كل الناس أعلم منك يا عمر !!
حذيفة العاصي
فكرة يحاول البعض ترويجها لإخراس الألسنة عن نقده ، أو نقد حزبه ، أو تفنيد أخطاء ساسته ، فيزعم إن السياسي هو وحده الذي يفهم بها ، وكذلك القانوني هو الوحيد الذي يفهم بالقانون ، ولا يمكن لهم الخطأ ، ولا يحق لأحد انتقادهم ، ومن الجريمة أي يجرى أي تعديل بعد سيادته.
فيسوغ له جهله ، إلى إن يذهب إلى إن الميكانيكي لا يمكن إن يفهم إلا بإصلاح الآلات ، والبستاني لا يمكن له إن يفهم إلا بتقليم الأشجار ، بينما يجوز لنفسه حتى وإن كان زبالاً ، ادعاء الفهم بكل شيء ، والقدرة على تقييم من يكون سياسياً ، أو قانونياً ، حتى يحق له عندها الانتقاد .
وهذا ما لم يفعله عمر – رضي الله عنه – عندما وجد أن من مصلحة الأمة أ، يحدد لها مهورها ، حتى لا يصبح غلاء المهور عبء على الشباب فيعزفون عن الزواج إلى الرذيلة ، فخرجت امرأة تذكره بقول الله – عز وجل – : " وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً " ، فلم يصر عمر على ما ارتئ أنه يصلح أمر الأمة ، وعاد عن رأيه إلى ما أمر الله به ، وقال قولته المشهورة : " أصابت امرأة واخطأ عمر .. كل الناس أعلم منك يا عمر " ، ولم يقل لها أنتي أمية جاهلة ما أدراك بأمور السياسة ، ولم يأمر شرطته بالقبض عليها بتهمة التدخل السافر بشؤون السياسيين أو الفقهاء ، أو يزج بها في غياهب السجون للتحريض على رد ما ارتآه أمير المؤمنين للأمة ، وهو الفقيه الزاهد خليفة خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – معلقاً على القصة : " هي دليل على كمال فضل عمر ودينه وتقواه ورجوعه إلى الحق إذا تبين له ، وأنه يقبل الحق حتى من امرأة ، ويتواضع له ، وأنه معترف بفضل الواحد عليه ولو في أدنى مسالة ، وليس من شرط الأفضل أن لا ينبهه المفضول لأمر من الأمور " .
كم هو صعب على الإنسان إن يضع نفسه تحت الحق – إلا ما رحم ربي – مع علمه أنه قد تجاوزه وتعدى عليه ، مزيناً له شيطانه وهواه الكمال والعصمة ، وأنه لا يجوز لأحد أن يعترض عليه ، لأنه يكون قد وقع في موقع من يسفه رأيه ، فيلجأ إلى تكميم الأفواه بهذه الحجة ، بدل إن يلزم نفسه الحق .
وفي الاختلاف كل شيء يرد إلى الله وإلى رسوله ، فإما إن نكون أهلاً للمكان الذي وضعنا فيه ، نعود إلى الحق متى تجاوزناه ، وإلا فلندعه لمن هو أهل له فلا عصمة لأحد بعد الرسل !!