يوم الجائزة
إبراهيم خليل إبراهيم
أعياد الأمم والشعوب تتنوع من عهد إلى عهد وتتغير أسماؤها وتعدل مواعيدها من مناسبة لأخرى وتكثر وتقل ويزاد فيها وينقص منها وذلك مسايرة للأحداث والمناسبات ومجاراة للأهواء ومراسم هذه الأعياد تتأثر بتطور الزمن وتغير الأفكار أما الأعياد في الإسلام فهي ثابتة منذ كانت لا تغير في الأسماء ولا تعديل في المواقيت ولا تطور في الشعائر ولا زيادة فيها ولا نقصان منها لأنها صالحة لكل زمان ومكان ومرتبطة بعبادات إلهية،وهذا هو الفرق بين ما صنع رب العزة وبين ما صنع البشر،تقوم دولة من الدول في مكان ما في الأرض فتكون لها أعيادها وتسقط هذه الدولة وتقوم مقامها أخرى فتلغى من الأعياد ما تشاء وتثبت ما تشاء وتزيد ما تشاء ويسود نظام من النظم جماعة من الجماعات فتكون له أعياده ويسقط هذا النظام ويحل محله نظام آخر يخالفه أو يناقضه فيلغي أعياد سابقة ويقيم أعياداً جديدة ويتولى عظيم من العظماء فتكون ولادته عيداً وتنتهي هذه الولاية بموته أو بتنحيته وتولي سواه فيتخذ لنفسه عيدا آخر يفرضه على المحكومين،تختلف مراسم الاحتفال بالأعياد من شعب إلى آخر ومن عصر إلى عصر فإنا مواكب الخيل المطهمة وحيناً عرض للدبابات ومظاهر للقوة وحيناً آخر إطلاق المدافع الفارغة والسهام النارية،أما أعيادنا الإسلامية فلا صلة لها بعظيم من العظماء أياً كان مبلغه من العظمة لا بولادته ولا بولايته ولا بموته ولا ارتباطاً بقيام نظام من النظم البشرية المتغيرة والمتضاربة ولا بتخليد موقعة من الوقائع الحاسمة ولا تسجيل فتح من الفتوحات،شعائر أعيادنا الإسلامية لم يطرأ عليها تغيير ولا تحوير بل هى نشيد علوي سماوي:الله أكبر،الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر،الله أكبر ولله الحمد،وصلاة جامعة محددة المعالم،ثابتة الأقوال والأفعال بعد ارتفاع الشمس وخطبتان مناسبتان بعدها أعيادنا الإسلامية:عيد الفطر،وعيد الأضحى،لم يزد عليهما ولم ينقص منهما ولم تتغير معالمهما وشعائرهما فحين هاجر رسول الله صل الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وجد الأنصار ذات يوم في لهو ولعب فقال:ماهذا؟فقالوا:يا رسول الله إن لنا يومين كنا نلهو فيهما ونلعب في الجاهلية،فقال رسول الله صل الله عليه وسلم:إن الله أبدلكم خيرا منهما عيد الفطر وعيد الأضحى،حكمة بالغة في علاج العادات الهازلة اللاهية بإحلال العبادات الجادة النافعة محلها مع الاحتفاظ بطابع السرور ورباط المودة بين الناس فعيد الفطر يوم يفرح المسلمون بإتمام الصيام وفيه يخرجون إلى الصلاة في حلة جديدة تحدثاً بنعمة الله فيتصدقون على الفقراء والمحتاجين ، يجتمعون لصلاة العيد واستماع الوعظ بعد أن تلقوا من الصيام درساً ملأ نفوسهم بالخشية والإخلاص والرحمة ولين قلوبهم بالإحسان وأيدهم بالصدقة ثم يتبادلون التهاني مبتهلين إلى الله أن يحقق لهم الآمال والأماني،هو سرور عام بين جميع الذين يدينون بالإسلام في أي أرض أقاموا وبأي لسان تكلموا،شعور شامل يوحد بينهم في الهدف المشترك بالأحاسيس المتجاوبة،هكذا يحدد الإسلام شئون الأعياد والمواسم فينظم طريق الحفاوة بها ويبث فيها معنى روحياً واجتماعياً سامياً يربط الغني بالفقير،والكبير بالصغير،والحاكم بالمحكوم،والإمام بالمأموم،أما المعنى الروحى فمظهره التكبير والصفوف المنتظمة في الصلوات وما يستمعون من عظات وبينات،وأما المعنى الاجتماعي فمظهره زكاة الفطر التي فرضها رسول الله صل الله عليه وسلم علي كل مسلم والتزاور بين الأصدقاء والأقرباء والجيران وسائر المسلمين والبهجة والسرور والمرح الكريم واللهو البرئ مما يبعث في النفوس نشاطاً يعينها على العمل النافع،هذا هو عيد الفطر الذي يأتي أول يوم بعد رمضان ويفرح فيه المسلم الصائم فرحتين فرحة القيام بواجب الطاعة لله عز وجل وفرحة الفوز بجائزة الله له على هذه الطاعة،وهى جائزة تفوق كل تثمين وتقدير يحدثنا عنها جابر الجعفي قال:قال رسول الله صل الله عليه وسلم:(إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا:أغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل فقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم وأُمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم فإذا صلوا نادى مناد:ألا أن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهذا يوم الجائزة ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة) رواه الطبراني في الكبير،أما العيد الثاني فهو عيد الأضحى وسوف نتحدث عنه في حينه إن شاء الله تعالى،وحتى نلتقي في مقالي القادم إن كان في العمر بقية تقبلوا أجمل التهاني والدعوات بعيد الفطر،ودعواتكم لحفظ مصر وشعبنا العظيم من كل مكروه وسوء.