السير إلى الله في زمن غزة

في غزة يسير المسلمون إلى الله بأعلى أنواع ودرجات السير وهو الجهاد، يطيرون طيرا في ظلال قوله تعالى "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وامولهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن" – سورة التوبة 111 ، يسيرون منذ سنة ونصف لا يتعثرون ولا يتراجعون رغم كثافة الخيانة والتخذيل والإرجاف، وهذه مكرمة رفيعة تجعل منهم – إن شاء الله – الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، فماذا عن باقي المسلمين في الجوار ثم الأقرب فالأقرب؟ مع الأسف المشهد يتصدره الخوالف والقاعدون لكن شأنهم لا يعنينا وإنما نلتفت إلى أولئك المكلومين المتألمين لحال المجاهدين والذين يصبحون ويمسون على وقع السؤال الصعب القوي: "ما العمل؟"، يسألون كيف السير إلى الله في هذه الظروف التي تباينت فيها الصفوف وتمايز فيها الناس وسقطت الحجج الواهية؟ فيا من تسأل كيف السير إلى الله وأهلنا في غزة يبادون أقول لك: سر على أي حال كنت، ركضا إن استطعت، ومشياً إن عجزت، وحبوا إن خانتك خطواتك، فإن لم تقدر على شيء من كل هذا فقفْ مكانك ولا تمش في طريقٍ آخر بعيدا عنه سبحانه وعن سبل مرضاته، فإن الوقوف في الطريق إلى الله مسير إليه وهو أفضل من التراجع والنكوص، فإن قوما اختلطت عليهم الأمور بل رأوا الحق عيانا فاستصعبوا طريقه فمالوا إلى معسكر النفاق والتعويق كتبرير نفسي لعجزهم وجبنهم حتى لا نقول قد بدا نفاقهم واستحبوا هزيمة المسلمين وكثروا سواد الأعداء رغم أننا لسنا في مناظرة بل ساحة الوغى حيث سكتت الألسنة ونطقت الأسنّة وخطبت السيوف على منابر الرقاب...أجل، الوقوف في طريق الله مع حرقة في القلب أفضل من الانخراط في الدين الإبراهيمي والانتصار لمزاعم العلمانيين والانقلابيين والخونة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

هكذا سر إلى الله يا من تتحرق على حال إخوانك وقد حبستك حدود سيكس – بيكو ولوثة الدولة القومية وفلسفة الحكومة القُطرية التي حولت الوطن إلى وثن على حساب الرؤية الإسلامية المبنية على فكرة الأمة الواحدة والأخوة الإيمانية التي تتجاوز روابط الأرض والعرق والجنس وتمتد طولا وعرضا في الكرة الأرضية كما تمتد عمقا في وجدان كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، واعلمْ أن أكبر عقبة تواجهك وأكبر تحدّ يعمل على عرقلة سيرك هو عرج القلب وإعاقته أما إعاقة البدن فبسيطة لا تعرقل من يريد الوصول، فالصحابي عمرو بن الجموح كان به عرج في قدمه لم يمنعه من الخروج إلى الجهاد مع بنيه في غزوة أحد بل أصر على الخروج وقال:" واللهِ لأدخلن بعرجتي هذه الجنة"، صدق الله فصدقه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد استشهاده: "كأني أراه يمشي برجله هذه صحيحة في الجنة"... وأحسن السير إلى الله أن يمشي إليه المؤمن بقلبه المثخن بجراحات الأمة في زمن غربة الإسلام وأن يبذل الجهد والوسع لنصرة المجاهدين والمرابطين مستصحبا نية الجهاد، ويبلغ المرء بنيته الصادقة مراتب قد لا يبلغها بعمله، والخطوة الأولى هي الدعم المالي لإمداد أصحاب السلاح وتثبيت حاضنتهم، فهذا أجدى من تكرار العمرة التي نخشى أن تصب مداخيلها في صناديق العدو بطريقة مباشرة أو ملتوية، والدعم الإعلامي مطلب ملح ووسيلة من وسائل الجهاد المعاصر من خلال تفعيل وحشد الوسائط الاجتماعية لإسناد إخواننا في غزة ونقل مشاهد التعاطف معهم في أقطار الأرض وتوثيق جرائم العدو وفضح المعوقين والمخذلين والمنافقين الذين يتحركون في دوائر الدين والسياسة والإعلام للحد من تأثيرهم وتعرية حقيقتهم، ثم ثالثة حسنة جميلة هي تفعيل مقاطعة كل داعم للعدو حتى تبور سلعته وتكسد بضاعته، فهذا مساهمة تكاد تكون الجهاد نفسه، وإقبال المسلم عليها يكتبه بإذن الله في زمرة المجاهدين والمرابطين، ولا يضره أن يبقى وحده "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك"- سورة النساء 85، وتتوج كل هذه الخطوات بالدعاء والتضرع والارتماء على عتبة باب الله لاستمطار النصرة واستنزال تأييد السماء، ويحذر الحاذق الأريب شعار "جاهد بالدعاء" فهو شعار زائف وحق يراد به باطل، والنصر يتنزل باتباع سننه وتوفر أرضيته وإنما الدعاء تاج يظل من استفرغ الجهد وليس ذريعة يختبئ خلفها الخونة والجبناء والمرجفون ولو صدقت نياتهم لصدقت أفعالهم لكنهم إلى النفاق أقرب كما تدل مواقفهم المخزية من الجهاد وأهله.

هم يسيرون إلى الله هناك بالسلاح والدم والمعاناة الشديد فسرْ أنت هنا بجهد المقل، والله يبارك كل قربة توفر فيها الإخلاص والصواب، وبهذا يتحقق النصر.

وسوم: العدد 1123