الدولة العبيدية (الحلقة الثانية)

محمد فاروق الإمام

الأهواز المركز الأول لنشر دعوة العبيديين

محمد فاروق الإمام

[email protected]

اتخذ عبد الله الأهواز مركزاً لنشر دعوته. ولما اتصل خبره بواليها أضمر له الشر، ففر إلى البصرة. وقد عزا المقريزي في كتابه "اتعاظ الحنفا" هرب عبد الله إلى ما ظهر منه "من التعطيل والإباحة والمكر والخديعة"، فثارت به الشيعة والمعتزلة، فكبسوا داره، ففر إلى البصرة، وأقام في أسرة "عقيل بن أبي طالب" مدّعياً انتماءه إليهم، فحامت حوله الشبهات، فرحل إلى الشام، وأقام في سلمية إلى أن مات.

وقام ابنه أحمد مقامه في حمل الدعوة التي وضع أسسها أبوه عبد الله والتي تتلخص في الدعوة إلى إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وقد ابتدع لذلك دعوة منظمة قسمها سبع درجات أو مراتب، زيدت بعده حتى أصبحت تسعاً في أيام العبيديين. وبثَّ أحمد الدعاة، واستدعى رجلاً من أهل الكوفة يقال له رستم أبو الحسين بن الكرخين بن حوشب ابن زادان النجار، وكان هذا الرجل من الإمامية يقول بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق، فنقله إلى القول بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق. وكانوا يرصدون من يرد المشاهد بالعراق و"كربلاء" فمن كان لهم فيه طمع استدعوه. وورد عليهم أبو الحسن محمد بن الفضل الجيشاني من أهل (جيشان)، من أرض اليمن فدخل، وهو يبكي، على الحسين بن علي رضي الله عنه، فصبروا عليه حتى خرج من زيارته، وأخذ الداعي بيده فقال له: قد رأيت ما كان منك من البكاء والقلق على صاحب هذا القبر. فلو أدركته ما كنت تصنع؟

قال كنت أجاهد بين يديه وأبذل مالي ودمي دونه.

فقال: أتظن أنه ما بقي لله حجة "أي خليفة أو نائباً أو وصياً" بعد صاحب هذا القبر؟

قال: بلى، ولكن لا أعرفه بعينه.

قال: فتريده؟

قال: أي والله.

فسكت الداعي. فقال له: ما قلت لي هذا القول إلا أنت عارف به.

فقوي ظن ابن الفضل بأن الرجل يعرف الإمام والحجة، فألح عليه، فقال له: دعني أفكر، واطلب واصبر ولا تعجل، وأقم، فإن هذا الأمر لا يتم بالعجلة، ولا بد له من صبر.

فمضى الداعي إلى ابن القداح وعرّفه حال ابن الفضل فأخذه وجمع بينه وبين أحمد ابن القداح. وكان أحمد أبداً يقول للحسن بن حوشب: هل لك في غربة في الله؟ فيقول: الأمر إليك يا سيدي. فلما اجتمع بابن الفضل، قال له: قد جاء ما كنت تريد يا أبا القاسم: هذا رجل من أهل اليمن، وهو عظيم الشأن كثير المال ومن الشيعة، وقد أمكنك ما تريد، وثمة خلق من الشيعة فاخرج وعرفهم أنك رسول المهدي، وأنه في هذا الزمان يخرج من اليمن، واجمع المال والرجال، والزم الصوم والصلاة والتقشف. وجمع بينه وبين ابن الفضل وأخرجه معه وقال: يا أبا القاسم، الزم الباطن وقل: لكل شيء باطن. وإن ورد عليك شيء لا تعلمه فقل: لهذا من يعلمه وليس هذا وقت ذكره.

وخرجا إلى أرض اليمن، ونزل ابن حوشب "بعدن" وفيها قوم يعرفون ببني موسى، وخبرهم عند ابن القداح. فلما قدم ابن حوشب اجتمعوا به وقالوا له: أنت رسول المهدي ونحن إخوانك.

ولم يزل ابن حوشب يقوى وأخباره ترد على من بالكوفة من الإمامية فيبادرون إليه ويقول بعضهم لبعض: دار الهجرة. فكثر عددهم واشتد بأسهم. وكانوا قد نفذوا إلى المغرب رجلين أحدهما يعرف "بالحلواني" والآخر "بأبي سفيان". وتقدموا إليهما بالوصول إلى أقاصي المغرب والبعد عن المدن والمنابر، وقالوا لهما: ينزل كل واحد منكما بعيداً عن صاحبه وقولا: قد قيل لنا: اذهبا فالمغرب أرض بور فاحرثاها واكرباها حتى يجيء صاحب البذر. فنزل أحدهما بأرض كتامة بمدينة تسمى "مرمجنة" والآخر بمدينة "سوجمار" فمالت قلوب أهل تلك النواحي إليهما. وماتا على قرب بينهما.

يتبع