على أعتاب العام الخامس للثورة السورية
د. عامر البوسلامة
1- ونحن على أعتاب العام الخامس، لثورة العدل والكرامة والحقوق، في سورية الحبيبة، لا بد أن نتذكر، صبر هذا الشعب الأبي، وصموده الاستثنائي، وقوته في مواجهة طغيان نظام الجريمة في سورية، ومن معه ومن يسانده من قرى الشر والظلام، فنقول : اللهم ارحم الشهداء، واشف الجرحى، وفرج عن المعتقلين، ويسر عودة اللاجئين والمهاجرين والنازحين، وانصر شعبنا على بشار وزبانيته وشبيحته ومن معهم وساندهم، حتى تقوم دولة سورية، على نموذج الخير، وقانون العدل، وبركات الأرض والسماء . ( وبشر الصابرين ).
2- هنا نتذكر الشهداء الأبرار، الذين قدموا أرواحهم من أجل قيم الفضيلة، وتعاليم البناء الصالح، فحقهم علينا أن لا ننساهم، وبالخير نذكرهم، ونكتب سيرهم، بصحائف من نور، حتى تتذكرهم الأجيال، وكيف أنهم كانوا شامة في جبين هذه الأمة، وهؤلاء الشهداء – في الغالب – تركوا خلفهم من كانوا يعيلونهم، تركوا شيوخاً ركع، وأطفالاً رضع، ويتامى، وأرامل فجع، ومن واجبنا أن نقوم على شأن هؤلاء الضعفاء، ونسعى في خدمتهم، وكف أيديهم عن السؤال بالعطاء وبذل الكفاية لهم.( ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته ).
3- ونحن على أعتاب العام الخامس، لا يجوز لنا، أن ننسى الحصار المفروض على كثير من البلدات والمناطق والقرى، في سورية الحبيبة، حتى أكل الناس الأخضر واليابس، وما حل وما حرم، من مثل القطط والكلاب، بعد فتوى العلماء لهم بجواز ذلك، لأن الناس يموتون جوعاً، فهل من حملات إغاثة لهم؟ وهل من صيحات عون تساندهم، وهل من مكبرات صوت، توصل مطالبهم، وتشرح حقيقة ما هم فيه، وما هم عليه، ورحم الله من بلغ عنهم حالهم، وهنا أسطر شكري لأحد الشباب الألبان، الذي ترجم مقالة لي، من العربية، إلى اللغة الألبانية، عن شعب سورية، وثورته المحقة، وقضيته العادلة، حتى يقوم بواجب الشرح والبيان، ليوصل صوت إخوانه في هذا البلد المنكوب سورية..... لذا نهيب بكل غيور من العرب والمسلمين وأحرار العالم، أن يكتبوا ويبينوا ويشرحوا، ما يحل بإخوانهم في بلاد الشام، في سورية الحبيبة.
4- المعركة في سورية، معركة أمة، ذلك أن الشعب السوري، يواجه مشروعاً خبيثاً وخطيراً، مشروعاً طائفياً، مشروعاً اجتثاثياً، مشروعاً يريد الهيمنة على الأمة وسحقها وابتلاعها، والمعول على شعب سورية، أن يكون أداة تحطيم هذا المشروع، والقضاء عليه، وقبره في مربعه الأول، والبشائر – رغم الجراح والأحزان والآلام – تفوح روائح خيرها هنا وهناك، ولكن هذه المشروع المقاوم، لمشروع الشر، يحتاج إلى مساندين وداعمين ومناصرين، ومن يقدم ما يلزم لمثل هذا العمل العظيم المبارك، فهل من قائل : لبيك يا شعب سورية.
5- وبهذه المناسبة، يجب أن نتذكر دائماً، موقف الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي – فك الله أسره – ومعه كثير من أبناء مصر البررة، وقفتهم مع شعب سورية، وإسنادهم بما يحتاجون إليه، في الجوانب الإنسانية، وكانت ساحة مصر، ساحة مفتوحة لأبناء الشعب السوري، حيث يأوون إلى إخوانهم الأنصار من أهل مصر، بقيادة الدكتور مرسي، فوجدهم السوريون عند حسن الظن بهم، وكانوا مثالاً للأخوة والتراحم، ونتذكر كيف كان الدكتور مرسي يصرخ : لبيك سورية، وينذر حزب الله، بأن يخرج من سورية، وأنه لا مكان لهذا الحزب الضال في سورية، وأن يكف عن قتل أبناء الشعب السوري.
وفي الحديث الصحيح، عن يَحْيَى بْن سُلَيْمِ بْنِ زَيْدٍ ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ سَمِعَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ بِشْرٍ مَوْلَى ابْنِ مَغَالَةَ, يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه، وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, يَقُولانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَتُسْتَحَلُّ حُرْمَتُهُ، إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ".
6- وبهذه المناسبة، نتذكر دور العلماء ، وأنهم ملح البلد، وما يجب أن يقوموا به، من واجب المناصرة لشعب سورية، وحث الناس، ليقفوا معهم، وجمع التبرعات لهم، فالعلماء لهم منزلتهم ومكانتهم في نفوس أبناء الأمة، وصوتهم مسموع، وكلمتهم مؤثرة، من هنا كان على عاتقهم، حمل الأمانة إذ هم ( ورثة الأنبياء )، وشكراً للعلماء الصالحين العاملين، الذين وقفوا إلى جانب شعب سورية، وأمدوهم بالفتاوى المساندة، والوقفات المشرفة، والمواقف الشجاعة، وفي المقدمة منهم ( الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ) وعلى رأسهم الدكتور العلامة يوسف القرضاوي، والدكتور الأمين الشيخ علي قره داغي، بارك الله فيهما، ومن معهم من علماء الأمة، الذين آووا ونصروا وحثوا، ومن فتاوى الاتحاد في هذا الشأن، نأخذ هذه الفتوى :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:
فإن ما يجري في أرض الشام من أحداث دامية مؤلمة، من قتل للأنفس، وهدم للبيوت، وقصف للأحياء السكنية، وقتل للشيوخ والأطفال والنساء، وانتهاك الحرمات، واعتقال وتعذيب وإعدامات، يستلزم تجديد العهد لدعم هذا الشعب الأبي الصامد المظلوم، ودعم المبادرات الجادة لنصرته، وأمام هذا الواقع المرير الذي استمر سنتين، فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يدعو ويؤكد ما يلي:
- أولاً: يدعو الاتحادُ جميع المسلمين والعربَ، وشرفاء العالم، إلى إنقاذ الشعب السوري المظلوم، وأن يتحملوا مسؤولياتهم أمام ما يتعرض له من قتل ممنهج، وتشريد، وتدمير، وهتك للحرمات، وتخريب للديار، واستعمال للأسلحة الفتاكة، لإحداث أكبر قدر ممكن من الإيذاء والضرر بهم، من قبل النظام الظالم وأعوانه، "الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد"، ولذلك يفتي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بوجوب نصرة هذا الشعب المظلوم، بكل الوسائل المتاحة للأدلة القطعية من الكتاب والسُّنة وإجماع الأمة، الدالة على وجوب نصرة المظلومين، وحرمة نصرة الظالمين، بل حتى الركون إليهم؛ (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ {113}) (هود).
1جمادى الأولى 1434هـ
الموافق 13/03/2013م
7- رحم الله من بذل لشعب سورية، ولو رغيف خبز، أو قطعة جبن، رحم الله من كتب كلمة في مصلحة هذه الثورة المباركة، جزى الله خيراً كل من ساند وأيد وآوى ونصر، بورك بالذين كانت لهم وقفاتهم الاحتجاجية، ومظاهراتهم الأبية، ومبادراتهم القوية، ولا بد من المضي في هذا الطريق حتى النصر بإذن الله تعالى، فلا تضعفوا ولا تتخاذلوا، ولا تخافوا ولا تيأسوا، وهذا هو الطريق، وهذه سنة الله عز وجل.
وأنتم يا أبناء الشعب السوري : اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله، لعلكم ترحمون، وحدوا صفوفكم، واجمعوا كلمتكم، وتسامحوا فيما بينكم، وكونوا عباد الله إخواناً، تعاونوا على عمل الخير، وكونوا يداً واحدة، في الداخل والخارج، سياسيين وإغاثيين، مدنيين وعسكريين، علماء وقادة، يا أبناء سورية: انبذوا الغلو ( التطرف ) بكل صوره وأشكاله وألوانه، وكونوا – في قولكم وعملكم – مثال خير لسماحة الإسلام ووسطيته، كما هي ثقافتكم، وكما هو العهد بكم.