الإسلام السياسي هو الفائز من رابعة العدوية
عبد الباري عطوان
لا بد ان نعترف بكل وضوح ان الولايات المتحدة الامريكية نجحت وحلفاؤها العرب في اجهاض مسيرة الثورات العربية ، و اعادة الديكتاتوريات بصيغة جديدة الى سدة الحكم مجددا ، سواء كانت ديكتاتوريات عسكرية او مدنية طائفية الطابع ، لكنها ستكون و مصالحها ، الخاسر الاكبر في نهاية المطاف .
صحيح ان الجيوش العربية الرئيسية الثلاثة ( العراق ، مصر ، سورية ) قد تدمرت او انهكت ، و لكن هذا لا يعني ان اسرائيل حليفتها الكبرى في مأمن ، فالبديل عن الجيوش هو الفوضى المسلحة ، و هذه في حد ذاتها اكثر خطورة على المديين القريب والمتوسط .
الادارة الامريكية اوكلت لحلفائها في المنطقة مهمة قتل المسيرة الديمقراطية ، سواء من خلال ضخ المليارات من الدولارات ، او توظيف قدرات التضليل الاعلامي الهائلة ، و قد ادوا هذه المهمة على اكمل وجه طوال العامين الماضيين ، و لكن النتائج جاءت معاكسة تماما .
الهلع الامريكي الاوروبي الذي نراه في اوضح صوره يتجسد حاليا في حجيج المسؤولين الغربيين الى القاهرة لانقاذ الانقلاب العسكري المصري من المأزق الذي تورط فيه ، من حيث عدم القدرة على الحسم واعادة السيطرة على الاوضاع الامنية و السياسية هو المؤشر الابرز في هذا الخصوص .
فشل الانقلاب العسكري يعني تحول مصر الى دولة فاشلة في المنطقة ، و انهيار كل المخططات الامريكية الغربية في تحقيق الاستقرار و ما يتبعه من تدفق النفط رخيصا ، و تحقيق الامن للاسرائيليين ، و صعود موجات التشدد الاسلامي ، و هذه هي الخطوط الاكثر احمرارا بالنسبة الى الاستراتيجية الامريكية في المنطقة .
بعد عشر سنوات على عملية التفكيك التي خططت لها امريكا جيدا في المنطقة ، و بتوصية من حلفائها اليهود الاسرائيليين وغير الاسرائيليين ، و بدأت بالحرب على العراق و احتلاله ، و ها هو السحر ينقلب على الساحر ، فالعراق الذي خسرت فيه امريكا اكثر من الفي مليار دولار بات خارج سيطرتها و يقف في المعسكر الايراني المعادي لها ، و الحرب في سورية دخلت مرحلة الجمود و عدم الحسم و تبلور ثلاثة كيانات شبه مستقلة بدلا من الدولة المركزية القوية ، و مصر محور الارتكاز الرئيسي في هذا المثلث تنجرف نحو المجهول .
اغلاق الادارة الامريكية للعديد من سفاراتها في المنطقة العربية يوم الاحد تحسبا لهجمات قيل انها من تخطيط تنطيم " القاعدة " احد العناوين الرئيسية التي تؤشر لهوية المرحلة المقبلة ، وفشل ما يسمى بالحرب على الارهاب ، و بدء صعود الجيل الثاني من هذه المنظمة التي ترفع راية الاسلام الجهادي .
مصر هي " بيضة القبان " بالنسبة الى الاستراتيجية الامريكية في المنطقة ، و هذا ما يفسر حالة الارتباك الراهنة التي نراها في تضارب التصريحات و المواقف الامريكية ، و الهجمة الدبلوماسية المتمثلة في تغيير السفيرة الامريكية ( مدام اندرسون ) و استبدالها بالسفير روبرت فورد مفجر الحرب في سورية ، و ارسال وليم بارنز نائب وزير الخارجية للبحث عن مخارج و تسويات .
امريكا ضخت اكثر من اربعين مليار دولار منذ اتفاقات فك الارتباط في اواخر السبعينات و قبيل توقيع كامب ديفيد عام 1979، ذهب معظمها الى المؤسسة العسكرية بهدف تدجينها و اخراجها من الصراع مع اسرائيل ، هذه المليارات التي حققت اهدافها على مدى اربعين عاما مرشحة حاليا لاعطاء نتائج عكسية تماما ، اي فقدان السيطرة على مصر و انجرافها نحو الفوضى .
الخطأ الكارثي الذي ستندم عليه امريكا و اسرائيل في المنطقة العربية فيما هو قادم من ايام ، هو تشجيع الجيش المصري على الانقلاب و اطاحة حكم ديمقراطي و رئيس منتخب ، مع تسليمنا الكامل بالاخطاء القاتلة التي ارتكبها الرئيس مرسي و يضيق المجال لتعدادها ، فاستخدام الجيش للقوة لتفريق المعتصمين المسالمين في ميداني النهضة و رابعة العدوية ، سيشعل الحرب الاهلية ، و يدفع بالمتشددين الى العمل السري المسلح ، و عدم استخدام القوة يعني الفوضى و تفاقم حالة عدم الاستقرار ، وانهيار هيبة الدولة ( او ما تبقى منها ) و المؤسسة العسكرية ، وهي الهيبة التي ظلت مصانة على مدى قرون
دول خليجية اعتقدت مخطئة ان وأد الثورة المصرية ، و دعم الانقلاب سيشكل انتصارا لها ، و تحقيق اهدافها بعدم وصول عملية التغيير الديمقراطي الى داخل حدودها ، و لم تتصور مطلقا ان عملية الوأد هذه مستحيلة ، و ان البديل هو الفوضى .
جديد اعتصامات رابعة العدوية احياء الاسلام السياسي العربي ، في السعودية و بعض دول الخليج خاصة ، و ينعكس هذا بجلاء في وسائل الاتصال الاجتماعي بعد اغلاق القنوات الفضائية الاعلامية الرسمية و شبه الرسمية امام رموزه و دعاته ، فهؤلاء باتوا نجوم التويتر و الفيسبوك
قد تكون مليارات النفط ساهمت في تهدئة الغاضبين في الشارع الخليجي ، لكنها في الوقت نفسه ، وبعد ان ذهب مفعولها ، مثل مسكن الآلام ، بات الشارع يطالب بالمزيد منها .
هذا لا يعني ان اسرائيل حليفتها الكبرى في مأمن ، فالبديل عن الجيوش هو الفوضى المسلحة ، و هذه في حد ذاتها اكثر خطورة على المديين القريب والمتوسط .
الانعاكسات المباشرة لما يحدث في مصر على منطقة الخليج ستظهر في المستقبل القريب ، ايا كانت طرق التعاطي مع معتصمي رابعة العدوية و رئيسهم الشرعي المعتقل ، بالقوة او بالحلول السياسية فالاسلام السياسي هو الرابح في الحالين .