لا تلد الحيّة إلّا حيّة
لا تلد الحيّة إلّا حيّة
رقية القضاة
حافظ الأسد حاكم عرفته أمته كأكبر مجرم ووالغ في دماء شعبه ،وأذكر أنني عرفت سيرته ،في بداية الثمانينات الماضية، وحينها كانت الأحداث اكبر من استيعابي ولكنني أدركت منها ما يكفي لكي يظل عالقا في وجداني ،فمن الحكم على فضيلة الشيخ سعيد حوّى رحمه الله ومن ثمّ نجاته وقتها بفضل الله، إلى مذبحة تدمر ومن منّا لا يذكر تلك الاستغاثة التي أرسلتها أسيرات تدمر،العفيفات الطاهرات الشهيدات بإذن الله، إلى سلسلة الإغتيالات التي طالت السوريين والإخوان المسلمين منهم بالذات ،وحتى نساءهم وذراريهم ،ومازالت تلك الكلمة المؤثرة للشيخ عصام العطار ترن في اعماقي ،وهو ينعى زوجته ،كريمة الشيخ الجليل العالم الوقور الشيخ علي الطنطاوي،رحمهما الله، وقد اغتيلت في منزلها في أوروبا مهاجرة ،و آلاف الأسر، التي فرّت بدينها من وجه الطاغية الظالم حافظ الاسد،وبحكم أنني كنت ابنة لأحد الإخوان في الاردن،فقد كان طبيعيا أن تكون هموم الأمة وشجونها مدار اهتماماتنا {ومن لم يهمه أمر المسلمين فليس منهم } فقد ترسّخت لدي قناعة تامة كما هي لدى كل مدرك لخطر العقائد الباطنية والشعوبية الحاقدة،أن الرّسالة التي يحملها هذا النظام بشقيه البائد والسائد ،هي رسالة الإبادة والاستعباد،والخداع القائم على التلاعب بمشاعر الأمة ،واتخاذ القضية الفلسطينية المقدسة مطية لاستدرار ثقة الشعب الذي يدرك الحقيقة ولكنه مغلوب على أمره ،ولكن هيهات فإن دوام الحال من المحال ،فالشعب فاض به الكيل والأيتام الذين ذبح آباؤهم على يد الأب لن ينتظروا سكين الإبن أيضا،وبعد نزوح العائلات المنكوبة المبتلاة على يد حافظ الأسد،تعرفت على بعض هذه العائلات التي وجدت في بلادنا مأمنا يسّره الله تعالى لها ،وسمعت ما يشيب لهوله الولدان ،صور لمذابح [هولاكو ]القرن العشرين ،وبطولات ومواقف رجولة وفداء واحتساب، ولم أكن أدري حينها أن ماجرى على اولئك المظلومين من القتل والتشريد على يد الطاغية الطائفي ،سيجري على أبناءهم المقهورين،ولكن هذه المرة على يد الإبن الذي بذّ أباه بالإجرام بل وتفوّق عليه، فعادت الصورة إلى الواجهة من جديد، وتكررت المأساة، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وفي حين كانت الاصابع الطائفية الخارجية غير معلنة في تلك المرحلة الغابرة ،ولأسباب سياسية لم تعد خافية اليوم ،فإن هذه الأصابع اليوم تبدو جلية واضحة لكل ذي لب،والذي حصل في العراق بالامس، يتكرر في سوريا اليوم ،ولكن العيون التي تغمض دائما عن الحقائق قصدا او سهوا ،تدّعي عدم الرؤية،والأقلام التي سكتت عن جرائم الاسد الأب ،تحاول أن تبرر للأسد الإبن ، أيها المسلمون إنّها دماء أهل السنّة في سوريا ،وأرواح المسلمين فيها تزهق في حالة تطهير عقائدي خبيثة الهدف ،إجرامية الوسيلة،
أيتها الأمة التي انتظرت ربيعها طويلا لاتتركي أهل سوريا للجلاد،وتذكري قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يخطب يوم الحج الأكبر ويقول :{إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام،كحرمة يومكم هذا في بلدكم } وقوله صلى الله عليه وسلم {المسلم اخو المسلم لايسلمه ولا يحقره ولا يظلمه}وقوله {لئن تنقض الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من دم امريء مسلم} فهل بعد خذلان الامة لشعب سوريا خذلان وهل بعد إسلامنا إياهم للقاتل من سلم؟
يا أمة الإسلام أدركي الشام وأهلها،وحماة الدين فيها ،فالدماء بلغت حافّة الأرض ،والظلم بلغ عنان السماء ،وهل نرقب من بشار أن يكون خيرا من أبيه ؟وهل تلد الحية حمامة سلام ؟لا والله لاتلد الحية الرقطاء إلّا أفعى اكثر منها حقدا ،وأمضى منها سمّا ،اللهم إنّا نبرأ إليك من تخاذل القادرين ،واستكانة الصامتين ،وتوطؤ المتآمرين على الملّة والأمة ، بشعوبها ومقدساتها، ومقدّراتها ،وأقوات أهلها ،وخيرات أرضها ،ودماء شبابها،وحرمة مرابعها وأهلها ،فياحماة الصابرة،نكأ الجبابرة الجرح ،فلا تصرخي مهزومة ،بل كبّري منصورة بإذن ربّك ،فشعلة النصر ارتوت بدماءالحياة المنهلّة غيثا ،يغسل عار امة ساكتة عن النّصرة لشعب أعزل ، يساق إلى الموت صابرا، وأرواح شهداءه تستنزل اللعنات على سلالة الأفاعي،وربائب الرافضة ،ومثيري الفرقة بين الشعب الواحد ،فصبرا ياسورية البطولات المتتابعة ،وصبرا ياشامنا المباركة، فالنّصرة عند الله قريبة،ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا،وأنّى للشعوبية أن تقضي على خيريتك وبركتك وعلماءك وشبابك الصابرين ،وأما مايسمى بمجلس الأمن ،فيا للمهزلة القائمة منذ عقودونحن نغني لها ونرقب قراراتها ،افيقي أيتها الأمة ،واسمعي قول ربك {لايألونكم خبالا ودّو ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} فإذا كان الخذلان والتواطؤ والسكوت عن أفاعيل مايسمّى أسدا،فكيف بما تخفيه الكواليس،فيا مجلس الأمن،ويالجان تقصّي الحقائق ويامؤتمرات التباحث ويامجلس حقوق الإنسان!،ويا ..ويا..إنّ وليّنا الله وهو يتولّى الصالحين الذي بيده مقاليد كل شيء {إذا قضى امرا فإنّما يقول له كن فيكون}
اللهم ياناصر المغلوبين ويارب المستضعفين عجّل نصرك وفرجك لهذه الامة،{فدعا ربه أنّي مغلوب فانتصر}.