وقاحة السفهاء
شريف قاسم
أعداء العقيدة الربانية الإسلامية هم الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ، لانحيازهم إلى دعوة إبليس ، وقيامهم بخداع الناس منذ القديم ، ولقد فضحهم الله عزَّ وجلَّ ، وحذَّر الأمة من ضلالهم وفسادهم وخيانتهم للميثاق الإلهي ، وهؤلاء السفهاء هم أصحاب الحرب المعلنة على دين الله تبارك وتعالى بكل أشكالها وتنوع أساليبها ، وهم أرباب الكيد على كل مايؤكد للأمة أسباب أصالتها وقوتها ، مثل مكارم الأخلاق ، والحفاظ على اللغة العربية ، وعلى روح الفطرة الصافية التي تجمع مشاعر الأمة عند الأزمات وحين الشدائد . وهؤلاء السفهاء هم تجار الضلالة التي سيكتوون بنارها في الدنيا والآخرة ، يقول الله عزَّ وجلَّ : (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ( 16/ البقرة
، فالضلالة التي يغلِّفها الجهل بحقائق خلق الإنسان على هذه الأرض ، والطغيان في السفه والوقاحة والتطاول على المقدسات ، والهزء من القيم الرشيدة المقدسة التي أمر بها الإسلام ، والعمى الذي يحجب عيون هؤلاء الحمقى عن رؤية آيات الله في هذا الكون الفسيح ، والعناد الممقوت رغم سجود العلم الحديث في محاريب قدرة الله ، وهل العلم إلا من نتاج العقل ، وهؤلاء هم الذين حجبوا نور الهداية عن قلوبهم ، فهم كما وصفهم البارئ سبحانه : ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لايَرجِعُوْن )18/ البقرة ، فجنود إبليس الذين يؤمنون بمرجعية العقل كاذبون مستكبرون ، لأن نتاج العقل السليم لاينافي الفطرة السليمة ، ولا ينأى عن الحقائق الدالة على وجود الله تبارك وتعالى ، فأين عقول أهل الضلالة والحداثة والتغريب والسفور والفجور ؟ ... إنها دلائل على أنهم هم الذين اختارهم الشيطان يوم لم يسجد ــ إذ أمره الله ــ لآدم عليه السلام ، يقول الله تعالى : ( وإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) 34/ البقرة . واستكبار هؤلاء السفهاء لايختلف عن استكبار سيدهم إبليس ، وما أنتجته نفوسهم الفاجرة ماهي إلا وسوسته وإيحاؤُه ، فالإلحاد بمعانيه ومشتقاته واللاربوبية واللادينية وغيرها من مصطلحات شيطانية تتضافر في منطلقاتها وأهدافها لتنفي وجود الله جلَّ وعلا ، وبالتالي تأتي القطيعة مع كل ماجاء به الوحي من قيم إيمانية ... كالإيمان باليوم الآخر ــ على سبيل المثال ــ وما يترتب عليه في حياة الإنسان وسلوكه من استقامة على أمر الله ، ومن ترفُّعٍ عن الدنايا ، ومن سمو بالنفس وتأهيلها لرضوان الله ، ولكن هؤلاء السفهاء أنكروا جميع الأدلة العلمية والعقلية ، وعميت بصائرهم عن رؤية آيات الله في الإنسان والكون وهي تنطق بوجود الله وبقدرته وبأنه وحده الذي يُعبد ولا يُعبد مخلوقٌ سِواه . وكيف لمخلوق سِواه أن يكون مرجعية للحياة ، وسيدا على هذا الوجود الذي لايحيط بما فيه إلا الله العلي العظيم ، إنَّ الأمر في النهاية لايتعدَّى عند هؤلاء السفهاء غير إشباع شهواتهم الحيوانية ونزواتهم الإبليسية ، حيث غلَّفوها بفلسفة واهية عقيمة ، وتلاعبوا بمسمياتها للدخول في محيط الإباحية الشاملة . وما أجمل كلام الفيلسوف والطبيب مصطفى محمود ــ رحمه الله ــ لصديقه الملحد المعتز بشهادته العالية ، وبتعرفه على مجموعة من الإباحيين الضَّالين السفهاء :
( صديقى رجل يحب الجدل ويهوى الكلام وهو يعتقد أننا نحن المؤمنون السذج نقتات بالاوهام ونضحك على أنفسنا بالجنة والحور العين وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها.. وصديقى بهذه المناسبة تخرج من فرنسا وحصل على دكتوراه وعاش مع الهيبيز وأصبح ينكر كل شيء ، .
قال لي ساخرا: أنتم تقولون: إن الله موجود، وعمدة براهينكم هو قانون "السببية" الذى ينص على أن لكل صنعة صانعا ولكل خلق خالقاً ولكل وجود موجدا، النسيج يدل على النساج والرسم على الرسام والنقش على النقاش والكون بهذا المنطق أبلغ دليل على الإله القدير الذى خلقه. صدقنا وآمنا بهذا الخالق، ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسأل : ومن خلق الخالق، من خلق الله الذى تحدثوننا عنه، ألا تقودنا نفس استدلالاتكم إلى هذا، وتبعا لنفس قانون السببية، ما رأيكم في هذا المطب دام فضلكم؟. ونحن نقول له: سؤالك فاسد.. ولا مطب ولا حاجة فأنت تسلِّم بأن الله خالق ثم تقول من خلقه؟! فتجعل منه خالقا ومخلوقا في نفس الجملة وهذا تناقض، والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تتصور خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته، فالسببية قانوننا نحن أبناء الزمان والمكان ، والله الذى خلق الزمان والمكان هو بالضرورة فوق الزمان والمكان ولا يصح لنا أن نتصوره مقيدا بالزمان والمكان ، ولا بقوانين الزمان والمكان. والله هو الذي خلق قانون السببية فلا يجوز أن نتصوره خاضعا لقانون السببية الذى خلقه، وأنت بهذه السفسطة أشبه بالعرائس التى تتحرك بزمبلك وتتصور أن الإنسان الذى صنعها لابد هو الآخر يتحرك بزمبلك.. فاذا قلنا لها بل هو يتحرك من تلقاء نفسه‘ قالت: مستحيل أن يتحرك شيء من تلقاء نفسه، إنى أرى في عالمي كل يء يتحرك بزمبلك، وأنت بالمثل لا تتصور أن الله موجود بذاته بدون موجد.. لمجرد أنك ترى كل شيء حولك في حاجة إلى موجد )
هكذا يتناول السفهاء من الناس هذه القضية ، وهكذا يحكمون على أنفسهم بأنهم كفرة لايؤمنون بالله ، بكامل إرادتهم وبمطلق حريتهم ، وهم في غفلة شنيعة عن مصير قادم محتوم لاريب فيه ، ألا وهو رجعتهم إلى الله ، إلى الحشر والحساب ، ثم إلى جهنم وبئس المصير حيث الخلود فيها ، وحيث اعترافهم حينئذ بأنهم كانوا على ضلال وعاشوا بخديعة الشيطان ، وأنهم عاشوا مستكبرين ، يقول الله تعالى : ( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ( 71/الزمر .
· فمصيرهم المحتوم جهنم : (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ) ...
· توبيخهم على مافرَّطوا بدنياهم في حق أنفسهم : (وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا ؟ ) ...
· اعترافهم بهذا التفريط والتقصير وبأنهم كافرون : (قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) ...
· كبرياؤُهم جنت عليهم كما جنى استكبار إبليس في عدم طاعته لله ، وهذا جزاء المستكبرين ومصيرهم : (قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ( ...
· استحقاقهم للصفعة الجهنمية أول دخولهم أبواب جهنم : (حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها ) ... ولك أن تتصور أن نارا حامية داخل غرفة مغلقة وقد فُتِحَ بابُها فجأة وأنت ــ لاقدَّر الله ــ واقف أمام الباب مباشرة ؟!
ويل لهؤلاء السفهاء المغفلين ، إن افتراضاتهم الفلسفية العرجاء لن تصل أبدا إلا إلى الاستنتاجات الخاطئة ، ولن تمنح لأصحابها إلا الضياع الذي يأتي بالضلال والفساد والإباحية ، وحسبهم أنهم لم يروا عقولهم التي دلَّتهم على هذا التبار ، لقد غاب عنهم نور الوحي ، وخلت حياتهم من القيم الرفيعة التي نادى إليها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وكما هو معلوم فإن الظلام يحل إذا غاب النور ، وإن الفجور ينتشر إذا غابت مكارم الآداب ، وهؤلاء السفهاء أوسعوا لكل ماهو مشين فخلت حياتهم من المعاني التي تملؤُها قدسية الطهارة في النفس الإنسانية ، وإذا غاب الخير الرباني بأركانه وسمو مآتيه ، فقد حلَّ الشرُّ الشيطاني بكل بشراسته وبشاعته وإجرامه وكبريائه كما نراه اليوم في القرن الحادي والعشرين .