التجسس الأمريكي في أوربا
د. ضرغام الدباغ
[email protected]
1. مدخل
تتمتع الولايات المتحدة في الدول الأوربية بأفضلية مكتسبة من الماضي والحاضر.
فالماضي يتمثل عندما تدخلت الولايات المتحدة في الحربين العالميتين الأولى
والثانية، رغم ابتعاد أراضيها الوطنية جغرافياً، وعملياً لم تسقط أي قذيفة على
الأراضي الأمريكية، ولكن أمريكا أرسلت جيوشها لتحارب في أوربا في الحرب الأولى،
ولعبت دوراً سياسياً هاماً من خلال مبادئ ويلسون الأربعة عشر بعد الحرب ودوراً
بارزاً في مؤتمر فرساي في أعقاب الحرب.
بيد أن الولايات المتحدة اتخذت قراراً " بعدم إرسال أبناءنا ليقتلوا في قارات بعيدة
"، وكان الكونغرس الأمريكي قد صمم على هذا القرار، بيد أن أوضاع اقتصادية داخلية
(الكساد الكبير في الثلاثينات)، ورغبة الولايات المتحدة في جني الأرباح، والهيمنة
السياسية دفعها إلى اتخاذ قرار جديد هو " قانون الإعارة والتأجير " (Lend
-
Lease Act)
في
11 مارس
1941،
أي بعد عام ونصف من اندلاع
الحرب العالمية الثانية
وقبل 9 شهور من دخول الولايات المتحدة الرسمي للحرب. وقد تم بمقتضى هذا القانون
تسليم كميات ضخمة من المعدات الحربية
للمملكة المتحدة
وقوات فرنسا الحرة
والاتحاد السوفيتي
وجمهورية الصين
والعديد من دول الحلفاء ما بين عامي
1941
و1945.
كما ساعد قانون الإعارة والتأجير في تأهيل الصناعات الأمريكية الحربية والمدنية
ووضعها على أهبة الاستعداد لخوض الحرب حتى قبل أن تدخل البلاد في
الحرب العالمية الثانية،
كما استفادت الولايات المتحدة في جني أرباح هائلة.
وبعد أن أقدمت غواصة ألمانية (في عملية لم تكن مبررة) على إغراق سفينة ركاب مدنية
أمريكية تحمل المسافرين في عرض المحيط الأطلسي. وأسفرت الحرب العالمية الثانية فيما
أسفرت من نتائج، تبوء الولايات المتحدة المركز القيادي في العالم الرأسمالي، تكرس
بعد الحرب العالمية بنشوب الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي،
وقيام حلف الناتو (NATO)
وتحملت الولايات المتحدة عبأ الحفاظ على أمن أوربا، ووزعت جيوشها للدفاع على العالم
الغربي، وكان وجود القوات الأمريكية وقواعدها الجوية والبحرية، في إطار هذا الدفاع
المشترك الذي له صفحاته العديدة منها الأمنية والاستخبارية.
أقامت الولايات المتحدة بموافقة الحكومات الأوربية منظمات تصنت وتجسس، وشبكة معقدة
من الإذاعات والتلفزة، والاستطلاع العميق داخل أراضي المعسكر الاشتراكي، وبعد أن حل
الاتحاد السوفيتي نفسه، وتفكك حلف وارسو، ظلت هذه القواعد تمارس أنشطة غامضة،
بدواعي العمل والتحالف المشترك والتدخل في يوغسلافيا السابقة، وبلدان القرم
والقفقاس، ثم أفغانستان، ولكن تدريجياً ابتدأت مشكلات تنجم عن وجود هذه الأنشطة
والممارسات منها تعذيب المعتقلين في القواعد الأمريكية في أوربا، ووجود سجون سرية،
وقواعد غير معلن عنها، تقدح شفافية عمل الحكومات الأوربية أمام حيال شعوبها، وتثير
معارضة تضعها في موقف محرج.
أما حاضر العلاقات فيتمثل
بالعلاقات الاستراتيجية في التحالف بين ضفتي الاطلسي، وهو ما يعبر عنه حلف الناتو
الذي ما زالت أطرافه تشعر بضرورة وجوده، وهناك أيضاً العلاقات التجارية الواسعة
جداً بين الولايات المتحدة وأوربا، وهي التي ذكر بها أوباما مستمعيه الألمان خلال
زيارته لبرلين.
ويذكر أن حجم التبادل التجاري الحالي بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة يبلغ 3
مليارات دولار يومياً ..! أي ترليون و180 مليار سنوياً، ومن شأن الاتفاقية الجديدة
أن ترفع حجم التبادل بمقدار 100 مليار دولار سنوياً،
وهي نسبة أعتبرها المراقبون طيبة لمزيد من تعميق الصلات بين ضفتي الأطلسي،
وهي
علاقات
لا يضحي بها
الأوربيين
أو
غيرهم، ولاسيما
أوربا التي تعاني اليوم من أزمات حادة.
2. أنشطة تجسس
أمريكية في أوربا.
في الأيام الأخيرة من شهر حزيران / 2013، تفجرت فضيحة جديدة / قديمة في أوربا، وهي
أنشطة أمريكية سرية تمارسها وكانت منظمات أستخبارية أمريكية على الأراضي الأوربية،
قد أثارت مجموعة من الفضائح، منها إقامة سجون سرية على الأراضي الأوربية تمارس.
وإذا كانت بعض الدول تغض النظر عن تلك الأنشطة، إلا أنها غير محتملة في بلدان في
حجم من الديمقراطية، ومعارضة قوية لتلك الفعاليات الأمريكية التي تدور في الواقع
منذ زمن طويل، ومن تلك السجون السرية في أوربا، واتخاذ الأراضي الأوربية مقراً
لأعمال اعتقال مواطني دول أخرى وتقوم بإجراء التحقيق معهم، ومن تلك أيضاً ما أثير
قبل سنوات، عن مراقبة الولايات المتحدة لبيانات الأفراد لضمان سلامة الملاحة
الجوية، والجديد الذي فجر فضيحة، ووجهت المعارضة اللوم للحكومة على التهاون فيها،
وتلك هي المراقبة التي تقوم بها أجهزة أستخبارات أمريكية بمراقبة هواتف أوربية.
وليس برنامج بريزم
(Prism،
لمراقبة الهواتف والانترنيت إلا جزءاً منها.
والجديد في الأنشطة الأمريكية هي ما كشفته أجهزة إعلام ألمانية حسنة الاطلاع،
استناداً إلى المعلومات التي كشفها الموظف الرفيع المستوى في (CIA)
أدوارد سنودن عن أنشطة تجسس أمريكية تدور منذ مدة وبدقة عالية على مؤسسات الاتحاد
الأوربي وأجهزة حكومية أوربية ومنعا ألمانيا، وطالبوا الولايات المتحدة(30
/ حزيران) بتفسيرات لهذه الأعمال، وتحدثت صحف بريطانية عن أنشطة مماثلة في
بريطانيا، بل وحتى على البعثات الدبلوماسية الأوربية في العاصمة الأمريكية.
والولايات المتحدة لا تنكر قيامها بهذه الفعاليات، بل تدافع عنها
بأنه هذه الأنشطة أحبطت 50 عملاً ومخططاً إرهابياً في العالم وبررتها بأنها تدور
لمصلحة العالم الغربي بأسره، إلا أن الأنشطة تثير أستياءاً كبيراً في الأوساط
السياسية والبرلمانية، ومثلها في الأوساط الحكومية وإن كانت ما تزال تدور وراء
الكواليس، رغم ما يتردد أن هناك سبع دول وهي : بريطانيا والدنمارك وهولندا وفرنسا
وألمانيا وأسبانيا وإيطاليا
بل وهناك
اتفاقات سرية
بهذا الصدد لمراقبة الهواتف والأنترنيت مع الولايات المتحدة.
3. الرئيس الأمريكي في برلين. توجه
الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ختام انعقاد لقاء قمة الثمانية في دبلن/ إيرلندة،
إلى العاصمة الألمانية برفقة عائلته (19 / حزيران)،
في زيارة أريد فيها إضفاء الطابع العائلي، مع احتفاظها بالشكليات البروتكولية.
وقد ألقى الرئيس الأمريكي في زيارته الثانية خطاباً في بوابة براندبيرغ، أمام
الجماهير، كما فعل في زيارته الأولى عندما كان مرشحاً في انتخابات الرئاسة قبل خمسة
سنوات.
وإذ تفتقر العلاقات الألمانية والأمريكية إلى الدفء، بسبب تباين وجها النظر حول بعض
القضايا، في مقدمتها التعامل مع الملف السوري، فحجم ونفوذ الولايات المتحدة
الأمريكية ومصالحها المتشعبة في الشرق الأوسط يملي عليها مواقف غير تلك التي تراها
برلين. ومن ذلك التعامل مع المعارضة السورية، بيد أنهما يتفقان في الخطوط العامة
الرئيسية، ورغبة الولايات المتحدة المتزايدة للسيطرة على عالم الأنترنيت والهواتف
من خلال برنامج بريزم
(Prism)،
رغم امتعاض كثير من حلفاءها الأوربيين ومنهم ألمانيا، تحت ضغط الكتل البرلمانية
ودوائر حقوق الإنسان.
(الصورة : خطاب الرئيس أوباما في بوابة براندنبيرغ)
وفي خطابه أكد الرئيس أوباما على أربعة موضوعات هامة :
الأولى
: في تصريحه أن لا مكان للأسد في مستقبل سورية السياسي، وهذا يشير ضمناً إلى
محادثاته مع الرئيس الروسي بوتين في دبلن.
الثانية : تأكيده على أن برنامج بريزم هو مفيد للجميع ويخدم الأمن في
الولايات المتحدة وغيرها، وقدمت فعلاً خدمات ممتازة في هذا المجال.
الثالثة :
تقدمه بمبادرة لتخفيض حجم الرؤوس النووية في الولايات المتحدة وروسيا إلى الثلث،
وهي مبادرة ردت عليها موسكو بسرعة متسائلة عن المخزون النووي العالمي الذي يبلغ 17
ألف رأس نووي.
الرابعة :
الإشارة إلى اتفاقية التجارة الحرة التي ستبرمها الولايات المتحدة مع الاتحاد
الأوربي الذي من شأنه أن يعزز الصلات الاقتصادية بين ضفتي الأطلسي ويعود بالمنافع
على الطرفين. ويذكر أن حجم التبادل التجاري الحالي بين الاتحاد الأوربي والولايات
المتحدة يبلغ 3 مليارات دولار يومياً ..! أي ترليون و180 مليار سنوياً، ومن شأن
الاتفاقية الجديدة أن ترفع حجم التبادل بمقدار 100 مليار دولار سنوياً، وهي نسبة
أعتبرها المراقبون طيبة لمزيد من تعميق الصلات بين ضفتي الأطلسي.
كشفت مجلة دير شبيغل (7/ تموز) الواسعة الانتشار على (1,500,000 نسخة أسبوعياً) في
حوار أجرته مع الموظف السابق في برنامج التجسس الأمريكي إدوارد سنودن ونشرته على
موقعها الالكتروني، أن برامج التجسس الأمريكي على أقطار كثيرة في العالم ومنها
أوربا، كانت تتم ومنذ وقت طويل بمعرفة بعض الحكومات الأوربية ومنها الحكومة
الألمانية.
وقد أكد سنودن التعاون بين الوكالة الأمريكية وأجهزة الاستخبارات الألمانية، وأن
الوكالة الأمريكية تزود الجهات الألمانية بأدوات تحليل المعلومات الواردة من الشرق
الأوسط. ويحذر القادة السياسيين من التحركات المعارضة لهم. وأن "الولايات المتحدة
الأمريكية طالبت الدول باعتقال أشخاص علمت بنية استخدامهم لمطارات الدول المعنية.
وفي هذه الحالات لا يجري السؤال عن مصادر المعلومات المتبادلة تفادياً مسؤولية
التعدي على البيانات الخاصة. وقد
أثارت هذه المعلومات الرأي العام والوسط السياسي في ألمانيا لما تنطوي عليه من ضلوع
أجهزة ألمانية بنقل معلومات، ومراقبة الأفراد بما يشكل تعدي على خصوصياتهم. وقد
أقرت المستشارة ميركل بوجود تبادل معلومات بين البلدين (ألمانيا والولايات المتحدة)
ولكنها قالت أن ذلك كان في مصلحة مكافحة الإرهاب.
بيد أن الإشكالية ما برحت تتفاقم بتطور قضية المستشار الأمني الأمريكي سنودن ومكوثه
لأكثر من ثلاثة أسابيع في مطار موسكو بعد أن وصلها من هونك كونك، وعممت الحكومة
الأمريكية إلغاءاً لجواز سفرة، وأصدرت عليه مذكرة بإلقاء القبض، فبات في هذه الحالة
لا يمتلكك أوراقاً ووثائق صالحة للسفر، مما أضطره لتقديم اللجوء السياسي لعدد من
الدول، منها دول في أميركا اللاتينية، كفنزويلا، والبيرو.
(الصورة : غلاف مجلة دير شبيغل : أنها تدور تحت الغطاء مع الألمان. أدوارد سنودن
القوة التي لا حدود لها للأجهزة الاستخبارية الأمريكية )
وفي تفاعلات أخرى، يتواصل كشف (أسرار) تعاون وثيق مؤسساتي بين الأجهزة الأمريكية
والأوربية، الألمانية على وجه الخصوص، والإسرائيلية حيث كشف عن
تعاون مع جهاز الإستخبارات الإسرائيلية على تشكيل نظام تجسسي ألكتروني يعرف بإسم
" شتوكسنيت"
STUXNET)
) بقدرات متطورة جداً.
وحول
التعاون الأميركي – الألماني في مجال مراقبة الاتصالات الخاصة بين المواطنين، قال
العميل سنودن لمجلة " ديرشبيغل " إن وكالة الإستخبارات الأميركية بالتعاون مع جهاز
المخابرات الألماني (BND) وسائر أجهزة
الاستخبارات الغربية، كانت تطلع على تحركات الأفراد عبر المطارات، وهذه الإتصالات
كانت تشكل خرقا للأعراف والقوانين الدولية، كما كانت المعلومات المتبادلة تقضي
بمتابعة المشتبه بهم عبر خطوط الهاتف المستخدمة في الدول الأخرى. ولم تكن الدول
المتعاونة تسأل عن مصدر المعلومات ومدى خرق هذا النشاط للقوانين الدولية، ولم تكن
الأجهزة الأمريكية تطلع الدول المتعاونة على أنشطتها ومدى مخالفتها للقوانين
الدولية.
وذكر المستشار الأمني سنودن في معرض حديثه : أن مجموعة الدول المعروفة العيون
الخمسة
(Five
Eyes)
أو (exklusive
Club)
الدول المتعاونة أمنياً وهي (الولايات المتحدة وبريطانيا، أستراليا، وكندا،
ونيوزيلندة) فعمل هذه الأجهزة يقوم على تخزين أي معلومات تمر عبر فضاء هذه الدول
حتى التافهة منها، لمدة ثلاثة أيام، ولكن الولايات المتحدة الآن بصدد تشيد محطة
تنصت لها قدرة خزن المعلومات للأفراد المهمين أو المشتبه بهم إلى الأبد. وذكر
سنودن أن الأجهزة الأمريكية تقيم صلات مع الشركات المصنع للكومبيوترات، التي تسهل
المراقبة، ولكن جميع أنظمة الفيس بوك والرسائل الالكترونية (Fecbook
& E / Mail)
هي مراقبة ومتابعة. فالأشخاص المشبه بهم، خاضع للمراقبة التامة في كل استخدامه
للأنظمة الاتصالات (الهاتف النقال، الكومبيوتر، البريد الالكتروني، الفيسبوك،
والتويتر ...الخ) ويصف سنودن ذلك بدقة مثيرة بقوله :
إن آلة الكومبيوتر(أو الجهاز الالكتروني) التي هي بحوزة الشخص المشتبه به لم تعد
ملكه... إنها ملك حكومة الولايات المتحدة الأميركية ...!
وتثير المعارضة الألمانية والرأي العام أسئلة محرجة عن مدى التعاون بين المخابرات
الألمانية والأمريكية ومدى إطلاع وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA)على
بيانات لمواطنين ألمان، بل وأكثر من ذلك على حوارات الجلسات والمؤتمرات الخاصة التي
تقام على الأراضي الألمانية، وربما سلامة عمل الدوائر الألمانية ومنها الصناعية،
ولكن المستشارة وعدت بكشف كل جوانب هذا الأمر للرأي العام وللبرلمان، رغم أن
ألمانيا كانت قد ألتزمت السرية، وأن هناك محادثات مع الرئيس الأمريكي بصدد الموضوع.
(الصورة : على غلاف مجلة دير شبيغل : وحيداً ضد أمريكا : سنودن : بطل وخائن)
وحاولت المستشارة الألمانية التخفيف من وطأة الصدمة بقولها أن مكافحة الإرهاب يتطلب
تعاوناً وثيقاً، وهو جزء من مستلزمات والتزامات العالم الحر، مع العلم بأن وزير
الداخلية الألماني قد صرح أن ألمانيا لا تقوم بأنشطة تجسسية في الولايات المتحدة.
وأعلنت النيابة العامة الألمانية (30 / حزيران) أنها بدأت تتحقق من المعلومات
المتاحة وتقييمها، حول عمليات التجسس الأميركية واحتمال ارتكاب مخالفات تمس أمن
الدولة الألمانية.
وتفيد معلومات صحفية، تمثل دير شبيغل أهمها، أن التجسس الأمريكي في ألمانيا يفوق
بكثير مما كان متوقعاً، فهناك وثائق تثبت أن عمليات تجسس منتظمة قامت بها وكالة
الأمن القومي الامريكية منها التنصت على الهواتف، والانترنيت وقامت بخزنها وتحليها.
وبحسب وثائق سرية، تقوم الولايات المتحدة بمراقبة 500 مليون اتصال هاتفي في ألمانيا
شهرياً، كما أن مقر الاتحاد الأوربي في بروكسل تحت المراقبة، وكذلك مقر الأمم
المتحدة في نيويورك. وتقدمت
وزيرة العدل الألمانية بطلب إيضاحات من الجانب الأمريكي وقالت : " إذا كانت
المعلومات الصحافية صحيحة، فالأمر يذكر بعمليات بين أعداء إبان الحرب الباردة. انه
أمر يفوق الخيال أن يعتبر أصدقاؤنا الأميركيون، الأوروبيين بمثابة أعداء". وطالبت
جميع الكتل السياسية والاحزاب في ألمانيا المعرضة منها والموالية أن تتخذ الحكومة
الألمانية مواقف حازمة بهذا الصدد، وأن الديمقراطية الأمريكية فقت كل مصداقية
أخلاقية لها.
(الصورة : شعار وكالة
الاستخبارات الأمريكية
CIA )
وبنفس الاتجاه عبرت مصادر حكومية فرنسية رفيعة عن الفضيحة، وكذلك
مقر الاتحاد الأوربي في بروكسل، عن دراستهم لأبعاد المسألة وطالبوا بإيضاحات كافية.
ومن جانبه، سعى الرئيس الأمريكي أوباما، إلى تطين المستشارة الألمانية وسائر
الأوربيين، بإنه سيقدم ضمانات كافية وإيضاحات، وأن تعقد لقاءات على مستو عال حول
المسألة.
ودعت المستشارة (19 / تموز) ميركل الإدارة الأمريكية تقديم معلومات
عن برنامج " بريزم " (NSA-Programm
Prism
)
للتجسس،
كما دعت إلى وضع قواعد حماية صارمة للبيانات في أوروبا وفق المعايير الألمانية،
وأشارت إلى تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمراجعة الطلب الألماني بشأن الكشف
عن ملابسات وقائع التجسس على بيانات الاتصالات من قبل الاستخبارات الأمريكية،
وأن الجانب الأمريكي بحاجة إلى وقت للإجابة على تساؤلاتنا. وقالت
المستشارة: أن ألمانيا ليست من بلدان الرقابة، ألمانيا بلد الحرية. ويتعين
الالتزام بالقانون الألماني داخل الأراضي الألمانية، قانون الأقوى لا يسري عندنا
في ألمانيا أو أوروبا، بل قوة القانون. وهذا ما ننتظره من الجميع.
وفي غضون ذلك نفت جهات رسمية ألمانية (19 / تموز) عزم وكالة الأمن القومي الأمريكية
بناء مركز للمراقبة في مدينة فيسبادن (غرب ألمانيا)، وأن ما يشيد هناك هو عبارة عن
مبنى تابع للجيش الأمريكي ليس إلا.
(الصورة: موقع للجيش الأمريكي في فيسبادن / المانيا)
ومن جهة أخرى عبرت مصادر الجيش الأمريكي في ألمانيا، إن المنشأة الواقعة في مدينة
فيسبادن، ستقوم بتجميع المعلومات العسكرية لصالح القوات الأمريكية في أوروبا وتصل
تكاليفها إلى 124 مليون يورو. وإنه كان من المتوقع أن يتم الانتهاء من مركز
الاستخبارات الموحدة بحلول نهاية عام 2015 وذلك لإيواء عناصر لواء الاستخبارات
العسكرية رقم 66، الموجود حالياً في قاعدة أخرى في ألمانيا.
ولم يطل طلب لجوء سنودن كثيراً، إذ جاء الرفض الرسمي الألماني على طلب المواطن
الأمريكي إدوارد سنودن (Edward
Snowden)
المستشار لدى وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA)
لحق اللجوء السياسي في ألمانيا الاتحادية، بحسب بيانات وزارتا الخارجية والداخلية
الألماني (2 / تموز)
. وكان المبرر الرئيس لرفض الطلب، هو اشتراط أن يكون مقدمه داخل الأراضي الألمانية.
وكان سنودن قد تقدم بطلب اللجوء السياسي إلى كل من الدول: ألمانيا والنمسا وبوليفيا
والبرازيل والصين وكوبا وأسبانيا وفنلندا وفرنسا والهند وايرلندا وايطاليا
ونيكاراغوا والنرويج وهولندا وبولندا وروسيا وسويسرا وفنزويلا بالإضافة إلى
الإكوادور وأيسلنده.
وقد تناقلت وكالات الأنباء تصريحات القنصل الأمريكي العام في هونغكونغ قوله : إن
واشنطن ليست مدينة بالاعتذار لأي شخص على خلفية ادعاءات التجسس التي أطلقها إدوارد
سنودن. وإن العديد من ادعاءات سنودن أنها تخدم مصالح ذاتية ليكسب التعاطف لنفسه في
الأماكن التي كان يعمل بها.
4. سنودن يحصل على اللجوء في روسيا.
وأخيراً وبعد انتظار طويل، منحت الحكومة الروسية (1 / آب) مستشار الأمني الأمريكي
سودت حق اللجوء السياسي المؤقت مع إقامة على الأراضي الروسية لمدة عام واحد،
والأحاديث التي أدلى بها سودن ومنها أن الولايات المتحدة تمتلك برنامجاً
يدعى (XKeyscore)
يتيح لها مراقبة كل ما هو في الأنترنيت،
وجمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها، والتحرك لإحباط ما تراه الولايات المتحدة خطراً
على مساحة العالم . ولكن ومن البديهي القول، أن هذا الخبير لم يقل كل ما في جعبته،
ولديه الكثير من المعلومات التي دفع السلطات الامريكية لتفعل الكثير من أجل
استرداده، ومنها الوعد بعد تعذيبه أو إعدامه، ولكن السلطات الروسية بدورها ما كانت
لتمنح له اللجوء وتجازف بمواجهة غضب أمريك دون الحصول على مكتسبات لقاء ذلك.
5. ألمانيا تبدي عدم رضاها عن بيانات أمريكية.
وحول التطمينات والمعلومات التي وعد الرئيس أوباما تقديمها إلى الحكومة الألمانية،
عبر وزير الخارجية الألمانية فيستر فيله (1 / آب)عن عدم رضاه وبلاده عن تلك
التطمينات والمعلومات التي قدمتها حكومة الولايات المتحدة يعرب حول فضيحة التجسس
التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA)
على الأراضي الألمانية ومراقبة هواتف والانترنت ألمانية، وهذا الرد غير المقنع
سيفاقم من أزمة الحكومة مع المعارضة، ويزيد من حرجها. لذلك وصفها وزير الخارجية
بأنها غير مقنعة وغير مرضية، مشيراً إلى احتمال إلغاء اتفاقية بين البلدين بشأن
الرقابة على الاتصالات في ألمانيا الموقعة منذ 1968.