كلمة في ديوان (لبيك أيها الأقصى)

أحمد معاذ الخطيب الحسني

كلمة في ديوان

(لبيك أيها الأقصى)

أحمد معاذ الخطيب الحسني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ناصرِ عباده بالجهاد، والصلاةُ والسلامُ على الهادي محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه... أهلَ الصدق والإيمانِ والاستشهاد.

أمّا بعد فقد طلبَ مني أخي الكبير الشاعر الموهوب الأستاذ مصطفى عكرمة كتابة كلماتٍ لمقدمةِ ديوانه (لبيك أيها الأقصى).

والحق أن أمثالَهُ لا يحتاجون إلى مقدمة أمثالي، فإنَّ في كلماته من الصدقِ والعاطفة ما يغنيها عن كلِّ تقديم، وإنَّما هو حقُّ الأخوَّةِ، وواجب الإيمانِ، ولازمةُ الوفاءِ لرجلٍ بقيَ أكثرَ من أربعينَ عاماً يجاهدُ بالكلمةِ الحرّة، والشعرِ الملتزم في سبيلِ قضية المسلمينَ المركزية: قضية فلسطين.

وقصة تلك الأنفاس المباركة التي يحملها (أبو رفاعة) قصَّةٌ عجيبة، من فصولها أنَّ الإمـام المجاهد عز الدين القسَّام زرع يوماً نبتةً للجهاد اشتراها عندما باع بيته ليغذي حركة الجهاد المسلح في وجه المحتل الفرنسي البغيض، وزرع القسام نبتته في أحضانِ الجبالِ الشامخة في منطقة الحفة (شمال شرق اللاذقية)، وهناك عندَ أبراج القلعة وجدرانها الحجرية الشاهقة، ومن أريجِ الأحراج الخضراء المعانقة لقلعة صلاح الدين، هناك حامت روحٌ، وفاح عطرٌ أريجه من أطيابِ حطين.

كانت تلك هي أنفاسُ صلاح الدين، تبحثُ عن قائدٍ يحمل الراية، فوجدته في القسام، وإخوانه.

وحمل القسام اللواء، ثم نشره فامتدَّ مثلَ شعاعِ الشمس، وعلى الأرضِ الطهورِ في فلسطين سكب القسام دمه فتفتَّحتْ ألفُ ألفِ وردةٍ حمراء.

منها ضميمةُ فرسانٍ من قرى (الحفَّة)، عشَّاقِ شهادة يطلبونَ الموتَ كي يَكتبَ للأمةِ الحياة، تركوا كلَّ شيء والتحقوا بقوافلِ الشهداء.

وامتدَّ شذا أولئكَ الشهداء ففاح، وكان للشهادةِ نورٌ غسلَ كلَّ القلوب، وروَّى بضيائه بعض ظمأ أمَّة لغيرِ الله لا تنحني.

من قالَ أنَّ الشذا يضيع، وأن فرع النسبِ الزكي عن أصلهِ قد تاه!

لقد عمت روح الاستشهاد كلَّ أرضٍ، وسكنت كل قلب، فرُفعت للشهادةِ والجهاد راية، وعَلَت لأهل الحقِّ كلمة... وولد شاعر... ذلكم هو شاعر الإسلام، ربيبُ عشَّاقِ الشهادة، وابنُ أرضِ المكرمات، الأستاذ المبدع مصطفى عكرمة:

قالوا بأنِّي شاعرُ الشهداءِ    وأودُّ لو أنِّي من الشهداءِ

ولقد كانَ شعرُ الأستاذ (كتيبةً وحدَه) يصولُ بها ويجولُ ثم يزرعُ في الأعماق إيماناً راسخاً، وحبّاً دافقاً للجهادِ والاستشهاد.

تقرأ شعرهُ فتجدُ فيه الحسَّ المرهف، واللوعة الصادقة، والقدرة على تجديد المعاني ثم إعادة توليدها، ومن كلِّ زاوية من مشاعرنا يقتحمُ ويسرقُ القلوب ثم يعيدها وقد أفاض عليها من حيِّ وجدانهِ وصدقِ عاطفتهِ.

من وحي ذلك كتب الأستاذ وفي كلِّ بيتٍ له منارة للحقِّ، أو قبرٌ للباطل، أو قذيفةٌ للمعركة، ثم عمت الأمة موجة من اليأس زرعها من جُبلوا على جبنٍ أو هلعٍ أو خَرسٍ، فإذا بشاعرنا يتَّقد أملاً ثمَّ يملأُ قلوبنا به، فإذا الباطلُ مصرعه وشيك وإذا بدروسِ التاريخِ تبدو معالمها ويصبح تتويج التفوق التوراتي أكذوبة تُروَّج فيصدقها الكثيرون كباراً وصغاراً... ثم يأتيك حماةُ الأقصى... جنود الإسلام، بأجسادهم النحيلة وعيونهم الغائرة وأصابعهم المطبقة على الأحجارِ يزلزلون الأرض بعملٍ وإيمانٍ وتضحيةٍ لا تعرفُ النفاذ فترتجف الأرض وتدوي: خيبر خيبر يا يهود: جيشُ محمَّد سوف يعود...

فيا من تقرأون دواوين شعراء الإسلام؛ شعراء الشهادة.. اعلموا أنَّ نشيد النَّصرِ قد صيغَ في قوافيهم، وحبَّ الموتِ في سبيلِ ا للهِ قد انبعثَ من أبياتهم...

ويا أيها الحبيبُ (مصطفى) قد كان لك في ذلك قِدحٌ معلَّى نرجو اللهَ أن يرفع به درجتك عندَهُ..

ولتنافح عن الحقِّ أبداً.

ويا ربِّ هاكَ قلوباً وأبداناً وأرواحاً فاجعلها في أحبِّ المواضع إليك.

وآخرُ دعوانا أن الحمد للهِ ربِّ العالمين.