ما أقلّ شَبَهَ الليلةِ بالبارحة!

مجاهد ديرانية

احتل حزبُ البعث سوريا قبل خمسين عاماً، ومنذ تلك اللحظة دخلت البلادُ في نفق مظلم طويل لم يَرَ له الناس من آخر. وحين اشتدت الوطأة وجاوزت القدرةَ على الاحتمال قامت طائفةٌ من هذا الشعب تحاول تحرير البلاد من الاحتلال البعثي الطائفي الأسدي، لكن الحرب التي شنّها عليها النظام تجاوزت في إجرامها كل حدود العقل والأخلاق، فكانت النتيجة أن دُمِّرت ثلث مدينة، وقُتل عشرات ألوف من الأبرياء وسُجن عشرات ألوف، وانتصر النظام فبغى وطغى وأكثر في الأرض الفساد.

ثم دار الزمان دورة، وازدادت الوطأة شدّةً وجاوزت القدرةَ على الاحتمال، فقامت طائفة جديدة من هذا الشعب تحاول -مرة أخرى- تحرير البلاد من الاحتلال البعثي الطائفي الأسدي. وفوجئ الناس أولَ الأمر بما لم يكونوا يحتسبون، ثم افترقوا ثلاث فرق: فرقتين ظنّتا أن التاريخ سيعيد نفسه، وثالثة قالت: لا، ليس اليوم كالبارحة!

فأما الفرقتان الأَوْليان فواحدتهما النظام الحاكم، والثانية طائفة من هذا الشعب المظلوم المكلوم لم تستطع أن تخلع عنها جلباب الخوف الذي تجلببت به من يوم عاشت تلك المأساة، مأساة العصر في حماة وما سبقها وما لحقها من قتل وبطش وإجرام في ديار الشام. وأما الفرقة الثالثة فجمهورٌ عريضٌ من هذا الشعب قَلَب كل الطاولات وخلط كل المعادلات.

مشكلة الفريقين الأوّلين أنّ لكل منهما ذاكرةً قوية، وأن رقبته تصلّبت وهو ينظر إلى الوراء فصار عاجزاً عن الالتفات والنظر إلى الأمام. الذين عاشوا المحنة لم يستطيعوا أن ينسوا ويلاتها وبقوا أسارى نتائجها الكارثية، فهم لا يتوقعون إلا الهزيمة ولا يرون أي فرصة للانتصار، والنظام المنتصر لم يستطع أن ينسى نشوته وقوّته، فليس يعتمد اليوم إلا على البطش والإجرام اللذين اعتمد عليهما أول مرة.

الفريق الثالث هو الذي سيحسم المعركة بإذن الله. إنه فريق لم تكبح فاعليتَه وهمّتَه ذكرياتُ المحنة القديمة، فريق لا يلتفت إلى الوراء، بل ينظر إلى الأمام فيرى الحرية والكرامة والعدالة تتلألأ كلها كالجواهر في ضوء شمس الاستقلال الجديد.

هذا الفريق يهتف بالنظام أن أَحصِ أيامك، لا بقاء لك في سوريا بعد اليوم. ويهتف بالمخذّلين والمشكّكين: ما أقل شبه الليلة بالبارحة! لا وقوف هذه المرة في وسط الطريق، لقد استعنّا بالله وتوكلنا عليه، ولن نتوقف -بإذنه تعالى- إلا في محطة الانتصار الكبير.