العلماء المجددون ...

عبد الله عبد العزيز السبيعي

العلماء المجددون ...

عبد الله عبد العزيز السبيعي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمإن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها

قال السيوطي رحمه الله في مرقاة الصعوداتفق الحفاظ على تصحيحه، منهم الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل، وممن نص على صحته من المتأخرين الحافظ ابن حجراهـ

وللمجدد شروط ذكرها السيوطي في أرجوزة له سماها: تحفة المهتدين بأخبار المجددين، وفي بعضها نظر كما سيأتي. قال رحمه الله:

والشرط في ذلك أن تمضي المائة======وهو على حياته بين الفئة 

يشار بالعلم إلى مقامه======وينشر السنة في كلامه 

وأن يكون جامعًا لكل فن=====وأن يعم علمه أهل الزمن 

وأن يكون في حديث قد روى====من أهل بيت المصطفى وقد قوى 

وكونه فردًا هو المشهور=====قد نطق الحديث والجمهور 

واشترط فيه أيضًا الاجتهاد، حيث قال:

... عالماً يجدد====دين الهدى لأنه مجتهد 

والذي يظهر عدم اشتراط جمعه لكل فن ولا كونه من أهل البيت؛ لأن العلماء قد اتفقوا كما حكاه السيوطي نفسه على أن عمر بن عبد العزيز مجدد وهو ليس من أهل البيت، ولا يشترط أيضًا أن يكون فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها في مجال من المجالات، وهو نظير الطائفة المنصورة التي قال عنها الإمام النووي رحمه الله تعالى، في شرحه على مسلم : ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين: منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض وقال الحافظ ابن حجر رحمه اللهونظير ما نبَّه عليه - أي النووي - ما حمل عليه بعض الأئمة حديثإن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينهاأنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة وهو متجه، فإن اجتماعالصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير، وتقدمه فيها، ومن ثم أطلقأحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعي وإن كان متصفًا بالصفات الجميلة، إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل، فعلى هذا كل من كان متصفًا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لااهـ

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية، بعد إيراد الحديثوقد ذكر كل طائفة من العلماء في رأس كل مائة سنة عالمًا من علمائهم ينزلون هذا الحديث عليه، وقالت طائفة من العلماء: هل الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار، ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف، كما جاء في الحديث من طرق مرسلة وغير مرسلةيحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلينوهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا، ونحن في القرن الثامن والله المسؤول أن يختم لنا بخير، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، ومن ورثة جنة النعيم، آمين آمين يا رب العالميناهـ

وقد عد في المائة الأولى عمر بن عبد العزيز ، وفي المائة الثانية الشافعي ، وهكذا في رأس كل مائة سنة إلى المائة الرابعة عشرة، وفيها علماء ومجددون مشهود لهم بسلامة المعتقد والعمل، ومنهم محمد الأمين الشنقيطي، والألباني وابن باز والعثيمين ,وابن جبرين  وغيرهم من علمائنا الأجلاء في عالمنا الاسلامي وكل مكان رحمنا الله ووالدينا واقاربنا واياهم وجميع اخواننا المسلمين.