ذكريات بنكهة ثورية، مع الأديب الراحل علي مظفر سلطان
في مثل هذا اليوم 14 شباط من عام 1987، توفي والدي رحمه الله، في مدينة حمص بعد أن كان في زيارة لخالتي المريضة كي يعيدها، فنجت هي ورحل هو... مشيئة الله.
قبل أقل من عام وعلى التحديد في شهر آذار، استدعيت على عجل لأحضر حفل تكريم لوالدي في دار الكتب الوطنية في حلب . إذ كنت أسكن مدينة دمشق في ذلك الحين.
وصلت حلب قبل موعد الحفل بساعات ،وكان الوجوم مخيما على البيت . والدي معتكف بغرفته ، ووالدتي في غرفة الجلوس مكفهرة الملامح .
تبين لاحقا أن والدي قرر عدم الذهاب لحفل التكريم!. لسببين .
أولهما، إصرار والدتي على ارتدائه ربطة العنق التي هي عدوه اللدود.
وثانيهما ،أن رئيس دار الكتب اشترط على والدي أن يبتدئ كلمته بالثناء والدعاء والولاء، للقائد المبجل حافظ الأسد . فرفض الوالد واستغنى عن الحفل!.
بعد دقائق حضر صديق والدي الأستاذ أنور عدي رحمه الله . فدخل غرفة الوالد عسى أن يساعد في الأزمة المستعصية ، بينما كان الهاتف لايكاد يتوقف عن الرنين، ورئيس دار الكتب في موقف لا يحسد عليه، فالمدعوون على وشك الحضور، والحفل يكاد أن يبتدئ.
دقائق وفتح الباب وظهر والدي ببدلة رمادية أنيقة وربطة عنق مناسبة... . بدا الحبورجليا على وجه الوالدة المنتصر.
ثم انطلقنا بسيارة السيد أنور، تنهب بنا على عجل، طرقات حلب إلى باب الفرج ، حيث الحفل.
بعد أن أدلى الحضور بكلماتهم، وأذكر منهم فاضل السباعي ، ملاحة الخاني ،عمر الدقاق ، فريد جحا ...جاء دور الوالد.
كتمت أنفاسي وامتقع وجه أمي .
ابتدأ الكلمة : قبل أن أبتدئ لابد من ذكر القائد الرمز.. وتوقف محدقا بالوجوه لوهلة ،ثم استأنف ،و إليكم قصة( الدليل).
سنوات طويلة كان خلالها والدي يتلقى دعوات من أتباع النظام ، كانوا يحاولون إقناع الوالد دون جدوى أن يوظف قلمه لصالح حزب البعث والقائد المفدى.
وفيما أذكر مرة زيارة السيد(ص ع) في محاولة منه مستميتة لإقناع الوالد، والمزايا الوفيرة التي يمكنه أن يجنيها من التوظيف ، وأذكر رد الوالد حينها، لا أريد جارسا على بابي يحرسني اليوم وغدا يركلني! . فالنظام خائن.
وعندما أعيت المحاولات ، نصح أحدهم السيد( ص ع ) ،بتقديم( طعم) لوالدي، لإدخاله إلى الحزب، فرد عليهم واصفا الوالد
إنه سمكة ذكية ستبلع الطعم ، وتنفذ من الصنارة.
سألته بعد عودتنا من الحفل: بابا أنا لم أفهم ماذا قصدت ب كلمة الرمز ؟
أجاب بدهاء ساخر( رمز الإجرام).
وسوم: العدد 1115