ثقافة التعامل مع الحذاء
معمر حبار
منذ 5 سنوات، صافحت طفلا في العاشرة من عمره، فأعجبت بقبضة يده القوية، والنظرة الحادة، وإستقامة الجسد، وحسن إختيار الألفاظ، والصوت الممتلء، والثقة بالنفس، وتميّزه عن الأتراب، بل والتفوق عليهم.
نقلت هذا الإعجاب لأبيه، فحدّثني أن إبنه تعلّم تلك الخصال حين كان يدرس في كندا، وهو في الخامسة من عمره.
ومن بين الخصال التي لفتت الانتباه، أن الكنديين يعلّمون أبناءهم في المدارس، كيفية ربط الحذاء بأنفسهم، دون الاعتماد على المدرس أو الوالدين أو أحد آخر، لينمو فيما بعد على الاعتماد على النفس في أمورهم الحالية والمستقبلية.
كيفية التعامل مع الحذاء، جعلت من هذا الطفل، رجلا قبل الأوان، ومازالت خصال الاعتماد على النفس، والذكاء، بادية في تصرفاته اليومية، وهو الآن طالب في الثانوي، يتحصل على أحسن العلامات، وبأفضل سلوك.
ومنذ مدة، كتبت عبر سلسلة "وحي الصدور"، لا أتذكر الآن رقمها، أن الله تعالى أمر نبيه موسى عليه السلام، أن ينزع حذاءه أولا، قبل أن يتلقى الوحي، فكان نزع الحذاء، بداية لتلقي التعليمات التي أوحيت له.
تبين بعدها، أن الأخلاق الفاضلة التي أمر بها سيّدنا موسى عليه السلام، مع ربه، وأهله، وعدوه فرعون. والأخلاق التي تمسّك بها، كانت نتاج الخلق الأول الذي أمر به، ألا وهو نزع الحذاء بداية، قبل الشروع في أي عمل، وقبل تلقي الوحي.الحذاء
إن المؤسسة العسكرية، تعاقب الجندي على إهمال الحذاء، كما تعاقبه على إهمال سلاحه، وتطالبه أن يخصص وقتا لتلميعه.
أذكر هذه المقدمة، لأني خلال هذا الأسبوع، لم أستطع حضور دفن ميت في مقبرة سيدي يحي بوعلاش، لأن حمل الحذاء بعد صلاتي العصر والجنازة، تطلب وقتا طويلا من شدّة الزحام، بسبب إختيار المكان السيّىء لوضع الأحذية، وعدم وجود المنفذ المناسب.
فالداخل لمسجد بن حليمة بالبقعة مثلا، يتطلب منه أن يتعارك من أجل الحصول على الحذاء، ثم يتعارك من أجل الخروج بحذاءه، فهو من عراك إلى عراك.
إن سوء التعامل مع الحذاء، جعل المرء يضيّع على نفسه، مشاركة الأحياء والأموات، ويضيّع عمره وأيامه في البحث عن حذاء، والخروج بحذاء.
إننا أمة تقيم الصلاة منذ 15 قرنا، لكنها لم تحسن لحد الآن التعامل مع الحليس ذاء، الذي بسبب البحث عنه، يضيّع المرء وقته، ويدخل في صراع مع من حوله.
إن الأمر ليس ترفا فكريا، بل يتعلق بالوقت والجهد، والأمة أعز من أن تضيّع وقتها وجهدا في البحث عن حذاء.