نساء يقمن صرح الأوطان
نساء يقمن صرح الأوطان
عزة مختار
لم يكن يوما عاديا منذ بدايته ، خرجنا في الموعد الذي اتفقنا عليه وفي المكان المحدد ، لنجد مفاجأة في انتظارنا , أن السيارات التي من المفترض أن تقلنا إلي رابعة العدوية بالقاهرة لم يحضر منها إلا عدد أقل من الربع ، وجرت محاولات عدة إلا أنه لم يتم حل المشكلة ،وبالطبع استأثر الرجال بالسفر من دون النساء ، وأشاروا عليهن بالرجوع إلي البيوت نظرا لعدم وجود وسائل نقل كافية ، وكان هذا هو المنطق بالطبع ، أن يتخير الشباب من دون الرجال ، والذكور من دون النساء ، ما طمأنني علي مستقبل بلادي هو موقف النساء من الأمر ، إذ حزمت كل أخت أمرها وقررت ألا تعود حتى لو اضطر الأمر للسفر علي الأقدام في هذا الحر الشديد وتلك المسافات البعيدة ، لندعو الله في كل خطوة بحق المشقة أن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء ، اطمئن قلبي علي بلادي لوجود تلك الوجوه النيرة ، والأيادي المتوضئة ، والنوايا الخالصة الأكيدة في المضي في طريق التغيير قدما مهما كلف الأمر ، أصررنا أن نبقي ونتصرف وحدنا كنساء آمنا بقضية التغيير مثل إخواننا الرجال ، وآمنا أن دور المرأة في تكثير سواد المسلمين والذود عن قضايا أمتها لا يقل بل ربما يزيد عن دور أخيها الرجل ، صمدنا علي الطريق العام بعض الوقت ، وتفاوضنا مع كثير من السائقين ، حتى رضي أحدهم أن يقلنا أخيرا بمبلغ مضاعف عن المعهود ، فقبلنا واحتسبنا ذلك في سبيل الله ، سبع ساعات متواصلة منذ خروجنا من البيت وحتى وصولنا لمكان التجمع ، في الطريق اتصلت بين صديقة تحذرني من الذهاب ، ففي الأمر خطورة واحتمال كبير أن يكون هناك تدخل وهجوم من البلطجة المشهود لهم بالخيانة ، طلبت مني أن أعود بابنتي إذ كيف أعرضها لتلك الأخطار ، فردت أخت بجواري كانت تستمع للحوار عبر مكبر الصوت بالهاتف ، لقد خرجنا وكتبنا وصيتنا ، فإن عدنا فهو فضل من الله ، وإن تخيرنا شهداء فهو ما طالما أعلنا للعالم أنه أسمي أمانينا ، يالها من أمة
تستعصي علي الموت ، يا لها من أمة رائعة في صحوتها ونهضتها وعودتها لهويتها ، يا لها من أمة لن يقدر عليها تجمع كل خنازير الأرض وذئاب الأرض وخفافيش الأرض ، وإذا كانت تلك نساؤها ، فما بالكم بشبابها وشيوخها ورجالها ، في الميدان ، أعلنا عن وصولنا بهتافات اقشعر لها بدني وانتفضت لها روحي ورق لها قلبي ، الذي لم يحتمل فاضطرني للمكوث بالمستشفي لعدة ساعات حرمتني من التواجد وسط الساحة تحت قيظ الشمس الحارقة والتي لم تثني الشرفاء من القدوم ، فاتوا من كل أنحاء مصر ، ولولا ما دبر بليل من أزمات مفتعلة للبنزين والضغط بالمال وبوسائل أخري علي أصحاب السيارات لكان هناك شأن آخر ، ولضجت ميادين مصر بأعداد القادمين إليها مدافعين عن هويتها والرافضين للعنف والبلطجة بشتي أشكالها ، اطمأن قلبي حين رأيت الصفوف المزدحمة تتشقق بصوت أخت أفسحوا الطريق معنا مريضة ، تنشق الصفوف في حركة تلقائية عجيبة ومنظمة وروح راضية مشفقة وأصوات لم اعرفها إلا بقلبي جمعني بهم حب الدين والوطن وسابق عهود اتخذناها وورد رابطة في وقت الغروب جمعنا غيبا ، اطمأن قلبي حين رفضن أن يتركنني في المشفي وحدي ، رغم إلحاحي حتى لا يحرمن مثلي من فعاليات تلك الملحمة التي تكتب في تاريخ مصر كل يوم ، إنها امة قررت أن تعود لمنبعها الأصيل لتنهل منه حضارة تضيء ظلام العالم وتحيله نورا ونهضة رغم انف الكائدين ، إنها انتفاضة أمة لم يعد يخيفها الموت أكثر مما يخيفها الرجوع لعبودية البشر ، إنها صحوة شعب قرر أن يقف يدا واحدا وقلبا واحدا وكلمة واحدة ضد كل ما يدبر بليل ، اطمئنوا جميعا ، فكل الشواهد تقول أن ثورة حماها الله عز وجل في أحلك لحظاتها ، لم تنجح لتموت ، وأن الفتن التي تتعرض لها اليوم ما هي إلا اختبارات لصدق توجهنا وقوة وحدتنا ، وتمحيص للمخلص من المدعي ، اطمئنوا فالله عز وجل قد أذن برفعة هذا الدين ، ورفعة هذا الوطن ، فقط استعينوا به وتمسكوا بعراه ووحدوا صفوفكم ،
فما أروع وقفتكم أيها الشرفاء ، وما أروع الحب بينكم والأخوة التي لم تتضح معالمها في مكان في العالم مثلما هي عندكم ، بهذا ستنتصرون ، وبهذا سترعبون أعداء البلاد والعباد ، وبهذا يثبتكم الله ويصلح شانكم ، شرف لي أن كنت بينكم في هذا اليوم الرائع ، دعوت الله بكم أن يتقبل مني خطواتي ، ودعوت الله لكم أن يحفظكم ويحفظ بلادنا من كل سوء .