غاضبون نحن يا سيّد
( إلى الحاضرين هنا، المطران بولس اليازجي والمطران يوحنا إبراهيم)
مادونا عسكر
نحبّ أعداءنا، لكنّنا غاضبون يا سيّد.
نصلّي من أجل مضطهدينا، لكنّنا غاضبون يا سيّد.
نبارك لاعنينا، لكنّنا غاضبون يا سيّد.
نصلّي من أجل الّذين يسيئون إلينا ويطردوننا من أرضنا، لكنّنا غاضبون يا سيّد.
هي أسابيع آلام تمرّ وتقسو على قلوب أمّهات وأخوات وآباء وأبناء وأوطان، نُجلد فيها كلّ يوم يا سيّد، جلدة تلو الجلدة، حتّى يتعب السّوط من الجلد، ولا يتعب الجلّاد.
هي مسامير تُدقّ في أعناق تساق للذّبح الجسديّ والمعنويّ، والعالم في صمت أبكم، يستنكر ويستنكر ولا من يحرّك ساكناً. وماذا يفيد الاستنكار، وهل يُرجع من أصبح خلف أسوار من يريدون إصلاح المجتمع بالسّياسات التّكفيريّة؟ وماذا يفيد الاستنكار، وهل يطمئننا على من هم غائبون عنّا ولا ندري في أي صقع من هذه الأرض يصلّون، أو يتألّمون، أو يصرخون، أو...؟
هي خاصرة مجروحة يا سيّد، تنزف دماً يجهل سبب سفكه، ويروي أراضيَ بوراً، لا تنبت سوى مزيد من الحقد والغرائزيّة والعنصريّة. ويقولون لنا: إنّ ربيعاً سيزهر مع كلّ نقطة دمٍ، ولا نرى سوى جثث تنبت وتتمايل مع هبوب الرّصاص. ولا تُشبع عين قنّاص يعتلي سطح مبنىً، ويفجّر كبته بعنف لا يعرفه البشر بل حيوانيّة البشر.
أتكون معالم الرّبيع قد تغيّرت يا سيّد، فأزهرت بنادق الحقد وأنتنت الكون برائحة الدّم، بدل عطر زهر اللّوز؟ أو تكون الياسمينة راقدة تحت تراب يابس عفنٍ، والزّنبق ينحني باكياً على موت الطّهر والنّقاء؟ أيّ ربيع هذا الّذي لا يحلّ إلّا على أنقاض الجثث، والخراب. وأيّ ربيع هذا الّذي يخطف نور الشّمس ويقحم مكانه ظلمة دامسة؟
غاضبون نحن يا سيّد، ولكن نجّنا من أن نخطئ، فنسير مع الموتى ونحن القياميّون.
نجّنا من شرّنا، كي لا نسير في الهلاك ونحن أبناء النّور. ارحمنا من خوفنا ونحن الأقوياء بك، ومن حقدنا ونحن تلاميذ المحبّة والخدمة.
نجّنا من التّخلي عنك، فلا نعود نرى وجهك المطبوع فينا، فيختفي الرّجاء الأكيد بخلاصك.
لا تُدخلنا سيّدي في تجربة من يأتينا كملاك من نور، ليبيّن لنا أن مجد العالم هو الباقي.
تعال يا سيّد، تعال.
تعال واظهر مجدك، وابعث القيامة من رحم آلامك المجيدة. زلزل الكون بنورك الأزلي الّذي لا يضمحلّ، وبحبّك اللّامتناهي الّذي لا يفهمه الأرضيّون.
ارحم سيّدي، أبناءك أينما كانوا، وحوّل قلوب من يريدون الشّرّ إلى خير ومحبّة وسلام.
ارحمنا سيّدي، في هذا الأسبوع العظيم، فها نحن خاشعون وساجدون أمامك أيّها المتألّم معنا وعنّا، نتأمّل موتك على صليب المجد، لنعاين قيامتك المجيدة.