قراءة في المشهد السلفي (2 من 2)
قراءة في المشهد السلفي (2 من 2)
بدر محمد بدر
بين عشية وضحاها وجد قادة حزب "النور" أنفسهم يشكلون ثاني أكبر حزب سياسي في مصر، ولهم أكثر من مائة نائب برلماني اختارهم الشعب، في أول انتخابات حرة بعد الثورة، وبدأت صلاتهم بالمشهد السياسي والحزبي تقوى شيئا فشيئا، واقتربوا كثيرا من عتبة السلطة.
أجواء الطموح السياسي التي يعيشها قادة حزب "النور"، وهو طموح طبيعي لأي حزب، أدت إلى إحداث خلخلة في الصف الداخلي نتج عنها تغيير في هيئة القيادة، وفي كثير من مواقع الحزب في المحافظات، ونتج عنها أيضا اختلال واضح في الرؤية الإستراتيجية، ربما بسبب حداثة عمل القيادة بالعمل السياسي، وربما بسبب الإحساس بالمأزق الذي يشعر به الحزب، بعد ظهور أكثر من حزب سلفي منافس، وهو الأمر الذي أدى بالتالي إلى الوقوع في عدد من الأخطاء السياسية الواضحة.
لقد استغلت الأحزاب العلمانية هذا الطموح، ورغبة قيادة الحزب في الاقتراب أكثر من تولي السلطة، ونجحت في توريط قادة "النور" في تبني أجندة ما يسمى "جبهة الإنقاذ"، التي تطالب بتغيير الحكومة الحالية، وعزل النائب العام، وتعديل الدستور، وأيضا إطلاق الاتهامات المرسلة ب "أخونة" الدولة، في مواجهة التيار الإسلامي الأقوى (الإخوان)، وفي مواجهة الرئيس الشرعي المنتخب، والحديث عن مؤسسة الرئاسة بصورة غير لائقة وهي أمور خصمت بالتأكيد من رصيد الحزب سياسيا.
والغريب حقا أن مجمل تصريحات الرئيس الجديد لحزب النور الدكتور يونس مخيون، المنشورة في وسائل الإعلام المختلفة، هي في جانب كبير منها، عبارة عن هجوم على شركاء المشروع الإسلامي، ولعل تصعيد الحزب غير المبرر لأزمة إقالة الدكتور خالد علم الدين مستشار رئيس الجمهورية، يكشف إلى حد كبير تورط القيادة في إحداث حالة من الأزمة داخل دعاة المشروع الإسلامي، بدلا من الضغط لتقليص مساحة انتشار وتأثير المشروع العلماني وتقليل فرص نشاطه.
هذا السعي المتواصل للهجوم على الرئاسة والسلطة والإخوان، قد يكون له ما يبرره من الناحية السياسية البحتة، إنه رغبة في الإعلان عن أن حزب "النور" يختلف مع النظام القائم المحسوب على الإخوان، وعلى الجميع إدراك ذلك، حتى لا يتحمل الحزب الطموح نتائج "إحباط" رجل الشارع من وجود الإسلاميين في السلطة، لكن قادة الحزب لم ينتبهوا إلى أنهم يتعاملون مع جمهور شديد الحساسية لكل ما هو علماني، ولكل شبهة تنازل أو توافق مع الأحزاب الليبرالية واليسارية.
ويبدو أن قيادة "النور" أدركت خطورة العمل مع ما يسمى "جبهة الإنقاذ"، فسارعت مؤخرا بالابتعاد قليلا حتى تستعيد حصتها داخل التيار السلفي، لكنها أيضا تبنت أجندة غير سياسية، وهي اللعب على وتر الخوف من نشر "التشيع" في مصر، ورفض إقامة علاقات طبيعية مع إيران، مع أن مصر تقيم علاقات طبيعية مع دول بوذية وهندوسية وشيوعية دون أن تتحول عقيدة الشعب المصري، ناهيك عن أن رفض إقامة علاقات طبيعية مع إيران هو نفس ما يريده الصهاينة والأمريكان.
خصصت أغلب مقالي عن حزب "النور" لأنه الأقدم بين أحزاب التيار السلفي، ولديه ممارسة سياسية على الأرض يمكن مناقشتها ونقدها، ولكن هناك أيضا حزب "الوطن"، الذي أعتقد أنه اكتسب خبرة سياسية لا بأس بها، ربما تترجم إلى رقم جيد في الانتخابات المقبلة، وهناك حزب "الراية" الواعد الذي يقوده حازم أبو إسماعيل، وربما يكون هو الحصان السلفي الأسود في المنافسة البرلمانية القادمة.
في تقديري أن جمهور التيار السلفي أصبح الآن أكثر نضجا من الناحية السياسية، ولن يمنح صوته لأي حزب بناء على العاطفة وحدها.