ما بين الوداع واللقاء نتعلم درسا في العطاء
ما بين الوداع واللقاء نتعلم درسا في العطاء
خديجة وليد قاسم ( إكليل الغار )
جذبني الإبداع الأخضر المزدان أمام ناظري .. إطلالة ربيعية ساحرة .. مساحات عشبية ندية خلتها تتراقص أمام ناظري جذلة فرحة بعد ان اكتست ثوبها السندسي ، و ترصعت بزهورها المخملية .. و تعطرت بشذى الورود الندية .. يطوقها الحارس الأمين شجر السرو بشموخه و عنفوانه ، و بحكمته التي اكتسبها من عمره المديد .. يحيطها بحنانه و يشجعها بتمايله فرحا على وقع ألحان العصافير العذبة و همسات النسيم الرخية ..
لاحت مني نظرة خاطفة للأفق ..السماء البديعة كانت مشغولة و مكتظة بزائراتها الغيمات الطيبات لدرجة أن شمسها غادرت المكان لتفسح لهن المجال ، خلتها تعد لهن حفلة الوداع قبل رحيلهن و انسحابهن أمام النسمات الربيعية التي أطلت بوجهها الجميل ، تحتفي بهن وتكرمهن بعد رحلة العطاء التي قدمن فيها الكثير ...
ما هي إلا لحيظات حتى بدأت دموع الوداع تنساب من تلك الغيمات .. راسمة أجمل لوحة تختلط فيها مشاعر الوداع الحزين مع اللقاء المفعم بالأمل .. مشاعر متضاربة ما بين الحزن و الفرح مشاعر طالما اعتدنا عليها في حياتنا .. و عشناها بجمالها و عذابها ، و حلوها و مرها .. ورغم هذا الحزن المستكين استطعت أن ألمح بارقة فرح من ثنايا تلك الدموع ، لربما كان فرح الرضى لأن تلك الحبات اللؤلؤية استطاعت أداء دورها ، و قدمت كل ما بوسعها و كل ما لديها .. كي تحظى بتلك اللوحة الفنية الربيعية الرائعة .. فرح العطاء لأنها استطاعت أن تمتع ناظريها بلمسة الجمال التي ساهمت في رسمها و تشكيلها .. لم يذهب عطاؤها هدرا .بل استطاعت أن تجني ثمرة ما قدمت و أعطت ليس بالمقابل المادي الذي يتعارف عليه بنو البشر و يتنافسون من اجله على الأغلب ولكن الثمار هذه من نوع آخر و لها طعم آخر .. ثمار معنوية مستقرها النفس و الروح و كأنها تعلمنا درسا من دروس الحياة في البذل و العمل و الفناء من أجل التغيير .. دون انتظار لجزاء مادي أو مقابل ملموس .. بل يكفيها الجزاء المعنوي الذي يحيي القلوب من بعد مواتها .. رسالة نتعلم منها كيف نرسم بسمة على شفتي طفل حزين .. والمقابل فرحة تشرق في نفوسنا .. صدقة ندفع بها الأذى عن مكروب .. و النتيجة راحة و سعادة تغمر أرواحنا ... تسامح مع من أساء إلينا و الثمن .. ارتقاء بالمشاعر و الأحاسيس لنعانق السماء رفعة وسموا ... كلمة .. نصيحة ... دعوة صادقة تملأ حياتنا إشراقة تضيء قلوبنا وتنيرها لتبصر الطريق نحو السعادة الحقيقية ...
دروس كثيرة نتعلمها من هذه التغيرات الكونية التي أنعم الله بها علينا ...فهلا فهمنا الدرس و ترجمناه حقيقة على أرض واقعنا ؟ هلا ارتقينا بإنسانيتنا إلى عالم الجمال المعنوي البديع الذي يسقينا سعادة مترعة بالصدق والصفاء و الحب .. هلا تجاوزنا أنانيتنا و نظرتنا المادية لكل صغيرة و كبيرة في حياتنا .. لنستحق السير في قافلة السعداء ؟
هي دعوة للتغيير ، دعوة لأن ننفض عن أنفسنا غل القيود التي أثقلناها بها بسبب بعض أمراض نفوسنا .. أنانية ، حسد ، حقد ، دسائس و مؤامرات .. نميمة و ...
هي دعوة لنبدأ الحياة الجميلة من جديد ... حياة الحب و الصفاء و النقاء
حياة نعيش فيها ربيعا دائما ، نزرع فيها دوما ورود المحبة و أشجار العطاء ، و حدائق الصدق و الوفاء
حياة هي السعادة تستمد غذاءها و شرابها من قربها من خالقها العظيم فتأنس بنعيم دائم لا ينقطع و نفس رضية متمتعة بجنة السعادة الحقيقية و الراحة العلوية ..
هي دعوة لنجمل حياتنا و نكرمها بالربيع الدائم الذي تستحق
لنكن .. ربيعا دائما .. و عطاء متجددا .. و بذلا متألقا