الفلسطينيون والتباس الشعور بالنكبة!!

خوازيق السياسة الفلسطينية (6)

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

ماذا تعني النكبة للشعب الفلسطيني بكل فئاته؛ في الداخل الفلسطيني أو ما عرف فيما بعد بدولة (إسرائيل)، وفي الضفة الغربية وغزة، وهما كل ما تبقى من الحلم، وفي الشتات سواء أكان هذا الشتات اختياريا أم إجباريا؟

وماذا تعني النكبة لقيادات الشعب الفلسطيني، تلك القيادات التي التبس عليها مفهوم النكبة، وربما جعلته موسما للالتباس العام، لتكون ذكرى النكبة موعدا لتجديد الوفاء لعدم العودة إلى فلسطين والإصرار على "حل الدولتين" كما صرح بذلك محمود عباس في خطابه "التاريخي" ليؤكد بخطابه أنه ليس مع حق العودة، وإن رقصت الحناجر وزعقت، وطبلت الأكف تطبيلا أجوف!!

تأتي ذكرى النكبة هذا العام، وقد شاخت الأعمار، وهرمت الأبدان، وأمعنت السياسة تدجيلا، لتتعب الأرواح أكثر مما هي عليه، وقد أيقن الجميع أن وطن الشهداء يتلاشى، ووطن الأنبياء يدنس، وبدلا من أن نقول "منتصب القامة أمشي" صار لسان الحال والمقال يئنّ بحرقةٍ "مقطوع الهامة أمشي" أعمى أمشى، أخرس أمشي، وأنا أمشي...

تأتي ذكرى النكبة هذا العام، وقد نضجت واستوت على سوقها عجاف الأماني، فبعد حدود 67 صرنا نطالب بتعديل الحدود، ولا ضير إن كان التعديل محدودا ومعروفا وبشروط، وتأتي ذكرى النكبة هذا العام وقد تعمقت النكبة في النفوس، فالاستيطان تجذر وضرب بأعماق الأرض أوتادا وابتلع مساحاتٍ ومساحات مما تبقى من الحلم المرتقب، بل وازدادت جرائمه في القتل والاعتقال والتضييق، وكل ذلك لا تزول بالخطب والاجتماعات وتوسل المساعدات.

تأتي النكبة هذا العام و"الإسرائيليون" يعدون إنجازاتهم، واقترابهم من حلمهم للوصول إلى بناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى، الذي أصبح يُدَنَّس كل يوم، تأتي ذكرى النكبة هذا العام والقيادة لا ترى أي أفق سوى أن تؤكد أحقية الشعب الفلسطيني بدولة في الأمم المتحدة لنحصل على عضوية موهومة هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع، بل إنها على عكس ما يظن الظانون، فقبول عضوية فلسطين، هو ضد حق العودة أصلا، فهو تأكيد ما أكدته القيادتان السابقة واللاحقة على حق إسرائيل في الوجود، وعودة اللاجئين الذين تعدّوا (7) مليون لاجئ، يحرم إسرائيل من الوجود، فمنطق الحل ليس منطقيا، فهؤلاء سيعودون حسب القرار إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها، وهذا يعني إخراج الإسرائيليين منها، فأين يذهبون يا حرام إن طبقنا حق العودة؟!! هذا إن سلمنا أن الشرعة الدولية والقيادة الفلسطينية تريد هذا "الحل العادل" لقضية اللاجئين، فقد صرح سابقا محمود عباس بأنه ليس له الحق في تلك الديار إلا أن يزورها سائحا!!

والأغرب من ذلك، والذي يثير المرارة في النفس، أن تدعو السلطة/ الدولة جماهير الشعب للتذكير بيوم النكبة، وهي تعلم علم اليقين أنها ضد تحرير الأرض وإرجاعها، منطق أعوج يقلب كل منطق، فما الذي تصبو إليه السلطة/ الدولة من هذه الفرقعات الإعلامية المنكشفة؟ فكل ما قامت به السلطة/ الدولة من إجراءات وعقدته من اتفاقيات، وما تقوم به من تنسيق أمني واستخباراتي معروف، أصبح مدركا للجميع لو فكرنا قليلا فما هي إلا مسرحيات بهلوانية لا تنطلي على أحد، فهل ستستمر عملية الخداع هذه طويلا، لنظل نصفق وراء كل مشروع لا يحمل في طياته إلا الترسيخ للنكبة؟ هذا إن لم يكن إحداث نكبات جديدة ممكنا ضمن هذه المعطيات التي تنذر بالويل.

أرجو أن لا يأتي يوم نقول فيه: "كنا بهمين ... صرنا بثلاثة"، فأنا لا أستطيع أن أستوعب أن يلقي محمود عباس خطابا عن النكبة، نكبة عام 48 ويتحدث فيه عن حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 67 فقط، من منكم استوعب حكمته فليقلها، فلعلني ما زلت مراهقا سياسيا وهم الراشدون.

اعذروني لن أقول لكم كل عام وأنتم على موعد مع النكبة، فلعل الذكرى القادمة تأتي ونحن نغرق في نكبة أخرى، إنه الزمن النكبات، فلا تستغربوا واستعدوا نفسيا لتتعايشوا مع كل سيء، إن لم يكن عندنا جميعا الاستعداد للثورة، ولتقم القيامة، أفضل من أن نظل نعيش بوضع ملتبس تصنعه قيادات ملتبسة!!