حقيقة الصراع والسنن الكونية

حقيقة الصراع والسنن الكونية

عزة مختار

[email protected]

يحسب البعض أن ما يحدث في مصر في تلك الفترة الحاسمة في تاريخها وتاريخ العالم الذي تؤثر فيها تأثيرا مباشرا ، يحسب أنه مجرد مجموعة من الخلافات السياسية التي تكون عادة بين الأحزاب السياسية حاكمة ومعارضة ، وهم بذلك يتجاهلون نوعية الخلافات القائمة والخلفية التاريخية لها والبون الشاسع  بين اتجاهين كل منهما يعبر عن عقيدة متباينة كل التباين عن الأخرى ، وكل منهما يعبر عن حضارة مختلفة الأصل يحارب من أجلها ويستميت في الدفاع عنها .

إن المعركة القائمة في مصر هي صراع الحضارات وسنة التدافع واستبدال حقبة تاريخية حملت في داخلها عوامل انهيارها من ظلم وفساد تجذر واستفحل وانتشر حتى كادت معالم الحق أن تضيع ، وبين حقبة تاريخية جديدة تحاول بناء ذاتها علي عقيدة سماوية تتكئ فيها علي مفاهيم العدالة واحترام الكيان الإنساني لذاته الإنسانية دون النظر لدينه أو لونه المستمدة من الشريعة الربانية التي يستمد مشروعه منها .

ومخطئ من يحسب أنه قد كان من الممكن تفادي كل تلك الصراعات منذ بداية  انتصار الثورة المصرية وسقوط النظام الذي تهاوي كالقشة في ثمانية عشر يوما  علي عين الله ورعايته ، فطبيعة الصراع الأبدي بين الحق والباطل سنة كونية ، بدءا من الأنبياء صلوات الله عليهم جميعا وانتهاءا بكل المصلحين علي الطريق من خلفهم 

قال - تعالى -: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ  " الأنعام: 123 

وتاريخ الصراع بين الحق والباطل علي مدي التاريخ يشهد من تلك المعارك ألوان من تجبر الطغاة وفجرهم في الخصومة وتحريهم الوسائل المتعددة في محاربة الحق والتشكيك فيه واستغلال البسطاء بوسائل إعلامهم المتجددة عبر التاريخ كله ديدنهم فيها الكذب والبهتان والافتراء واللعب  بالألفاظ حتى يختلط الأمر علي السامع البسيط فيبيت في حيرة من أمره لا يدري أين الحق ولا كيف الوصول إليه ، وسائلهم عبر التاريخ واحدة ومن أهمها اللجوء إلي الأعداء يوالونهم من دون المؤمنين ، فيعقدون المؤتمرات والمؤامرات ، ويفعلوا نهارا ما يتفقوا عليه ليلا ، وقديما تآمر فرعون مع السحرة ، وتآمر المشركين والمنافقين  مع اليهود .

ثم هم ينفقون الأموال ويغدقون في إنفاقها في سبيل هدم القضية لدي العامة

" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ   " الأنفال 36

يتوددون بالكذب إلي الناس فيدعون أنهم أصحاب الحق ويخوفونهم من أصحاب الحق الجلي ويتهمونهم في دينهم وأخلاقهم  " قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ،يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ"  الشعراء: 34-35

منهجهم التشكيك في المصلحين ، فالحق ذاته صعب التشكيك فيه نظرا لقربه من النفوس وارتياح الناس لجنبه ، وتماشيه مع الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها ، فانقطع سبيلهم في ذلك فاتخذوا المصلحين هدفا لهم كي يشغلونهم عن قضيتهم الأساسية بالانشغال عن الدفاع عن أنفسهم وكأنهم يعلمون بعضهم بعضا

يقول الله عز وجل عنهم "  كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون  " .

وفي مصر اليوم نشهد معركة من أعنف المعارك بين حضارتين ، حضارة وثنية تعبد المال ، ولائها الأول لأسيادهم في تل الربيع المحتلة والبيت الأبيض الذي يحاول أن ينقذ هيمنته علي العالم في حرب صليبية مقدسة كما أطلقوا عليها هم صراحة دون شعور باستحياء من العرب اللذين لم يحسبوا أنهم سيفيقوا قريبا من غفوة طالت بهم لإحياء مشروع آن أن يسقط وان ترفع راية أخري قوامها العدل المطلق المستمد من شريعة ربانية غير وضعية يعلمون معها أنه حتى يتم رفعها فلا بد من سقوط  كل أنظمة الفساد التي  لا يحيون إلا في ظلها .

إنها ليست قضية جنود مختطفين ، ولا قضايا فساد مالي فردي وانتهت ، وليست قضية بعض الطامعين في الحكم فيلبسون ثوب المعارضة إمعانا في تجهيل الناس بحقيقتهم ، إنها حرب مقدسة ، بين قوي الشر جميعا اجتمعت من كل أنحاء الأرض لتلتمس لنفسها مدة بقاء أطول ، لكن سنة الله عز وجل في التغيير داهمتهم فارتبكوا وها هم يحاربون بكل ما تبقي لديهم من قوة لإسقاط  رايات أذن الله أن ترفع ، وأني لهم أن يسقطوها .