عمّو: أنا عايشة؟ عمّو: أنت عايشة!

د. محمد أحمد الزعبي

د. محمد أحمد الزعبي

يصعب على المرء ، بماهو إنسان ، أن يرى منظر تلك الطفلة البريئة ، وهي ترتجف بين يدي أحد المسعفين ، إثر إصابتها بسلاح بشارالأسد الكيماوي المحرم دولياً وإنسانياً ،  صباح الأربعاء في 21.08.2013 وتسأله : " عمّو أنا عايشة ؟، فيجيبها بكل مسؤولية وأبوّة " عمّو لاتخافي إنت عايشة " ، دون أن يتوقف عند مفهوم / مفردة / كلمة " عمّو" التي جاءت على لسان كل من الطفلة والمسعف .

إن مانرغب أن نشير إليه حول هذا الموضوع ، الذي يتقاطع على صعيده البعد السوسيولوجي ، مع البعد البيولوجي ، مع البعد الإنساني ، مع البعد الديني ، مع البعد الوطني  هو :

إن البعد البيولوجي لمفهوم " العم " وبالتالي " عمو" هو بعد معروف ، سواء في اللغة العربية أوفي  اللغات الأجنبية ، من حيث ينادى على أخ الأب  في كافة المجتمعات (عمّو ،  Onkel، uncle) ، ولكن ماتمتاز به اللغة العربية ، وبالتالي الثقافة العربية الإسلامية عامة ، هو بصورة أساسية ، البعد الإجتماعي ، من حيث أن جميع المواطنين في بلداننا  ، قد رضعوا مع حليب أمهاتهم موضوعة " إنما المؤمنون إخوة " ، ومفهوم المؤمنين تنسحب هنا دينياً ولغوياً ،على كافة أتباع الأديان السماوية ، وبالنسبة لنا في سورية ، على كافة المواطنين من مختلف انتماءاتهم ومشاربهم وآرائهم . إن مثل هذه الأخوّة إنما تنطوي تطبيقياً على الأبعاد التالية :

1. البعد البيولوجي ، من حيث أن أخ الأب هو بانسبة لكل من الأبن والإبنة  هو" عمّو "  ،

2. البعد الإجتماعي ، من حيث أن جيل الأب بالنسبة لجيل الأبناء هم أيضاً بمثابة " عمو" ،

3. البعد الأخلاقي والإنساني ، من حيث أن كل إنسان ، يتعاطف مع الطفل ويحميه ويحبه هوبدوره"عمو" 

4. البعد الوطني ، من حيث أن أبناء الوطن الواحد ، إنما تجمعهم أبوة وأخوة المواطنة ، التي تجعل كل 

    مواطن أباً لكل طفل من أطفال الوطن ، وبالتالي فهو بالنسبة إليه " عمو " .

ولابد من أن نشير هنا إلى أن اللغة العربية ، تفرق بين مفهوم " الوالد " ، وهو الأب البيولوجي ، ومفهوم

" الأب " وهو الوالد الاجتماعي ، والذي يمكن أن يكون الوالد أو غيره من الأقارب ، تماماً كما حصل مع رسولنا الكريم ، حيث أن أباه البيولوجي ( والده ) هو "عبد الله " ، ولكن أباه الاجتماعي هو بداية جده      " عبد الطلب " ، ونهاية عمه ( عمّو) " أبو طالب " .

  

وبالعودة إلى حالة تلك الطفلة البريئة ، التي رأيتها من جهتي عبر التلفاز، أكثر من مرة ، وهي ترتعش في فراشها بين يدي أحد المسعفين ، وتسأله متلعثمة ومرتجفة تحت تأثيرغازالسارين : " عمو أنا عايشة ؟ "  فيجيبها المسعف بحنوالأب وحنانه : " عمو إنت عايشة " . إن استخدام هذه الطفلة البريئة لكلمة " عمو" ، وهي لاتعرف من هو هذا العمو ، وفيما إذا كان مسلماً أو مسيحياً ؟ عربياً أو كردياً ؟ سنياً أو شيعياً ؟ مدنياً أوعسكرياً؟ يسارياً أو يمينياً ؟ تقدمياً أو رجعياً؟ ، إنما يشير إلى إنه بالنسبة إليها ــ كنصف واعية ــ هو فقط " المنقذ عمّو " دون زيادة أو نقصان ، إنه اليد الرحيمة التي تمنع سكين المجرم بشارالأسد من أن تصل إلى عنقها ، وبالتالي إلى روحها ، إنه " عمو " وبس .

ماكان لهذه الطفلة الضحية ، وما كان لهذا الـ " عمو " ، أن يتصورا ، أن كيماوي يوم الأربعاء في  21  آب  2013 ، الذي قتل أكثر من 1500 شخص من أهالي الغوطتين ، معظمهم من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين العام والعشرة أعوام ، سوف يدفن في جنيف يوم 14.09.2013 ، في الوقت الذي سوف تبقى فيه طائرات وصواريخ ودبابات وبراميل وقنابل الأسد العنقودية والفسفورية ، تصول وتجول ، في سماء سورية ، دون حسيب أو رقيب . يبدو إن الدول الكبرى ، بمختلف ألوانها وأشكالها وأقاويلها ، ليست بحاجة ، بالنسبة للحالة السورية ، إلى أن تبحث في زوايا القوات المسلحة السورية ، عن " سيسي " ما، ينقذ إسرائيل من تصوراتها المريضة حول الأهداف المشروعة لثورة آذار 2011 ، والمتمثلة أساساً وقبل كل شيء ، والتي بحت حناجر شيبها وشبابها ، رجالها ونسؤها ، صغارها وكبارها ، وهم يرددونها بهتافاتهم ليل نهار بـ  " الحرية والكرامة  " ، وهي أهداف إنسانية  لا أظن أن  إنساناً سوياً  يعارضها أو يخاف منها ،  سواء على نفسه ، أو على غيره ، على الأقل على المدى المنظور .

إن عائلة الأسد ، وفرقتها الرابعة وحرسها الجمهوري وشبيحتها ، وكبار ضباطها بقيادة الجنرال الروسي " لافروف " ومعاونه السوري الفريق بشار الأسد ، تقوم بالنيابة عن الشرق والغرب ، وأيضاً بالنيابة عن إسرائيل ،  بهذه المهمة " السيسية " ضد الجماعات الإسلامية  في سورية ، والتي يحلو للبعض في الداخل والخارج ، أن يطلق عليها صفة الجماعات الإرهابية ،  انطلاقاً من أنه قد يحتاج إلى هذا التوصيف بالمستقبل ، إذا ماأصبحت ثورة شباب آذار 2011 على أبواب القصر الجمهوري ، وأصبح بإمكان الشعب السوري أن يقرر مصيره بنفسه ، رغم أنف الجميع   .

لاتخافي يا " عمّو " ( ... )  لامن غاز السارين ، ولا من غاز " السيسي ن " فالثورة قادمة لإنقاذك.