من يحارب من في سوريا؟

زانة الشهري

كاتبة سعودية

لم ينته الصراع الدائم بين المعسكرين الشرقي والغربي رغم انتهاء الحرب الباردة لصالح الثاني، إلا أن الأول لازال يستجمع قواه ويحاول النهوض من جديد. ويبدو أنه مقدر لهذا الصراع أن يتمركز في الشرق وينتقل حيث تنقله تيارات الحراك الشعبي.

نعم لا يزال التيار الشرقي المتمثل في روسيا وحلفائها يحاول فرض حضوره بقوة في أهم المناطق الإستراتيجية في العالم في ظل سيطرة التيار الغربي على نسبة أكبر من مناطق الشرق الأوسط وتشكيل تحالفات منيعة في الخليج تحديدا.

وعندما هبت رياح الربيع العربي في سوريا سارع المعسكر الشرقي "روسيا وإيران" لدعم حليفه وممثله في بلاد الشام المتمثل في نظام الأسد، فيما يحاول المعسكر الغربي وحلفاؤه الخليجيون الإطاحة بالنظام لإيجاد حكم آخر قد ينضم للمعسكر الغربي، وبالتالي يتقلص الوجود الشرقي في المنطقة.

ولا يزال هذا هو الحال منذ قيام الثورة السورية. قوى الشرق والغرب تتصارع فعليا لإثبات الوجود ليس إلا، ناهيك عن المكسب الكبير لسقوط دولة إستراتيجية مثل سوريا في أحضان أي من المعسكرين، إلا أن البعض انجرف مع أحد التيارات على حساب الآخر ظنا منهم بأنه لخدمة مصالح الشعوب، وهذا ما لا يمكن تصديقه. فهذه الأنظمة عرفت بتهميشها لمصالح الشعوب أمام التمكين لرغباتها الخاصة.

فذهب المتحمسون للتيار الغربي إلى القول بأن الهدف إنساني لدعم ثورة الشعب السوري وتخليصه من الديكتاتورية، وذهب المتحمسون للتيار الشرقي للقول بأنه جهاد في وجه العدو الإسرائيلي، وهذا ما ينفيه الواقع الجاثم على صدورنا منذ نحو أربعين عاما، لم يقدم خلالها التيار الشرقي الذي يلبس لباس المقاومة سوى مداعبات بأسلحة بدائية لنظام حديث ومتطور، ناهيك عن شواهد أخرى لبارجات روسية في موانئ إسرائيلية تدعونا لوضع أكثر من علامة استفهام على طبيعة العلاقة.

إن المعركة في الشرق معركة إثبات وجود لكلا التيارين، إلا أن عمرها طال في سوريا لتشبث المعسكر الشرقي بسوريا بشراسة، لأن سقوطها يعني تراجع وخسارة فادحة لهم، بينما يخشى التيار الغربي من صعود بديل غير حليف للنظام الحالي، خصوصا بعد تجربة الإخوان في مصر.

وتجربة الإخوان في مصر تدحض ما ذهب إليه البعض من أن الربيع العربي صناعة أمريكية والدليل أن مصر الآن يتم جرها للمعسكر الشرقي، فلا يمكن أن تكون العقلية الأمريكية مغفلة للحد الذي يجعلها تفرط في دولة مثل مصر، فالنظام المصري السابق كان حليفا جيدا ومطيعا، فلماذا البحث عن بديل؟!!

وينبغي الإشارة إلى وجود مقاتلين أحرار من فئات وطوائف سورية مختلفة يرغبون في الحرية، فهم من زرع نواة الثورة بدايةً بطريقة سلمية إلى أن تم قمعهم بالسلاح، تطالهم التهم والتخوين من كلا المعسكرين، مما يدل على عدم تبعيتهم لأي معسكر، لكن معركتهم مع قوى كبرى تجعل الأمل في انتصارهم ضعيف ومحدود.

لا يوجد معسكر يقاتل مباشرة أو بالوكالة في سوريا من أجل الشعب السوري، وهذا ما ينبغي أن ندركه جميعا. توقفوا عن التصفيق لتيار أو التمجيد لآخر، فكلهم يبحثون عن مصالحهم ووجودهم حتى لو كان ثمن ذلك أن تسحق الشعوب العربية قاطبة.

اعملوا من أجل إيقاف صراع الكبار الذي نزف لأجله ملايين السوريين ولازالوا ينزفون.

يا الله ما لهم غيرك يا الله..