لنرتب بيتنا الداخلي انطلاقاً ..
لنرتب بيتنا الداخلي انطلاقاً ..
عقاب يحيى
سهل أن تلعن العالم كله وتواطؤه عليك، وأن تشتم الجميع الذين يتركون دماءك تسيل أنهاراً ولا يتحركون.. وكثير من مواقف يعرفها الصغير قبل الكبير، لكن ثمة نقطتان يجب الوقوف عندهما :
ـ الثورة السورية انطلقت بفعل ذاتي، نتيجة كومة الاحتقان لفعل منظم من طغمة الفئوية والحقد واغتيال الوطن والكرامة والحقوق . لم تنتظر بداية أن تتعكز على غير أبنائها، ولم يخطر ببالها أن تطالب الغير بتدخلهم، بما في ذلك العسكري الذي استسهله البعض صراخاً ودعوات وأمنيات ..وكان يجب عليها أن تنظم صفوفها، وأن تستدعي الوطنية السورية العريقة لتكون عمادها.. وما يأتي من الأشقاء والغير يكون إضافات وليس بديلاً .
ـ لنقل بصراحة المؤمنين بالنقد طريقاً لكشف العيوب والأخطاء، والتطوير، اننا لم ننجح في ذلك فتفرقنا شيعاً وىراء مختلفة، ومضى كل يغني مواويله الخاصة ويحاول الاستناد إلى هذا المحور أو ذاك.. ثم محاولة الدفع لوضع الملف السوري خارج إرادة وطموح الشعب والثورة.. وقد صارت القضية شبه مدوّلة، ودخل على خطها جهات كثيرة إقليمية وخارجية لدرجة أننا نسأل : إلى اي حد نحن اليوم أحرار في قرارنا؟؟، وإلى أي درجة نحن قادرون على الفعل والتأثير؟؟.. أم سنكون في موقع التابع والمتلقي، والمستجدي عون الخارجي ؟؟...
ـ الثاني يخض شربكة فهمنا للخارج.. فهناك من يضعه كله في سلة واحدة، يصبغه بلون واحد، ثم يطلق الرصاص عليه شتماً وبكائيات وكأننا فككنا الألغاز وتوصلنا للحلول، او فشينا خلقنا وكفى المؤمنين صراخاً..
ـ الخارج ليس دولة واحدة، ولا مشروعا واحداً، وليس بسوية واحدة، وبمواقف موحدة.. وإن كانت هناك رؤى عامة يلتقي فيها حول الوضع السوري فعلينا أن نقرأ التباينات بعين المسؤولية، وأن نعرف الفروقات والخلفيات والتنوع والالتباسات والاعتبارات التي تحرك مواقف الدول ...
ـ لنعترف جميعاً بالحقيقة الراسخة أن العلاقات تقوم على المصالح، وبالنسبة للدول الكبرى تندمج المصالخ برؤاها الاستراتيجية ومخططاتها القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى.. هي ترسم لوحة قادمها ولا يهمها الشعوب والخرائط والحقوق .. وأن الجميع، بمن فيهم الأشقاء العرب، ينكلقون من وحي سياساتهم ومصالحهم التي قد تتطابق، او تختلف، أو تتناقض، أو تتقاطع لمسافة معينة مع صبوات وحاجات الشعب السوري ..
لنعترف أيضاً أن مساعدات كثيرة منوعة قدّمت للشعب السوري من عديد الأشقاء والدول .. صحيح أنها غير كافية ولا تفي بالمطلوب الضروري، وأننا نطالب بالنوعي، خاصة في ميدان السلاح والعون المالي... لكن الجهد الرئيس لأعمال الإغاثة وكثير المجالات يستند إلى ما يقدم..وهذه حقائق لا يجب القفز فوقها كي نرفع العويل ب"يا وحدنا .." ..
ـ المسألة السورية شديدة التعقيد، ولأنها سورية الجيوسياسية، وسورية التاريخ والدور المميز، وسورية المفتاح والقلب النابض للعرب تزداد اللوحة تشابكاً، وقد دخلت على خطها عديد الأطراف.. خاصة الجانب الروسي الحالم باستعادة أمجادة الإمبراطورية عبر النفاذ من ثقوب وبوابات ضعف الإدارة الأمريكية وما لحق أمريكا من هزائم وتبعات ثقيلة في أفغانستان والعراق، ومثقلات الأزمة الاقتصادية ومفاعيلها.. لتكون سورية ـ ولسوء حظ شعبها ـ الورقة المهمة، أو قاعدة المقايضات والمساومات الكبرى لبقية الشؤون العالمية المختلفة . وحين الحديث عن سورية يحضر المشروع الإيراني بكل جبروته وعلاقته العضوية بنظام الطغمة . بكل الأوراق التي يلعب بها. بكل التهديدات الجدية. بكل الدعم الكبير الذي تقدمه..
ـ الولايات المتحدة رهينة عاملين متراكبين : طبيعة الإدارة الأمريكية وسياساتها التي تميل للحلول السياسية الناعمة، والابتعاد عن استخدام القوة، ومستوى تأثير الحركة الصهيونية في ذلك.. والنتيجة : تشجيع وضع الاستنزاف في بلادنا وتدمير الدولة ومؤسساتها، وشحن الوضع الداخلي بعوامل الاحتراب المذهبي..بينما هناك مروحة تفاوتات في المواقف الدولية يجب فرزها كي نتعاطى مع هذا الوضع من كوقع يعرف الخلفيات، وحدود المواقف فلا نقع في مطبات التهويل ولا الشتم..
ـ ولأن المسألة السورية بهذه الخصوصية . ولأن انتصار الثورة سيكون زلزالاً كبيرا في عموم المنطقة.. علينا فهم جوهر الثورة وما تواجهه، وأن نتصدى لدورنا وما نقوم به اساساً.. وقبل وضع اللوم على الآخر..
ـ نحن لم نكن ـ حتى اليوم ـ بمستوى عظمة الثورة. فلا حركة الشباب قدرت على إنتاج قيادات بمستوى المطلوب ـ والسباب كثيرة ـ ولا المعارضة ارتقت إلى حدّ المسؤولية المناط بها.. ولهذا يجب ترتيب البيت الداخلي أولاً، وأولاً .. ثم نحمل الآخر مسؤولياته ..