الفقر والجهل والمرض
سمات تنحر في جذور الأسرة !!!
سليمان عبد الله حمد
الأسرة هي وحدة اجتماعية، تتميز بعادات وخصائص متعددة منها التعاون والتسامح والتكافل والعلاقات الاجتماعية الممتدة وتوارث الأجيال ، ويتم غرس هذه القيم الفاضلة في نفوس الأطفال منذ الصغر، وتنتقل من جيل إلى جيل ، ولكن بمرور الزمن أتضح أن ثمة تغييرا بدأ يسرى في الأسرة تبدلات مجتمعية ... وفي ظل هذا العالم المتغير هل تغير العالم أم نحن الذين تغيرنا ؟ في هذا التحقيق اردت تسليط الضوء على هذا الموضوع المهم ...
أزمة أخــــلاق
صحفي وناقد فني : قال أن هنالك تغييرا كبيرا طرأ على الأسر متمثلاً في الأخلاق وهي الأساس الذي تبنى عليه الأمم مجتمعاتها وتغرسها فيها وتورثها أجيالها ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ، ونتيجة لإنحسار الأخلاق استشرى في المجتمع الكذب والنفاق والغش والغيبة والنميمة وعدم إحترام الصغار للكبار ، وتساءل أين القيم التي ورثناها من أسلافنا ؟
وفي الماضي كان انتشار ظواهر سلبية في المجتمع تظهر بشكل علنى ومع ذلك لم تتأثر الأخلاق كما هو الحال الآن ، وكان كبير الأسرة هو الآمر والناهي في البيت لكن اليوم ظهرت مفردات منها ... أين حقوق الانسان وحقوق المرأة !!!
ويعزى تدهور الأخلاق من تدهور الخُلق والثقافات الخارجية والغزو الثقافي والعولمة على حد تعبيره .
ياحليل أيام زمان !!!
والإعلامية ومعده البرامج : قالت إن الفرق بين الماضي والحاضر كما الفرق بين السماء والأرض ، ففي الماضي ونسبةً لعدم التعليم والمعرفة سادت الكثير من العادات الضارة والتي إندثرت بفضل انتشار التعليم ، وأضافت على أن من هناك عادات أندثرت بفضل النهضة التعليمية التى سادت في المجتمع بجانب سمات أخرى وهي الإختلاط بين طبقات المجتمع وكذلك السفر للخارج للأغراض الدراسة والعلاج والترفية والسياحة مما أكسب كثير من الأفراد عادات وتقاليد جديدة أنصهرت مع عادات وتقاليد المجتمع الأصلى مما أفرزت إنتقادات للقديم وتبديله بالجديد السائد وسط أفراد المجتمع والأسرة على وجه الخصوص ، وتأسفت لحال البنات اليوم وذلك مع توفر التعليم والعلوم وهن يستخدمن الكريمات الضارة والمشوهة للجسم ، أما بالنسبة للإجتماعيات مثل الزواج فقد حدثت تغيرات سالبة يندى لها الجبين !!!
واستنكرت وجود عادات جديدة وخطيرة مثل الزواج العرفي والعنوسة ولبس البنات الشاذ والعولمة التي غطت على دور الأب والأم ، وقالت من إيجابيات التغيير إنتشار التعليم بمختلف أنواعه ،
ضيق المعيشة:
أما الاستاذ الجامعي : فقال ان هنالك تغييرا بعض الشيء حدث في الأسر ومازالت هنالك أُسر محافظة على موروثاتها وثقافاتها ، ولكن نسبة لزيادة عدد أفراد الأسر حدث ضيق في المعيشة ، فإن الحياة في الماضي كانت رخيَّة ورخيصة وجميلة والكل متطلباته المعيشية على قدر دخله اليومي أما اليوم فالناس ماراضين بالمقسومة ، وأضاف أن الأمراض المنتشرة اليوم مثل الأيدز والسرطانات والسكري والضغط والأمراض الخبيثة لم تكن موجودة في السابق ، وقال في الماضي (40) سنة لا تصاب بصداع ولا حمى ولم نكن نعرف درب المستشفى ، فمتاعب ومشاكل الزمن الحالى تجيب الحمى والصداع ووجع الضهر والقضروف وسهر الليالى من سهاد التفكير المتعمق في توفير لقمة العيش والمستشفيات لا تسع المرضى من كثرتهم .
وأردف بأن المشاكل الأسرية تأتي من عدم الإستقرار والخلافات المالية وتجد كثيرا من الأسر في المحاكم، وفي الماضي كان كبير العائلة هو من يحل هذه المشاكل إن وجدت، وتألم لإهمال جيل اليوم للكبار .
الفقر هو السبب:
وترى الفنانة التشكيلية بأن الفقر عامل قوي في تشتيت الأسر وعدم تماسكها . فالاسرة الفقيرة لا تستطيع ان ترعى ابناءها رعاية سليمة صحية ونفسية واجتماعية وتربوية . وأن المجتمع يؤثر على الاسرة بأمور سلبية تزحف في داخلها وتقوض بنيانها ، وهذه المؤثرات السلبية هي التي تمزق كيان الاسرة وتجعلها بيئة غير صالحة لتنشئة الاجيال .
ومن اهم هذه السلبيات هي الفقر والجهل والمرض وهذا الثلاثي الخطير يعتبر عدو الامة بالاضافة للمخدرات التي انتشرت بسبب فقدان الاسرة لمن يكون له كلمة مسموعة في هذا الكيان الاسرى ، وكثير من الاحيان تجد كثير من الاطفال يهربون من بيوتهم لعدم شعورهم بالأمان النفسي فينعكس ذلك على مستواهم الدراسي بل البعض يترك الدراسة ويتسكع في الطرقات !!! ...
شيء طبيعي
اما استاذ علم الاجتماع فيفسر الظاهرة بأنها شيء طبيعي وأنها من سنن الحياة ، والاسر تتغير باستمرار وبتغير الظروف المحيطة بها وباختلاف المناطق الجغرافية ، نظرا لإختلاف المراحل التي يمر بها الفرد .فالاطفال عندما يكبرون تتغير حياتهم ، واشار الى ان التربية اصبحت تشترك فيها جهات كثيرة ، موضحا ان دور الاسرة اصبح ثانويا ، وضعفت سلطة الوالدين داخل الاسر ولذلك انعدم العنف الذي اقتصر على الاسر المفككة ، اما التربية التي تعتبر مربط الفرس فالمدارس تربي من الناحية الاكاديمية والشارع والفضائيات من الناحية الاخلاقية ، والزواج تحل مشاكله في المحاكم ، وفي السابق الاسرة هي التي تحدد الزوجة والزوج ، وتحسر على انعدام ظاهرة (غطي قدحك) ، واضاف ان جيل اليوم به كثير من التغيير فابسط شيء قضاؤهم لجل اوقاتهم امام التلفاز والكمبيوتر مقارنة مع الاجيال السابقة التي كانت تحتك بالآباء والاجداد وتقضي اوقاتهم بين كنفهم متعلمين منهم الثقافات والعادات والقيم الاصيلة ونتيجة لبعد الابناء عن اسرهم نتجت كثير من العادات الضارة والدخيلة على مجتمعنا خصوصا فئة الشباب ، واشار الى أن هنالك عادات سادت ثم بادت مع مرور الزمن نسبة للتغيير الذي طرأ على الاسر ...
وختاما قال ان اقتصار النشاطات الشبابية على الرياضة فقط دون النوادي الثقافية والاجتماعية والادبية يلقى بظلال سيئة على تربية النشء ، وحذّر من توافد الاجانب علينا والذي احدث تغييرا لايستهان به في المجتمع بكافة شرائحه .
وزارة الرعاية
اكدت الاستاذة وزيرة الرعاية والضمان الإجتماعي الإهتمام بالأسرة ووضع السياسات التي تحفظ للأسرة مكانتها في تنشئة الأجيال والمحافظة على العادات والتقاليد والقيم الأصيلة ،وقالت أن هناك عوامل أدت إلى حدوث تغيير في الأسر مما نتج عنه تفكك في الأسر وزيادة معدلات الطلاق وإنتشار ظاهرة التسول والتسرب من المدارس وغيرها ، وقالت أن الأسر الممتدة وهنالك مسئولية من الوالدين تجاه الأبناء وقيمنا الثقافية واضحة المرجعية ولدينا سياسات واضحة ومجازة ، وأشارت إلى وجود تحديات تواجه العمل الاجتماعي مثل الفقر والعولمة وما تفرزه من مخاطر ثقافية والغزو الثقافي والأجيال الجديدة وتعدد وسائل المعرفة .
وتابعت: أن إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح الأسرة . ودعت الوزيرة إلى تعميق شراكة الوزارة مع الجهات ذات الصلة في العمل الإجتماعي . وقالت لن نستطيع أن نقوم بحل القضايا الموجودة في المجتمع إلا بالشراكة .
وفي السياق قالت بأن الوزارة تعمل على تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية للمجتمع بمفهوم الأسرة . ولفتت إلى أن معظم الدول الأخرى لاتهتم بتقديم هذه الخدمات على الأسر كافة وإنما على مستوى الفرد فقط ، ودعت الاسر للاهتمام بالمسنين باعتبارهم نواة هذه الأسر ويجب علينا الحفاظ عليهم وعلى حقوقهم المشروعة… .
الأسرة السعيدة
وتحدث الدكتور : أن الاسرة الآن تشهد تحولا كبيرا ومستجدات جمة أثرت فيها سلبا وإيجابا الأمر الذي يقتضي ضرورة القيام بعمل مؤسسي منهجي تتكامل فيه الجهود من قبل الأكاديميين والمهتمين بقضايا الأسرة ووسائل الأعلام .
واشار الى أن ايجابيات وسلبيات الأسرة الممتدة والنووية ، مبينا أن الأسرة والمجتمع بأسره أضحى عرضة للأثر السالب للتطور التكنولوجي ، مضيفا أنه أسهم في زيادة المشكلات الأسرية والظواهر السالبة الأمر الذي يستدعي ضرورة رفع الوعي بالاستفادة من الإيجابيات، مؤكدا استمرار جهود منظمة الأسرة السعيدة من أجل القيام بدورها في مساعدة الاسرة لتحقيق سعادتها وذلك بدءاً بارشاد ما قبل الزواج .
وأكد اختصاصي الصحة النفسية: للأطفال والشباب أهمية دور التربية في إحداث التنمية ، متناولا الأسس المطلوبة لكي تكون التربية ايجابية ، مشيرا الى أن غالبية المشاكل الأسرية ناتجة عن عدم تعليم فن الحوار ، إضافة الى خلل في المفاهيم لدى الاسر والمجتمع، قائلا أنه يتم التركيز على النمو الكمي وليس الكيفي داعيا لضرورة الموازنة بينهما وفق أسس علمية ودينية .
إرتفاع معدلات الطلاق
وفي ذات الإطار تحدثت الأستاذة مديره إدارة البرامج بوزارة الرعاية والضمان الإجتماعي بأن هنالك تغييرا طرأ على الأسر خاصة من الناحية الإقتصادية وإرتفاع معدلات الطلاق ،والميل للفردية ،وترك العمل الجماعي، وإنتشار المخدرات ،وتغيير كبير على مظهر المرأة العام ، ووسائل التكنولوجيا أحد أهم أسباب التغيير. وأشارت إلى أن التغيير أمر طبيعي في المجتمع والأسرة، فكل الأشياء قابلة للتغيير ، والتغيير أحد سمات المجتمع وضرورة لبقاء الجنس البشري ، وهنالك فرق كبير بين التغيير والتغير ، فالتغير يحدث بطريقة تلقائية، أما التغيير فيكون بإرادة الفرد ويرتبط بطبيعة البناء الاجتماعي والنظم والأجهزة الاجتماعية ، والمجتمع الإنساني بطبيعته مجتمع متغير وغير ثابت على حالة واحدة ، والأسرة التقليدية أسرة ممتدة إذ نجدها تمثل وحدة اجتماعية يعيش فيها الزوج والزوجة والأبناء في بيت واحد. والمجتمع يتصف بالترابط بين أفراده والنمط السائد في الأسر هو نمط الأسرة الممتدة ..
وأضافت الأستاذة إلى أن عوامل التغيير كثيرة منها العوامل الجغرافية. فأي تغيير في المكان الجغرافي يؤدي إلى تغييرات في نظام الأسرة كالزلازل والفيضانات والأعاصير ، وهنالك العوامل البيولوجية والأيدلوجية ،ففي الماضي كانت العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة سلطة وسيادة ،أما اليوم فتغيرت وتميزت بالتفاهم والاحترام ، وكانت التربية بحزم شديد، أما اليوم فيحصل الأطفال على قدر كبير من العطف والحنان ، ويعتبر عامل التعليم عاملا مهما في التغيير الاجتماعي بواسطة تغير ثقافة المجتمع ، وانعكس أثر التعليم على الأسرة خاصة بعدما نالت المرأة قدراً من التعليم وبذلك أدت إلى تغيير مكانتها داخل الأسرة ، وهنالك العوامل السياسية من حروب ونزاعات وهذه تؤدي إلى تغيير إجتماعي متمثل في النزوح والهجرة والتشرد .
أثر التغيير على شكل الأسرة
وعن أثر التغيير أفادت الأدبية و الشاعرة بأنه مازالت الأسرة تحتفظ بالشكل الأبوي ، حيث نجد أن المسئول الأول عن رعاية الأسرة في الغالب هو الأب ، ونتيجة لعوامل التغيير نجد أن بعض النساء في المجتمع يقمن بمسئولية رعاية شئون الأسرة بدلاً عن الرجال وهذه واحدة من مظاهر التغيير التي طرأت على الأسرة ، أما آثار التغيير الإقتصادي فظهرت نتيجة لإنتقال المجتمع التقليدي الزراعي الرعوي إلى العمل في الصناعة والتجارة والخدمة المدنية هذا بالإضافة للعمل الفردي والاستقلال الاقتصادي والاعتماد على النفس ، وهذا أثر على دور الأسرة في الإختيار للزواج فأصبح الإختيار فرديا ، وحتى السكن أصبح منفصلاً عن الأسرة الكبيرة مع إنحسار مساحة المنازل وإختفاء الحوش الكبير وخروج المرأة للعمل .
ويرى البعض أن خروج المرأة للعمل يعتبر تغييراً إيجابياُ لأنه يساعد على تحسين أوضاع الأسرة إقتصادياً واجتماعياً كما يقلل من النزاعات الأسرية ،وبهذا نجد أن المرأة اسهمت في حماية الأسرة من التصدع والإنهيار ، وحرصاً من منظمات المجتمع المدنى للحفاظ على الأسرة وطبيعتها المميزة وضعت الاستراتيجيات والسياسات والخطط والبرامج المتكاملة لرعاية الأسرة ومنها : ـ
(مشروع تخفيف حدة الفقر ? مشروع التمويل الأصغر ? مشروع تنمية المرأة الريفية ? مشروع الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة هذا بالإضافة إلى برامج مؤسسات الضمان الإجتماعي والحماية الاجتماعية مثل : ( ديوان الزكاة ? الصندوق القومي للتأمين الصحي ? الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي ? الصندوق القومي للمعاشات …
كلها مسارات تصب في الحرص على عدم التفكك الاسري والحفاظ عليها من خلال عيون تسهر على راحتها وتخاف عليها من التفكك والتفلت الاجتماعي الذي ساد في كثير من المجتمعات النامية .. ـ فهل أنت معي !!!