حديث الآباء إلى الأبناء... أبنائي الأحبة

د. عبد الرحمن الحطيبات

الرسالة الأولى

د. عبد الرحمن الحطيبات

مشرف اللغة العربية

مدارس الجامعة الملك فهد للبترول –  الظهران

[email protected]

أبنائي الأحبة ,

مع إطلالة الفجر البهية , ومن ذيول السحب الفرعاء الندية, ومع إشراقة الشمس في كل يوم جلية,  ومن شواطئ الخليج السخية, ألف حب وتحية .

أبنائي وأحبائي ذوي النفوس الزكية, في دنيا جمع فيها الرحمن أسراره العلية,  سلام عليكم من فوقكم, من تحتكم,  

سلام الله عليكم بالرحمة من ملحنا, من جرحنا,  سلام الله عليكم بالبركة من شرقكم من غربكم ,  سلام الله عليكم من مهدكم ....وإلى يوم لقاء ربكم وبعده سلام  ....سلام الله عليكم, وحبي لكم, وأشواقي أحملها نسمات الرياح لتخالط أنفاسكم سلام الله عليكم .. وأنتم تملؤون سمعي وبصري... وبعدها أمد يدي لأصافحكم, وأحني جبهتي لأقبلكم, واهتف بكم طول الحياة : يا أملي, ويا عمري, ويا أمل الأمة, ويا ربيع الحياة , وامتداد الوجود.... وإن نسيت فلا أنسى أن أحيي أمكم العزيرة فيكم وأحييكم بها, أمكم طيبة الأعراق, مدرستكم المطهرة, وحمى وجودكم ,  وقدسية حياتكم,  وبوابتكم إلى رضوان الله, والجنة .  

لقد تركتكم ذات يوم, واستودعتكم الله الذي لا تضيع  ودائعه, وأنا معكم في كل صباح, واستمع إلى حكاياتكم  .. ومروياتكم ...  ومنسياتكم .... في كل ذات مساء .

  و وفي كل لحظة أنتم معي: أراكم .. أسمعكم اشتم عبيركم , وأتذكر  طفولتكم  وبسطتكم وأنتم تلهون وتمرحون وتضحكون وتبكون ... أتذكر بعثراتكم لأوراقي, وخربشاتكم  ..وصياحكم غير المبرر.. .  أتذكركم تقرؤون الحروف الأولى  وتنطقون الأصوات البكر, أتذكر ....   وأنتم  تمسكون بأقلامكم: فتنمو  بين أصابكم الأحرف,  و تبرعم  الكلمات, وتزهر العبارات, و تثمر  الأفكار ...    أتذكر  تلاوتكم المعطرة للأنفاس , وأناشيدكم المطيبة للقلوب : أتذكر وأنتم تدخلون سورة في سورة , وتدخلون قصة في قصة .....وتزيدون وتحذفون وتتخيلون ...جميلة هي الحياة بكم , وجميلون أنتم فيها  .

أبنائي الأحبة ,  تأكلون معي وآكل معكم, وتشربون معي, وأشرب بكم, وتنامون حولي, ولا أنام إلا بكم: خاطبتكم بلغات الود وأنا دائماً أخاطبكم , وكم نصحت لكم, ووصيتكم , ووصيت فيكم, وهاأنذا  أوصيكم, وكم ... وكم علمتكم ... وكم .. وكم تعلمت منكم, كما تعلمتم مني أن أحدثكم عن العظمة والعظماء, وأكتب لكم عن الحكمة والحكماء  لعل ذلك ينير طريقنا ؛ فنرى الأشياء على حقيقتها فنبصر بأعيننا, ونسمع بآذاننا , ونفقه بقلوبنا ونبحث عن الكنوز الدفينة والتي هي أغلى من الفضة, وأعز من الذهب..

 أبنائي : 

"أنا لا أنظرُ من ثقب الباب إلى وَطني
لكنْ أنظرُ من قلبٍ مثقوب
وأميّز بين الوطن الغالب والوطن المغلوبْ
الله...! لمن يتنصّتُ في الليل إلى قلبه
أو يصغي السمع إلى رئتيهْ
هذا الوطن بريء،
لم يشهد زورا،
لكنْ شهدوا بالزور عليهْ"
أبنائي وقرة عيني, كونوا شهداء لله وبالله في أرضه.. شهداء بالحق وتعملون بالحق
﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ* حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ اتقوا الله في أنفسكم ... اتقوا الله في بلدكم

    إن النفوس في هذه الدنيا صنفان: صنف يسمو إلى النجوم, وتصفو نفسه كالملائكة . وصنف ينحط إلى أسفل السافلين, وتخبث نفسه كالشياطين أو تتبعه الشياطين.

. كونوا في صفاء نفوسكم كالملائكة وبالملائكة تصعدون ..وتصعدون .. ولا تلوون,  كونوا كالنحل في امتصاصه الرحيق؛ ليصنع العسل, ...  كونوا كالنخل في العلو والعطاء, كونوا:  أحياء ..فالكون يحب الحياة

لاحظوا حركات الطير وقلدوا نسورها,  ....... تعرفوا  إلى  حياة الغاب وقلدوا  بأسدها.

اقرؤوا سير العظماء  والصالحين وخذوا بأحسنها, .....وإن بحث الناس في التراب عن الدفائن, فلتبحثوا  في العظمة وأسباب العظمة , وجوانب الصلاح.... وعن معان جديدة لحياتكم , وقيم لوجودكم , وأسوة لكم  .. وإن ربح أهل الدنيا دنياهم , ولعل أكثرهم قد خسروا  الدنيا والآخرة ؛ فلتربحوا الدنيا والآخرة: ولتبحثوا  في كتاب الله..., وفي أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم .... عن عجائب الحكمة والبدائع واللطائف والفرائد ؛ ما تحركون به القلوب,  وتنيرون به العقول, ويهديكم  سواء السبيل ؛ ومع هذه الدرة الثمينة والوصية النافعة أوصيكم بتلاوتها وحفظها و وتدبرها والعمل بها وتبليغها لزملائكم   فهي منهج للآداب السامية التي يؤدب الله بها عباده ؛ لأن في امتثالها فلاحهم دنيا وآخرة,   ولها آثارها التربوية في توجيه وتهذيب سلوكهم، وتعمل على زيادة الألفة و المحبة بينهم وتماسك مجتمعهم                        

}وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ{ ([1])

أبنائي الأحبة

حقيق بكم أن تسمعوا إلى كتاب ربكم ووصيته فيكم, وها أنا أوصيكم  بهذه الوصايا ليخصكم ربكم بالحكمة,  وليمن من منه وكرمه بالهداية  علينا وعلى الناس

   هذه رسالتي, وتلك وصيتي, فاحفظوا  رسالتي إليكم, ولا تخونوا وصيتي فيكم  , وعلى أمل اللقاء بكم  وإلى أن ألقاكم في حديث عن بعض مضامين هذه الوصية وفي أحاديث أخر...

استودعكم الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم

و صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  .

أبوكم

أبو محمد

               

([1]) سورة لقمان: الآيات 12-19.