هل "تمسك الإخوان" بالسلطة هو السبب؟!
هل "تمسك الإخوان" بالسلطة هو السبب؟!
محمد جلال القصاص
يتردد أن تمسك الإخوان بالسلطة هو السبب، وأن الرئيس مرسي لو استجاب للاستفتاء لقطع الطريق عليهم.!!
هذا منطقُ مَن يرصد المشهد الأخير في الحدث على عجالة.
ودعني أبدأ من حيث يرصد المتحدثون:
لم يكن هناك أي داع للانتخابات الرئاسية، ذلك أن حزب الأغلبية في البرلمان كان له الحق في تشكيل الحكومة، وترأسها، بصلاحيات أعلى من رئيس الجمهورية؛ وكذا من حق الأغلبية في البرلمان ـ أيضًاـ أن تعدل في الدستور كما يشاء بدون قيود؛ وكانت الانتخابات البرلمانية على الأبواب. فلو أن هؤلاء صادقون .. لو أنهم أولي قوة في الشارع وواثقون من أنفسهم لانتظروا للانتخابات البرلمانية ومن خلال البرلمان فعلوا ما يريدون.
ومرسي لم يمانع الاستفتاء على شخصه هو، ولكنه اشترط ذلك بعد البرلمان، حتى لا تنهار مؤسسات الدولة كلها.
لذا نُظر لهذه الدعوة على أنها تحرش سياسي، ومطلب غير عاقل، ولا عادل.
والنظرة الأعمق تبين أن هناك سياق ممتد على ظهر الأيام بدأ فور وصول الإخوان للسلطة ملخصة: إفشال حكومة الإخوان، واتخذ ذلك ثلاثة طرق:
الأول: محاولة تثوير الشارع، بآلة الإعلام، والنخبة "الثورية" الشبابية المدربة؛ وقد حاولوا مرات كثيرة، وحددوا مواعيد كثيرة في كل مرة يقولون: ثورة ويقسمون على أنها نهاية حكم الإخوان، ولا ينزل معهم أحد للشارع، -ولم ينزل معهم عشرات الألوف في 30/6، ولكن الجيش هو الذي انقلب -، فلم يكن هناك داعٍ للاستجابة لهم والرحيل بناءً على طلبهم، وهم قلة.. وهم قد حاولوا عدة مرات وفشلوا.
الثاني: عصيان الدولة نفسها. فقد تسلم الإخوان السلطة بدون أدوات. الشرطة كانت عاصية، والقضاء، ولا يوجد مجلس تشريعي، والجيش مستقل وانضم للمخالفين وشجعهم في الباطن ثم غدر. والمحليات (البلديات) كانت بأيديهم. ولذا حين قيل لطنطاوي (وزير الدفاع السابق) سلمتم الدولة للإخوان؟!، فقال: سلمنا الإخوان للدولة.
مؤسسات الدولة نفسها (الغائب منها كمجلس الشعب، والحاضر كالقضاء والجيش، والشرطة ويدخل فيها جهاز أمن الدولة والمخابرات والمباحث العامة، والبلديات) عملت في اتجاه مضاد للحكم.. بل كانت المؤسسات أحد المصارعين في الساحة، وهي ملاحظة جوهرية يتحدث عنها علماء السياسة حال حديثهم عن دور المؤسسات، وما أريده هنا يمكن تلخيصة في جملة: أن المؤسسات الناجحة يكون ولاء الفرد فيها للمؤسسة أعلى من ولائه لغيرها، ولذا يحافظ عليها ويسعى لبقائها. وهذا يتحقق حين تعطي المؤسسة للفرد بعدًا ماديًا ومعنويًا(درجات ماسلو كاملة)، وهو متوفر في الشرطة والقضاء والجيش، والمحليات.. ، ولذا لم يتغير ولاء هؤلاء مع رفع رواتبهم بعد الثورة، ولذا قاتل هؤلاء لتبقى مؤسساتهم بوضعها القديم ولا تتغير. ولم نفطن لهذا الأمر. فبقيت المؤسسات تقاتل كي تبقى.
الثالث: تكوين عنف غير رسمي. وذلك بتجنيد "البلطجية" والمتواطئين من أتباع الحزب الوطني لممارسة عنف غير رسمي، تمثل في أعمال مستفزة للناس، كقطع الكهرباء، وإحداث اضطرابات مرورية في الشارع وخاصة عند محطات الوقود، وافتعال أزمات الوقود، ونشر الشائعات المخيفة للناس، وممارسة العنف اليدوي أحيانًا.
أضف إلى ذلك البعد الإقليمي والبعد الدولي.
ويتضح مما سبق أن الإخوان لم يستأثروا بالحكم، فقد كان كل هذا ادعاء، فلم يكن ربع الحكومة من الإخوان، ولم يكن ربع المحافظين من الإخوان (حتى قبل الأحداث بعشرة أيام).
والمقصود: أن المشكلة لم تكن لحظية تتعلق بشخص الرئيس مرسي، ولكننا كنا أمام سياق من العدواة – داخلي وخارجي- متعدد الأغراض، يبحث عن أغراضه في إفشال التجربة الإسلامي.
كيف لم نتغلب على هذا الأمر؟
السبب الرئيس أننا لم نفطن إليه، لم نمتلك رؤية واضحة للمشهد، فلم يك بين الإسلامين مختصيين سياسيين يعرفون الدولة وكيف تدار، ولا المؤسسات وتركيبها، ولا علماء اجتماع دارسون للمجتمع، فقط وعاظ، ودعاة اقتطعوا مشهدًا من التاريخ وحاولوا استنساخه كما قد كان، وأنا أتحدث الآن بعد الدراسة المتخصصة لمدة عامين كاملين، وبعد التجربة.وليس لنا أو لمن يريد أن يسوس الناس أن ينصرف عن علم الاجتماع (والسياسة من الاجتماع).
والحل:
في ثورة شعبية حقيقية، يقتلع كل هؤلاء، ويفرض رؤية جديدة يصيغ قانونًا ينظمها، ومؤسسات تنفذها. هذا ما يجب علينا أن نتحرك له الآن، وهو ما ندفع إليه.