لا تسأل لم اعتكفوا
د. محمد خالد الفجر
تردّدت كثيرًا قبل كتابة هذه الأسطر مُقدِمًا حينًا ومُحجِمًا حينًا آخر لكن عندما طفَحَ سيلُ الدِّماء وجاوز المدى ورأيتُ سذاجةَ من أحبَّهُم كلُّ من نبض قلبُه بمحبةِ الإيمان والإسلام، رأيتُ ألّا بدّ من أنْ نتكلّمَ كلُّنا نحنُ الجمهورَ الذي رفعَهم نحن الذينَ جعلنا لأسمائهم مكانًا بين الكبار فجلسوا على كراسيِّ السياسيين محاورين بأسمائنا وغرَّهم حبُّنا فظنوا أنّهمُ امتلكوا فنونَ العلومِ والحياة كافةً، وعندما واجهوا أشرس فنون الحياة وأنتنَها وهو السياسة، ظهروا بمظهرِ الواعِظ الغبي عند شياطينَ من الإنس فاقُوا شياطينَ الجنِّ حيلةً ومكرًا... نعم أحببناهُم وظنَنَا الخيرَ فيهم، لكنْ لم نكنْ في يومٍ منَ الأيام مقرِّين لهم بأنّهم أُلُو بعدٍ سياسيٍّ أو أنَّ لهم الحقَّ أن يكونوا ممثِّلينَ لرأينا في الحكم وإدارة البلاد ولم نرفع لهم القبعة إقرارًا بمعرفتهم بشيطنة السياسة وحكم البلاد؛ لأنّ أروقة الحكم عندها مناعةٌ ضدَّ الواعظِ البليد، فهي لا تعرفُ إلا لغة القوة ولا تحترمُ إلا النَّديّة، أمَّا من يستجديها فهي تدوسُهُ بقدمِ المكرِ، وتقبلِّه بفم الأفعوان.
دلّنا على ذلك إعلامُهمُ البليد الذي أقرَّ لنا أنّهم لا يمتلكون القدرة على فهم مجتمعِهم قبلْ أن يمتلكوا القدرةَ على الوقوف في وجه السياسة الآفنة العفنة. درجوا -للأسف- في مدارج الشهرة الزائفة فصارَ لكلٍّ منهم قناتُه الخاصة، وقد راسلْتُ أحدهم مستفسرًا ومقترحًا فقلت في رسالتي: أليس الأجدى توحيدَ الجهودِ وإنشاءَ قناةٍ واحدةٍ تتكلَّمُ بلسانكم جميعا يُهيّأ لها كوادرُ قادرةٌ على التحدي قادرةٌ في أقل الأحول على مواجهة قناة الوليد بن طلال (الرسالة) التي استطاع الوليد من خلالِ شيوخٍ ضحك عليهم، وهم بدورهم ضحكوا علينا وظنونا أننا لم نفهم ضحكه عليهم بنكتةٍ اخترعوها لتبرر خضوعهم للوليد، وهذه النكتة مفادُها أنَّ الدّعوة تكونُ في كلِّ مكانٍ، وإذا فُتحَ بابٌ للدعوة، فلا بد أن نلجه فصاروا لسانًا للوليد وَسَطَ مملكته الإعلاميةِ الروتانية ومن عجبٍ أنَّ الرسالة حملتْ شعارًا مشابهًا لشعار الروتانا في اللون، ثمَّ يبدو أنّ أحد شياطين الوليد تنبَّه لذلك فغيَّر لون شعار الروتانات إلى الأزرق، وأبقى الأخضر للرسالة فقلت للشيخ في رسالتي فكل هذا ألا يوجِب عليكم إنشاء قناةٍ واحدة فيها كوادر مؤهلون من ناحية الحوار والعرض والغرافيك قادرة على المنافسة، بدلًا من هذه البساطة التي جعلتْ قنواتِكم كأنّها مكانٌ لعرضِ أغبى أغبياء الدعوة الإسلامية ممَّن كانوا يصيحون ويصرخون حتى شوّهتم صورة الدعوة ولوثتم نقاءها... كتبت له كيف تقبلون أن يكونَ شريطُ إعلاناتكم في أسفل الشاشة هو أكذب ما قيل في الإعلانات التجارية... لكن لقد أسمعت لوناديت .... وقلتُ لنفسي ربما هم يعلمون ما لا أعلمُه من طُرقِ نشر الدعوة وأنا جالس في بيتي أقترح وأتكلم وأسهل شيء الكلام، ثمّ مرّت الأيام ونجح المرسي وفتحتِ القنوات أبواقها معلنةً ضرورة إقامة شرع الله هازئةً من ضعف مرسي وعدم رفعه لسُوطِ السلطة بوجه العهر في شوارع مصر الحبيبة وصار كلُّ فَسلٍ يتكلم بأمور تحتاج إلى اجتماعِ أهل بدر... يتكلم ليس في مسجد أتباعه بلْ في قناةٍ يسمعُها العالم كلُّه القاصي والداني الصديق والعدو، وتفنّنت تلك القنواتُ في عرض منتجاتها من الدعاة الذين كان عندهم عنوان مهم وهو تصحيح العقيدةوالسير على السنة، والوقوف ضد الفساد؛ وإذ بأهم فسادٍ بدؤوا بمحاربته ضعف مرسي وجماعته وصاروا يشاركون في طعنِ هذا الرجل ليس بسبهم إياه، لكن بجهلهم في كيفية الوقوف معه وذلك لعدم معرفتهم أدوات ووسائل المعركة في تلك المرحلة، فكانوا يضرُّونه من حيث يظنون أنهم ينفعونه حتى صار يُنظر إلى كلِّ إسلامي على أنَّه تابعٌ لنجوم تلك القنوات، وعلى أنهم هم قدوته، فكُرِهَ كلُّ شيءٍ إسلامي؛ لأنَّ الذي كان يحب أن ينضم لقافلة الدعوة يتذكر صورة الأطفال أولئك فيأبى أن يحجزَ نفسه في دائرة تُزيل عقله وتفقده احترامه.
ثم أتتنا الأيام الحبالى بالجديد المتوقع وهو اعتقال مرسي والكفر بالشرعية؛ وإذ بشيوخ تصحيح العقيدة يرون من رفض الانقلاب وسخر جسده وروحه للدفاع عن صوته الذي أهدر صاروا يرونه داخلا في الفتنة وهو يرمي نفسه في التهلكة؛ ونسوا أنهم قبل هذا رفضوا الانقلاب على شرعية مبارك حذر الفتنة، فكيف سكتوا أمام انفلاب على رئيس ينتمي للعقيدة التي أرادوا الذود عنها.
فهل حالت أموال الخليج دون الصدح بقولة الحق ونصرة أهله وما الفرق بين اعتكاف الأزعر شيخ الأزهر واعتكافهم في بيوتهم فأثاروا حولهم نقطةً سوداءَ كبيرةً مفادُها هل إذا أردنا أن نعرف سبب اعتكافكم علينا أولا أن نسأل عن الريال السعودي وأثره.. وكان الجواب ببيان أحدهم ممن وضع في محلٍّ ليس أهلا له فكان أبسط جواب عن هذا البيان ليتك سَكَتَ وبقيت مريحَنا في اعتكافك. ظهر الداعية بمظهر المستجدي الذي يخاطب خُشُبًا مسندة ظانًا فيها الحياة والروح والإيمان لقد استجدى من كرهته الرمال في الصحراء، والنجوم في السماء، خاطبه وكأنّه يخاطب أحد خلفاء المسلمين الذين كان الواحد منهم تبتلُّ لحيته إذا سمع موعظةً... خاطبه وأبدى لنا أنه بسيطٌ أكثر من البساطة بل وللأسف جعل أولئك الشهداء ضحيةَ فتنة لا رجالًا قاموا لنصرة الحق... علينا الآن أيها السادة أن نعلنها غير آبهين وغير ناظرين لما زرع في عقولنا من أنَّ كلَّ ذي لحية وكل متكلم علينا ألا نهزّئه إذا أخطأ؛ لأنَّ لحمه مسموم علينا أن نقول له: تأدّب وتذكّر رحم الله امرأً عرف قدر نفسه فلزمه... علينا أن نعلنها للعالم أن الله اختار لنا دينًا يحترم العقل ولا يسمح لأحد أن يزيله مهما طالتْ لحيته ومهما ذاعتْ شهرته حان الوقت لأن نقولها أنتم لا تمثلوننا ولا تمثلون فكرَنا الذي عرفناه في كتب العلماء لا في تكايا الوعّاظ الذين عزلوا عقولَنا. انتهى دورُ السَّذاجةِ وحان وقت انفجار المعرفة في زمنٍ هذا وسمُهُ وهذه صفته عصر انفجار المعرفة فيا أيها الداعية حبّذا لو تقول: أنا واعظٌ لا علاقة لي ولا مؤهِّل يؤهلني للخوض فيما لا أفقه عندها سنحترمك، أمَّا أن تستجدي من طلب علنًا قتل أهل رابعة، فهذا يجعلك حاطبَ ليلٍ في رابعة النهار.