الكوبرا والإنسان من الأظلم ؟!!
خديجة وليد قاسم ( إكليل الغار)
بدهشته البريئة ناداني صغيري قائلا : تعالي انظري يا أمي حية الكوبرا تأكل حية صغيرة !! حقيقة لم أدر ما أقول له ، فورا تذكرت الإنسان المولع بأكل أخيه الإنسان ..معذور صغيري في استغرابه من أن تأكل الحية أختها الصغيرة .. لكن لم أجرؤ أن أبوح له بالحقيقة المؤلمة ، في عالم الإنسان حيث يأكل القوي الضعيف ، وحيث يستبد الإنسان بأخيه الإنسان في صور تكون أحيانا أبشع من القتل .. أجل لم أجرؤ على البوح له بالحقيقة المرة البشعة لأنه لا زال صغيرا على التعرف على الوجه القبيح للإنسان.. هذه الحقيقة التي تزهق روحنا في اليوم آلاف المرات ....
طبيعي أن يحصل هذا في عالم الحيوان الذي يلصق به الإنسان دوما تهمة شريعة الغاب ،، بينما حسب اعتقادي الحيوان يعجب من تفوق الإنسان عليه و هو الأجدر بهذه التهمة .. فعالم الإنسان الذي يفترض أن يكون عالما من المحبة والإخاء و التسامح و الإيثار و.... نرى فيه العجب العجاب .. صور كثيرة مظلمة تتقافز أمامي بوجهها الكريه البشع ...
تذكرت كيف يصطنع الإنسان الأمراض لأخيه الإنسان من أجل الكسب الجشع .. تذكرت كيف يفتعل الإنسان الحروب بلا قيمة ولا هدف سوى سلب ثروات أخيه الإنسان ونهب خيراته .. دون أن يهتز له جفن مما يرتكب من قتل وحرق وتدمير ... تذكرت كيف يحرم الإنسان المظلوم في غزة من الغاز العربي الذي هو في أمس الحاجة إليه بينما أخوه يعطيه لعدوه الظالم و بأثمان شبه مجانية ... تذكرت كيف يزج الأخ أخاه في غياهب السجون لمجرد كلمة حق قالها لم يستطع منع نفسه من البوح بها ...تذكرت كيف يلقي الإنسان بأطنان من الخضروات والفواكه في عرض البحر لئلا تنزل أسعارها بينما ملايين الجائعين يتضورون ويتوقون لما يسد رمقهم .. بل وبعضهم يسد جوعه مما يجده في حاويات القمامة .. تذكرت الجار الذي يموت تخمة بينما جاره يموت جوعا ... تذكرت الواسطة و المحسوبية التي ترفع من لا يستحق الرفع وتسحق برجلها صاحب الحق ... تذكرت المتفوق المسكين الذي لا يستطيع إكمال دراسته بسبب عوزه وفقره فيعيش مهيض الجناح محطم الآمال والطموح ...تذكرت الابن الذي يلقي بأبويه في مأوى المسنين دون رحمة و لا شفقة ... تذكرت الأب الذي لا هم له سوى جني المال تاركا تربية أبنائه و إصلاحهم لتتلقفهم أيدي الشر والهلاك ... تذكرت الأم التي تجري لاهثة بين دور الأزياء و محلات التجميل تاركة فلذات كبدها في أيد تعبث بهم و بفكرهم و استقامتهم .. تذكرت و تذكرت و تذكرت .. و يالهول ما تذكرت .. لو تركت نفسي على سجيتها لملأت مجلدات مترعة بالأسى والحسرة من هذه الذكريات المريرة القاتلة .
أجل يا بني لقداستغربت أن تأكل الحية أختها الحية ... لكن عندما تكبر ستدرك المأساة الحقيقية حين ترى الإنسان يأكل أخاه الإنسان بلا رحمة و لا شفقة.