الجامع الأموي الكبير في حلب
نازك الطنطاوي
أكبر الجوامع في حلب الشهباء، وأحد المعالم الإسلامية التاريخية فيها.. يطلق عليه أيضاً "جامع زكريا" لدفن قطعة من جسد نبي الله زكريا (عليه السلام) فيه.. أُنشئ الجامع في العهد الأموي سنة (96 هـ - 716 م) بناه الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ليضاهي ما شيده شقيقه الوليد بن عبد الملك في جامع بني أمية الكبير بدمشق.
أحرق نيكفور فوكاس البيزنطي الجامع عام 351هـ/1262م عندما أحرق حلب. ورُممّ وجُدّد بين عامي 1090- 1092 في عهد تتش أول سلطان سلجوقي، وبنى له مئذنة، ثم احترق عام 564هـ/1196م فجدده الملك العادل نور الدين زنكي وزاد في مساحته وترك المئذنة على حالها.
يقوم الجامع على مساحة من الأرض طولها 105 أمتار من الشرق إلى الغرب، وعرضها 77.75 متراً من الجنوب إلى الشمال، وأبعاد صحن المسجد 47×79م، والحرم محمول على 80 عضادة موزّعة على أربعة صفوف، وللمسجد أربعة مداخل واحد في كل جهة، ومحراب الجامع من الحجر الأصفر بسيط وجميل، والمنبر الحالي مملوكي من عهد السلطان محمد من القرن 14م من خشب الأبنوس مزخرف بقطع من العاج، وبلاط الجامع من عهد العثمانيين سنة 1613م.
في أيام الملك الظاهر بيبرس كان المحراب الأصفر للحنابلة، والمحراب الكبير للشافعية، والمحراب الغربي للحنفية، والمحراب الشرقي للمالكية، وإلى جانب المحراب ضريح النبي زكريا والد النبي يحيى (عليهما السلام) له حاجز نحاسي وسُمي المسجد باسمه.
وصف ابن جبير الجامع حين زاره سنة (580 هـ / 1183 م) قائلاً: "إنه من أحسن الجوامع وأجملها في كافة البلاد الإسلامية، قد أطاف بصحنه الواسع بلاط كبير متسع مفتح كله أبواباً قصرية الحسن إلى الصحن، عددها ينيف على الخمسين، والبلاط القبلي الحرم لا مقصورة فيه فجاء ظاهر الاتساع"، ووصف المحراب والمنبر وزخارفهما فقال "ما أرى في بلدٍ من البلاد منبراً على شكله وغرابة صنعته، واتصلت الصنعة الخشبية منه إلى المحراب فتجللت صفحاته كلها خشباً على تلك الصنعة الغريبة وارتفع كالتاج العظيم على المحراب، وعلا حتى اتصل بسمك السقف وقد قوّس أعلاه.. وهو مرصع كله بالعاج والأبنوس".
وإذا أردنا وصف المسجد الكبير في نظامه الجديد، ،نراه محاطاً بواجهات جديدة تنفتح منها أبواب قديمة أربعة، باب من كل جهة، وهو مؤلف من صحن واسع محاط بأروقة ثلاثة، وحرم في الجهة القبلية، ومغطى ببلاط رخامي بلونين أصفر وأسود وتشكيلات هندسية رائعة، تعود إلى العصر العثماني.. وتنفتح على الصحن عقود عشرة من الجانبين وستة عشر عقداً في الشمال ومثلها في الجنوب تعود إلى الحرم وقد أغلقت بأبواب خشبية، وفي وسطها مدخل كبير يصل إلى الجناح الأوسط الممتد حتى المحراب الكبير، وتنهض جميع العقود نصف الدائرية على عضادات مستطيلة وليس على أعمدة، وفي وسط الصحن ميضأة حديثة مغطاة بقبة، وثمة قبة أخرى تحمي ساعة شمسية، أما الحرم فإن سقفه محمول على عضادات مشابهة لتلك الموجودة في الصحن، تحمل أقواساً متصالبة على شكل عقد في ثمانية أجنحة عرضية موازية لجدار القبلة في جنوبي الحرم، وتعلو الجناح المتوسط قبة صغيرة تغطي منطقة المحراب، وفي الحرم سدة من الخشب المزخرف بألوان مختلفة مع كتابة تشير إلى عصر بانيها "قره سنقر" كافل حلب
ويعود المنبر إلى عصر الملك الناصر محمد، وصنعه محمد بن علي الموصلي (كما تشير الكتابة عليه) من أجمل المنابر مزخرف بالرقش العربي الهندسي المركب من خشب الأبنوس والمنزل بالعاج والنحاس البراق، ويعود المحراب إلى عصر السلطان قلاوون وإشراف كافل حلب "قره سنقر" سنة 681هـ/1281م وهو مبني بالحجر المشقف بزخارف هندسية رائعة، وضريح يطلق عليه اسم الحضرة النبوية (يقال أنه يحوي قبر النبي يحيى وأشياء ثمينة محفوظة منها: مصاحف شريفة كتبها كبار الخطاطين الأتراك، وقناديل قديمة مذهبة ومفضضة وقواعد شمعدان).. أُنشئ هذا الضريح عام 907هـ/1500م ورمم مراراً، وكانت آخر الترميمات سنة 1030هـ/1620م وكسيت جدرانه الثلاثة بألواح الخزف القاشاني وأقيم باب الضريح وفوقه قوس من الحجارة بلونين أسود وأبيض، وأروع ما يحويه المسجد الكبير مئذنته المربعة المرتفعة خمسين متراً والتي جددت سنة 873هـ/1094م.