بين هولوكست رابعة وحادث القديسين
بين هولوكست رابعة وحادث القديسين
محمود القاعود
التناول الإعلامي للضحايا المسلمين والمسيحيين فى مصر
آلاف الحالات الإنسانية قتلت فى رابعة ولم يهتم بها الإعلام مثل اهتمامه بالمسيحية مريم فكري
خبراء الإعلام لـ"المجتمع" : لا يوجد بمصر إعلام وإنما وسائل تشويه وتضليل وتعبئة
عرب الجاهلية كانوا أكثر شرفا من القائمين على الإعلام اليوم
"وحينما نصل إلى السلطة ستنضمُّ هذه الوكالات- وكالات الإعلام- جميعًا إلينا، ولن تنشر إلا ما نختار نحن التصريح به من الأخبار، فإذا كنا قد توصلنا في الأحوال الحاضرة إلى الظَّفَر بإدارة المجتمع الأممي - غير اليهودي - إلى حد أنه يرى أمور العالم من خلال المناظير الملونة التي وضعناها فوق أعينه، وإذا لم يقم حتى الآن عائق يعوق وصولنا إلى أسرار الدولة كما تسمى لغباء الأمميين، إذن فماذا سيكون موقفنا حين نعرف رسميًّا كحكام للعالم في شخص إمبراطورنا الحاكم العالمي؟ "
هذا ما جاء فى بروتوكولات حكماء صهيون، وهذا ما ينفذه الإعلام المتصهين فى مصر الذى يحوّل من إصابة مسيحي بنزلة برد جريمة لا تغتفر فى حين إبادة آلاف المسلمين قتلا وقنصا وحرقا مسألة فيها نظر!
التناول الإعلامي فى مصر للضحايا المسلمين والمسيحيين، فاق فى ازدواجيته وخسته ووحشيته الإعلام الصهيوني بمراحل كبيرة، بل تعدي ذلك إلى المشاركة فى القتل والدعوة الصريحة لقتل كل من يخالف الانقلاب الدموي الفاشي .
موقف الإعلام المصري من الضحايا المسيحيين:
يتعامل الإعلام المصري الخاضع فى أغلبيته لرجل الأعمال المسيحي المتطرف نجيب ساويرس، مع الدم "المسيحي" باعتباره مقدساً، وقطرة واحدة منه تكفي لإقامة "حفلة تعذيب" للشعب المصري بأكمله، وفرض الأجندة الصهيوأمريكية فى جميع وسائل الإعلام والمطالبة بحذف آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة بزعم أنها تحرّض ضد "الأشقاء الأقباط" وفق إعلام ساويرس. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تخطاه إلى مطالب عبثية مثل الدعوة إلى تجريم ختان الذكور – وليس الإناث- ومنع الصلاة فى المساجد وتدريس الأناجيل لطلاب المدارس والسماح للمسلمات بالزواج من مسيحيين.
الإعلام المصري المتصهين لا يري غضاضة فى قتل آلاف المسلمين، فى حين يجعل من حادثة فردية ضد مسيحي نهاية العالم التى تستوجب انتهاء الكون ، وأن يجلس الشعب المصري بأكمله رهين هذه الحادثة ليستمع إلى الطعن فى إسلامه ومقدساته .
بين هولوكست رابعة وحادث كنيسة القديسين:
في بداية عام 2011 قام حبيب العادلي وزير داخلية حسني مبارك بتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، مما أسفر عن مقتتل عشرين مسيحيا كانوا داخل الكنيسة، وكالعادة استبق الإعلام التحقيقات والنتائج ليصف المسلمين بالإرهاب ويبارك حملات اعتقالات واسعة نتج عنها قتل " سيد بلال" أحد السلفيين بالإسكندرية ، وكانت "مريم فكرى" هى الصيد الثمين للإعلام المتصهين، فهى فتاة قتلت مع شقيقتها وأمها، أُنتجت عنها الأفلام الوثائقية المصحوبة بالموسيقي التصويرية الحزينة وكيف أنها كانت تنتظر الخطوبة، وبث صورها منذ الطفولة حتى التخرج من الجامعة، وماذا كتبت على الفيس بوك قبل الحادث بساعات..وهذه عينة بسيطة من أقوال من ينتسبون للإعلام بخصوص مريم فكرى:
معتز الدمرداش: عندي أمنيات كتير فى 2011 أتمنى أن تتحقق وأرجو يارب تكون بجانبي وتساعدنى عشان تتحقق كل أحلامي ، مكانتش عارفة طبعا قبل أما تكتب هذا الكلام إنها لن تعيش من العام الجديد سوي بضع دقائق عشان تتعرض ليد الإرهاب الآثم الغادر وتفقد حياتها ثمناً للكراهية للحقد للتطرف للجهل ، بأى ذنب قتلت مريم
جابر القرموطي : كانت مريم بتبص فى الساعة بتاعتها.. كل شوية كانت بتب صفى الساعة بتاعتها بتستعجل العام الجديد يجيي، مريم كانت قاعدة فى الصفوف الأخيرة فى الكنيسة ، كل اللى عاشته مريم من العام الجديد أربع دقايق ، كانت بتفكر هتخطب .. مش هتخطب ، بقينا كلنا مريم عايشي نفى نفس الوجع ، يمكن مريم خدت وجعها وراحت عند ربنا سبحانه وتعالى .. احنا وجعنا موجود ، يمكن من لطف ربنا سبحانه وتعالى إن مريم وأمها وأحتها ماتوا فى الحادثة.
هل تتخيلوا حضراتكم إن إنت تكون فى مكان وابنك لا قدر الله يموت وإنت تعيش اتخيل لحظة م اللحظات ياريتك كنت مت مع ابنك ، وابنك نفس النظام يارتنى كنت مت مع بابا ، بدل ما تودع مريم عام قديم دخل الانفجار بتاع الإرهابيين ، مريم فكرى واحدة من ضحايا الكنيسة .. اتقتلت غدر ، بأى ذنب قتلت مريم ، هنقف عاجزين إن احنا نرجع لمريم يوم واحد من عمرها .
عرض صور منذ الطفولة وحتى التخرج فى الجامعة ثم قال بصوا حضراتكو للصورة دي واستحلفكم بأغلى حاجة عندكم . دي مريم فكري بأى ذنب قتلت ، ليه اتقتلت.. هنوصل لمرحلة من الغضب بتاعنا ومن عدم التريث إن احنا هنخسر نفسنا مش ممكن اللى بيحصل النهاردة يتم تجاوزه كده بسهولة .
دينا عبدالرحمن: كتير من القضايا اللى نتجت عن جهل وتخلف وكره طائفي ، لم يتم البت فيها لم تتم المحاكمة فيها ، هل ممكن كل هذه الدماء والشهداء والأرواح ممكن تخلينا نعمل وقفة حقيقية قدام هذا الانحدار حتى لو كان التخطيط خارجي والتنفيذ داخلي .
حوّل الإعلام مريم فكري إلى أيقونة وتحدثوا عن كل كبيرة وصغيرة فى حياتها وأجروا اللقاءات مع صديقاتها وجيرانها، وبكي جابر القرموطي ، ومثله فعل معتز الدمرداش، أما مذيعات التوك شوز فجميعهن ارتدين الملابس السوداء طوال أسابيع عقب حادث القديسين ، وكانت هذه الفترة مخصصة للهجوم على الإسلام والمساجد والشيوخ والدعاة ، وتبنى مطالب أقباط المهجر.
فى الجانب الآخر هولوكست رابعة العدوية الذى تم فى 14 أغسطس 2013 م لم يحظي باهتمام جميع وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، بل وجد من يشجع ويصفق لقوات الجيش والشرطة على وقع نغمات "تسلم الأيادي" !
قُتل منذ الانقلاب الدموي أكثر من خمسة آلاف إنسان، بينهم آلاف القصص الإنسانية الموجعة، فمنهم العائل الوحيد للأسرة، ومنهم الابن الوحيد الذى انتظره والداه بعد حرمان من الانجاب لسنوات طويلة وطرق أبواب الأطباء ، ومنهم المتزوج حديثاً ، ومنهم المخطوبة ، ومنهم الأم التى تعول .. ومنهم المطلقة والأرملة ، ومنهم الفقير والمسكين ومنهم العامل والمهندس والطبيب وأستاذ الجامعة والإمام والخطيب والنجار والسباك والذى يعول أشقائه والممرض والصحفي والذى كان ينتظر الزواج والقادم من أعماق الريف أو الصعيد والتاجر والمدرس .. كلهم لهم قصص تفجع كل صاحب فطرة سليمة وهو يري قوات الأمن تقتلهم بدم بارد وتحرق جثثهم وتجرفها بالكراكات وتأخذها لمكان مجهول، لتقضي على أحلامهم وعلى آمال أسرهم المحطمة التى غرس الانقلاب خنجره السموم بها.
لم يهتم الإعلام المصري بهؤلاء وأسرهم .. وزاد على ذلك بسبهم ونعتهم بالإرهاب وإبداء الشماتة في قتلهم والتمثيل بجثثهم ، وكأن ديانتهم لابد أن تكون مسيحية حتى يهتم الإعلام بهم !
الخبراء: لا يوجد إعلام فى مصر وعرب الجاهلية أكثر مروءة
الإعلامي بدر محمد بدر قال لـ"المجتمع" : بداية نحن نمر بمرحلة في منتهي السوء من الناحية الإعلامية فليست هناك قيم أو معايير أو أخلاق انسانية ، والذين يسيطرون على الاعلام الآن نخبة فاسدة تكره كل ما يمت للإنسان بصلة وتنزع عنه الإنسانية وموقفها من شهداء المسلمين يتسق مع رؤيتها الاقصائية وعدم وجود أي قيم تحتمي بها وهم لا يعبرون عن الشعب المصري لأنهم يمارسون الآن اسوأ انواع التجاوز الأخلاقي والمهني .
وعن عدم اهتمامهم بآلاف الضحايا الذين سقطوا منذ الانقلاب الدموي قال بدر: هؤلاء يفتقدون البعد الانساني ،ويتعاملون مع المسلمين على أنهم أشر من الدواب ولا يجوز لهم الحياة، ولذلك أسلوب هذا الإعلام مع المسيحيين أنه يحاول استدرار عطف الأقلية وكأنه يقول أنا معكم أنتم أقرب إلي من المسلمين، وهذا تكريس للطائفية ويدخل البلاد فى حالة تمزق مجتمعي ، لكي تصبح هذه التصرفات قنبلة موقوتة تنفجر بعد ذلك.
وتابع بدر : هذه النوعية لا تعبر عن المصريين فالشعب لديه قيم عربية أصيلة ، حتى العربي قبل الاسلام ، فى الجاهلية لا يشمت في الموت ويحترم المروءة والإنسانية، وعرب الجاهلية أكثر مروءة من هؤلاء.
فيما قال الإعلامي حازم غراب : لا يوجد شئ اسمه إعلام في مصر وإنما وسائل تضليل وسائل تدليس ،وسائل تشويه ، تعبئة ، حشد، والإعلام يكاد يقتصر على قناة الجزيرة وبعض الحصف القليلة ، أما هؤلاء الذين يتصدرون المشهد الآن فهم يمارسون شئ آخر، وأوضح غراب أن الإعلام بدأ يأخذ فى الانهيار عقب وصول الإسلاميين لمجلس الشعب عام 2012 وتابع غراب: عندما يقول شخص يفترض أنه إعلامي أن مجلس الشعب يناقش قانون مضاجعة الوداع وهذا الشخص هو عمرو عبدالسميع معه بكالوريوس إعلام ودكتوراه فى الاعلام ، ويفتري على مجلس الشعب هذا الافتراء فما هو حال الباقي؟
وعن التفرقة بين الإعلام الحكومى والخاص قال غراب: القطاع الخاص والعام ليس إعلام و كليات الإعلام فى أغلبيتها لم تخرج اعلاميين وانما حملة شهادات تحولوا إلى مرتزقة .
وأضاف: إن الحملات المشبوهة التى تحدث الآن هى أن هذا المسمى إعلام يريد أن يقول هناك متطرفين مسلمين ولما نقتلهم يكون لدينا عذر، أما تضخيم حوادث المسيحيين فهى عبارة مكينة للتشويه تشبه مرايا محدبة سليمة ومرايا مقعرة ولا يعطي للرأى العام حقه.
وضرب غراب المثل بقناة العربية التى وصفها بالـ عبرية وأنها تعمل لصالح الصهيونية العالمية وأمريكا وحكام الخليج، وناشد الجميع بعدم الحديث عن الإعلام قائلا : مصر لا يوجد بها إعلام .
الدكتور حسن على أستاذ الإعلام بجامعة المنيا ورئيس جمعية حماية المستمعين والقراء والمشاهدين قال: الإعلام الآن أداة من أدوات الصراع السياسي، مثلما استخدمت القوة البوليسية والعسكرية مع المتظاهرين، يُستخدم الإعلام الآن وهذا فى نطاق آليات الصراع الإعلامي فى التشويه والتضليل والتحيز.
وواصل على : ستجد أشياء كثيرة كانت وسائل الإعلام ترفضها أثناء حكم مرسي، والآن يقبلونها ويشجعونها ، كما ستجد ممن كانوا يهتفون أيام حكم طنطاوي : يسقط حكم العسكر، هم من يهتفون للسيسي ويجعلون منه بطلا قوميا ويدعون لترشيحه لانتخابات الرئاسة ،ولذلك فإدارة الصراع تلوث الأخبار بحيث يحدث تحيز فتحدث مبالغة، وعليه عندما تتحدث عن التناول الإعلامي لحوادث المسيحيين والمسلمين، تجد أنه لو جُرح مسيحي الخبر فى كل وكالات الأنباء ووصلات إخبارية كاملة لمتابعة الحدث وهذا هو "التهويل" أما قتل ألف مسلم فلا يتحدث أحد ،لأنه لو تحدث أحد بحيادية سيكسب الرافضون للانقلاب العسكري تعاطف الجماهير وبالتالي يعنى هذا خسارة الانقلاب للمعركة، أما " التهوين" من الأحداث ووصف المتظاهرين بالإرهاب والعنف والمبالغة فى إظهار صور لإصابات ضباط وجنود ، فالهدف منه كسب تعاطف الشارع فيما يحدث للمتظاهرين والرافضين للانقلاب، والإعلام يلعب على هذا الوتر لتغييب الرأى العام وتحييده فى الصراع حتى يحسم صاحب القوة العسكرية الأمور لصالحه.
وتابع على : ورقة الأقباط لعب بها شنودة الثالث ممدة طويلة مع حسني مبارك لضمان الحصول على امتيازات، وكانت تثار هذه الورقة حسب ظروف الصراع الذى يديره مبارك ، وكان الإعلامم يُهوّل وفق هذه اللعبة .
وعن حالة الانفلات الإعلامي التى تخطت كل القيم والحدود منذ الانقلاب الدموي قال على : الإعلام الآن ليس إعلام ، وما يجري هو نوع من الجنون ، ونحن فى جمعية حماية المستمعين والقراء والمشاهدين ، حاولنا أن نجري إحصائية للانتهاكات والتجاوزات الإعلامية منذ الانقلاب فلم نستطع، الإعلام الآن مريض مرض خطير ، وهذا طبيعي فى غياب السياسة ، لا تحدثنى عن موضوعية فى زمن الليبرالية العجيبة التى كانت تنادي بالصندوق ثم اخترعت الآن ديمقراطية الحشد فى الشارع وعد الرؤوس لتكون دليلا على الاستمرا فى الحكم أم لا.
الدكتور محمد معوض أستاذ الاعلام وثقافة الطفل وعميد معهد الجزيرة العالى للاعلام قال: ما يحدث الآن كارثة بكل المقاييس وعودة للخلف ، وتابع: وسائل الإعلام القومية فى غاية السوء أما وسائل الإعلامم الخاصة فتريد جنازة وتشبع فيها لطماً ، وأنا أسميها الاسم الصحيح هو "وسائل الإعدام" لأنها تحرض على القتل ، ولم أستغرب من هذه الوسائل التى كانت تقول عن الرئيس المدنى المنتخب " ابن سنية" فى حين تقول عن شخص تم تعيينه من الانقلاب " معالى المستشار الرئيس " !
واستنكر معوض ازدواجية الإعلام فى تعامله مع من يسقط من السملمين موضحاً أنه لايريد أن يكون للمسألة بعدا طائفيا، ثم تابع : الواقع أنهم هم من يحضر الطائفية، ولا أريد أن استدعي إلى ذهنى صور بعض القناصة الذين شاهدهم الناس والصليب مرسوم على أياديهم ويقتلون المعتصمين برابعة العدوية، لكن الإعلام تحول إلى دعاية سوداء تبارك القتل وسفك الدماء، وتتجاهل سقوط مئات الشهداء فى تحيز فاضح لا مثيل له فى العالم.