الفروق الجلية بين الثورات والانقلابات العسكرية
الفروق الجلية بين الثورات والانقلابات العسكرية
تعريفها وأنواعها وموقع (السيسي) منها
طريف يوسف آغا
كثر اللغط مؤخراً حول ماهية (الانقلاب العسكري) والفرق بينه وبين الثورة الشعبية، ولذلك رأيت أن أضع تعريفاً عاماً لها وأذكر أنواعها وآتي بأمثلة عليها.
يمكن القول أن (الثورة) هي ببساطة:
(كل محاولة لتغيير نظام الحكم تأتي من الطبقات المسحوقة من الشعب ودون مساعدة الجيش)
ومن أشهر الأمثلة عليها الثورة الفرنسية (1789-1799) والتي قضت على نظام الحكم الملكي وأسست لكافة الأنظمة الديمقراطية في أوربا والعالم الغربي. وأيضاً الثورة الروسية (1917) التي قضت على نظام حكم القياصرة. ولدينا مؤخراً ثورات الربيع العربي التونسية والمصرية والليبية واليمنية والسورية. وعادة ماتقوم الثورات ضد أنظمة حكم مستبدة وفاسدة وغير منتخبة لاتؤمن بصناديق الاقتراع بل بالقبضة الأمنية والحديد والنار. ولهذا نرى تلك الأنظمة تستعمل الجيش لقمع الثورات الشعبية كما هي في الحالة السورية الآن وكما كانت في الحالة الليبية. ولكن نرى الجيش أحياناً يقف على الحياد (لحد ما) كما حصل في الحالة التونسية واليمنية وأيضاً المصرية حين تمت الاطاحة بمبارك.
أما (الانقلاب العسكري) فهو ببساطة:
(كل محاولة لتغيير نظام الحكم تتم بواسطة الجيش)
أنواعه
النوع الأول: أن يتم على نظام ملكي أو عسكري أتى إلى الحكم بانقلاب سابق
هذا النوع هو الأكثر شيوعاً للانقلابات العسكرية حيث ينصب منفذ الانقلاب نفسه حاكماً للبلاد في حين يتم قتل أو سجن أو هروب الحاكم السابق. ومن الأمثلة عليه إنقلاب (الأسد الأب) وعصابته عام 1970 على نظام (صلاح جديد) وعصابته، الذي انقلب بدوره على (أمين الحافظ) وعصابته عام 1966، الذي انقلب بدوره على عصابة انقلاب (8 آذار) عام 1963 التي استولت على الحكم في نفس العام قبل ذلك. وقد رأينا كيف أن كل انقلاب كان يدعي أنه أتى لتصحيح مسار الثورة فسمى (الأسد الأب) انقلابه بالحركة التصحيحية. ومن الأمثلة أيضاً هناك انقلاب (صدام حسين) على (أحمد حسن البكر) عام 1979 الذي كان بدوره قد نفذ انقلاباً عسكرياً على (عبد الرحمن عارف) عام 1968. وهناك أيضاً انقلاب (معمر القذافي) على ملك ليبيا عام 1969 وانقلاب (زين العابدين بن علي) على (الحبيب بورقيبة) في تونس عام 1987 وانقلاب (عمر البشير) على (الصادق المهدي) في السودان عام 1989. الانقلاب العسكري الوحيد الذي يدخل تحت هذا التصنيف ولكن كان له مايبرره هو ذلك الذي قام به (تنظيم الضباط الأحرار) في مصر عام 1952 وأطاح بحكم (الملك فاروق)، ومبرره كان وجود بقايا للاحتلال البريطاني في البلاد على شكل قواعد. قام (عبد الناصر) بعد ذلك بانقلاب عسكري على (محمد نجيب) عام 1954. وبالرغم من أن الرجل قدم لمصر العديد من الانجازات الوطنية التي تحسب له (كترحيل آخر جندي بريطاني وتأميم قناة السويس والوحدة مع سورية وعدم إثرائه من منصبه وغير ذلك)، إلا أن تفرده بالحكم كديكتاتور أوقعه في إخفاقات قاتلة نتج عنها تسلط الأجهزة الأمنية على الشعب وكف الحريات وظهور مراكز القوى، وتوجت إخفاقاته بهزيمة 1967 واحتلال إسرائيل لصحراء سيناء وقطاع غزة.
النوع الثاني: أن يتم على نظام مدني دستوري منتخب
وهذا النوع نادر في بلادنا العربية لعدم توفر الحكم الدستوري الفعلي أصلاً، وهو أيضاً نادر في المجمل لأن الجيش في البلدان التي يحكمها الدستور لاتتدخل في السياسة. ويقسم هذا النوع بدوره إلى نوعين:
الأول: أن يستلم منفذ الانقلاب الحكم بنفسه دون واجهة
ومن الأمثلة العربية النادرة عليه انقلاب (حسني الزعيم) على حكم (شكري القوتلي) في سورية عام 1949.
الثاني: أن يضع منفذ الانقلاب واجهة سياسية مدنية في الحكم وهو يعمل من خلفها
ومن الأمثلة عليه انقلاب (السيسي) على حكم (محمد مرسي) مؤخراً في مصر، أما في دول الجوار فهناك مثال دفع الجيش التركي لرئيس الوزراء (نجم الدين أربكان) للاستقالة عام 1997 ثم تلفيق التهم له ورميه في السجن.
عادة مايسمي منفذو الانقلابات العسكرية انقلابهم بالثورة أو بتصحيح مسار الثورة أو بشرعية الشارع أو بالاصغاء لرغبة الشعب أو بمنع الفتنة أو غير ذلك من التسميات الرنانة، ولكن لاتوجد أية تسمية تغير من حقيقة أنه انقلاب بواسطة الجيش الذي يفترض أن يكون لحماية الحدود وأن يبقى بعيداً عن الساحة السياسية وعن الانحياز لفريق على حساب آخر.
انقلاب (السيسي) الأخير في مصر قد ينتقل قريباً إلى النوع الآخر فيما إذا تلقى الأوامر من حلفائه بخلع البذلة العسكرية والترشح للرئاسة، وهذا ماأشار الناطق باسمه منذ أيام إلى امكانية حدوثه. ودعونا نذكر هنا أن في هذا إعادة للسيناريو الذي اتبعه (الأسد الأب) بعد انقلابه المسمى زوراً (الحركة التصحيحية) حيث تم أولاً تكليف رئيس مايسمى بمجلس الشعب حينها (أحمد الخطيب) بمهام رئاسة الجمهورية لحين اجراء (انتخابات دستورية نزيهة). ثم رأينا كيف تنازل وتواضع (الأسد الأب) ورضي بترشيح نفسه نزولاً عند رغبة الجماهير ليفوز بنسبة %99 وليستمر بالحكم ثلاثين عاماً من المجازر بحق الشعب إلى أن رحل عام 2000. ماجرى قبل أيام في مصر ومايجري الآن في سورية يؤكد على حقيقة أن هناك نظامين ممنوعين من القيام أو من النجاح في الوطن العربي عموماً وبالقرب من دولة إسرائيل خصوصاً: (النظام الديمقراطي) وأيضاً (النظام الاسلامي السني) الغير تابع لأي من الدول العظمى، وعادة مايكون الجيش، كونه من يملك القوة، هو الأداة المكلفة خارجياً بمنع أي من هذين النظامين من القيام أو النجاح في المنطقة.
أومن الواضح أن المشروع الذي يتم طبخه هناك الآن هو إعادة تجميل نظام (مبارك) وانتاجه بوجوه جديدة وخطاب جديد أكثر عصرية وقبولاً وربما أقل فساداً، في المرحلة القصيرة القادمة على الأقل. والدليل على ذلك مسارعة (أحمد شفيق)، رئيس وزراء نظام الفلول ومرشح الرئاسة السابق، إلى تأييد انقلاب (السيسي) إلى جانب (عمرو موسى) و(محمد البرادعي)، وهم بالطبع في غنى عن التعريف، هذا بالاضافة لتهليل واحتفال الاعلام الاسرائيلي بالانقلاب واكتفاء المعسكرين الشرقي والغربي بالقلق والتريث. ومن جهتي لاأستبعد أن يصدر قريباً قرار سياسي وسريع بالافراج على (مبارك) بحجة مرضه وسنه وأن يتم تسفيره خارج البلاد (بحجة المعالجة). ومن ثم يتم تبرئة ولديه ورموز نظامه المسجونين معه بحجة عدم كفاية الأدلة القانونية، باعتبار أن الانقلابيين سيكونون من أهل القانون والعدل، وبهذا يؤكد الغرب أنه لايتخلى عن عملائه وأنه لايريد لنا أي بديل عن حكم الجزمة العسكرية.
كما ذكرت في مقال سابق، فان (مرسي) وحزبه ارتكبا أخطاء سياسية قاتلة خلال السنة الماضية أدت إلى الاطاحة بهما بهذه الطريقة وبهذه السرعة، ولكن الخطأ الأكبر لهما كان عدم تقديرهما لقوة خصومهم وكذلك لقوة الحلفاء الاقليميين والدوليين الذين يدعمونهم والذين ليس لهم مصلحة في نظام حر ومستقل في المنطقة.