفقة القرن التي أريد بها طمس قضية الشعب الفلسطيني عن طريق بديل ما سمي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل ، والتي بواسطتها يُمكّن للكيان الصهيوني في الوطن العربي من خليجه إلى محيطه كي يمارس دور عرّاب الغرب الأطلسي .
ولقد واجه الشعب الفلسطيني مؤامرة صفقة القرن بضربة استباقية سماها طوفان الأقصى قبل أن يغير الجيش الصهيوني على قطاع غزة من أجل إعداده بعد القضاء على المقاومة الفلسطينية ، وتهجير أهله منه قسرا خارجه لتنفيذ مشروع خطط له الغرب الأطلسي بزاعمة الولايات المتحدة ،والذي صرح به مؤخرا الرئيس ترامب علانية ، وهو يدوس على كل القوانين والأعراف الدولية معلنا أنه سيشتري قطاع غزة كي يحولها إلى ساحل سياحي أو" ريفيرا " على غرار" ريفيرا سانت بربارا " بولاية كالفورنيا أو غيرها من " الريفيرات " الأمريكية .
وبهذا التصريح الوقح أزيل الستار عن مؤامرة صفقة القرن الخبيثة التي تعكس مدى جشع الإدارة الأمريكية التي توظف الكيان الصهيوني عرّابها من أجل سلب ونهب مقدرات وطن له شعب يراد تهجيره قسرا إلى دول الجوار أو إلى أبعد من ذلك ، ثم توسيع النهب والسلب في كل أقطار الوطن العربي .
وأخيرا ستبقى الكلمة الأخيرة لشعوب الوطن العربي ك تقول للغرب الأطلسي بطريقتها الخاصة أنه لا مستقبل لعرّابه الصهيوني فوق أرض فلسطين ، وأن حلمه بريفيرا عبارة عن سراب بقيعة ، وأن عليه أن يكبح جماح شجعه وأطماعه في مقدرات وطنه الكبير ، وأن عليه أن يتركها وشأنها بعد كل ما لحقها من مصائب وكوارث عظمى جراء مؤامراته الخسيسة .
وسوم: العدد 1115