دروس وعبر من الفتوحات العربية الإسلامية لبلاد الشام 4-8

دروس وعبر

من الفتوحات العربية الإسلامية لبلاد الشام

د. أبو بكر الشامي

إرهاصات ومقدّمات فتح الشام ( 4 )

لقد كانت فكرة الفتوحات العربية للشام وغيرها ، راسخة في عقل النبي الكريم صلى الله عليه وسلّم ، وأصحابه رضوان الله عليهم ، منذ اللحظة الأولى التي شرّفهم الله بهذه الرسالة العظيمة ، حيث عرفوا منذ وقت مبكّر ، بأن رسالتهم الخالدة هي رحمة للعالمين ، وليست مقتصرة على العرب وحدهم ، قال تعالى في قرآنه العظيم :

(( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) .

ولقد كان لبلاد الشام أهمية خاصة في نفوس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم وأصحابه ، كما رأينا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة ( فضل الشام ).

ولقد حدثت جملة من الإرهاصات والإشارات ، كانت المقدّمات الأولى لفتح الشام ، وهذه أهمها:

1.   القبلة الأولى :

 لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم خاتم الأنبياء والمرسلين ، ووارث رسالات جدّه إبراهيم ، كما كانت أمته هي خير الأمم ، ووارثة الدين ..

ولذلك فقد كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم ، وهم في مكة إلى بيت المقدس ويجعلون الكعبة بينهم وبينه ، فلما هاجروا إلى المدينة المنوّرة توجهوا إلى بيت المقدس قرابة سبعة عشر شهراً ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقلّب وجهه في السماء ، متمنياً على الله أن يخصّ أمته بقبلتها الخاصّة ، وهي الكعبة المشرّفة ، ولكنه كان يستحي من ربّه ، إلى أن أنزل الله عليه : (( ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره ))

فخصّهم بقبلتهم التي كانوا يرجونها .

ولاشك بأن القبلة الأولى للمسلمين جديرة بأن تكون جزءاً لا يتجزأ من هذه الأمة، وجديرة بأن يخلّصها العرب من براثن الرومان المشركين ، ويعيدوها إلى دائرة العقيدة الخاتمة ، والتوحيد الخالص .

2.   الإسراء :

كذلك كان في رحلة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم من مكة المكرّمة إلى بيت المقدس في فلسطين الشام ، ثم عروجه من هناك إلى السماوات العلى ، بدلاً من أن يعرج مباشرة من مكة إلى السماوات العلى ، دلالة عظيمة على الرابط الوثيق بين رسالات الله كلّها ، ودلالة أكيدة على تحول الرسالة من ذريّة إسرائيل إلى ذريّة إسماعيل ، ووراثة العرب لإرث النبوّة الخالد ...

ولذلك فقد كان فتح بيد المقدس ، واسترداده من أيدي الروم المشركين ، وإعادته إلى حضن العروبة والإسلام ، وتخليصه من لوثات الشرك والتثليث ، من صميم  رسالة العرب ، ومن أولى أولوياتهم كما ذكرنا ...

3.   نبوءات مبكّرة :

نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلّم وهو في طريق هجرته إلى سراقة بن مالك وبشارته له بأن يلبس سواري كسرى ...!!!

ونبوءة الرسول صلى الله عليه وسلّم للمسلمين ، وهو يحفر الخندق في العام الخامس للهجرة ، وبشارته لهم بفتح قصور الحيرة ، وقصور المدائن ، وقصور صنعاء ، وقصور الروم .!!!

4.   مدح القرآن والرسول صلى الله عليه وسلّم للشام وأهله :

ولقد فصّلنا ذلك في الحلقة الأولى من هذه السلسلة ( فضل الشام ) بما يغنينا عن الإعادة والتكرار .

 

 

 

5.   رسائل وكتب إلى الملوك :

بعد أن أبرم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، صلح الحديبية مع مشركي قريش راح يبعث الرسل والكتب إلى ملوك الأرض يدعوهم فيها إلى الإسلام ، ونبذ ما كانوا يعبدونه وأقوامهم من الأوثان ، أو يشركون مع الله آلهة أخرى :

فقد أرسل حاطب ابن أبي بلتعة إلى المقوقس عظيم القبط في مصر

وأرسل شجاع بن وهب الأسدي إلى ملك الغساسنة في دمشق .

وأرسل دِحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل عظيم الروم .

وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى برويز ملك الفرس .

وبعث عمرو بن أميّة الضّمري إلى النجاشي ملك الحبشة .

وبعث عمرو بن العاص السّهمي إلى جيفر وعبادا ملكي عُمان الأزديين .

وبعث سليط بن عمرو إلى ثُمامة بن أُثال وهوذة بن علي ملكي اليمامة الحنفيَين.

وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين .

وهذا يدلّ دلالة أكيدة على عظمة هذه الرسالة وخلودها وعالميّتها ...

6.   قتل الدعاة في ذات أطلاح :

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، في ربيع الأول من العام الثامن للهجرة الشريفة ، كعب بن عمير الغفاري على رأس مجموعة من الدعاة إلى ذات أطلاح على تخوم الشام الجنوبية في أطراف مؤتة ، لدعوة قبيلة قضاعة العربية إلى الإسلام ، ولكن مشركي قضاعة وثبوا على الدعاة وقتلوهم جميعاً ، فلما بلغ الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حزن حزناً شديداً ، وشقّ ذلك عليه ، وقرر أن ينتقم لأصحابه .

 

 

7.   قتل مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلّم في مؤتة :

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم الحارث بن عمير الأزدي برسالة أخرى إلى هرقل يدعوه فيها إلى الإسلام بعد أن سمع من دحية حسن رده على رسالته الأولى ، ولما نزل الحارث مؤتة من أطراف الشام ، تعرّض له شرحبيل بن عمرو الغسّاني ، ولما علم أنه من رسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، أوثقه وقتله صبراً ، ولم يُقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مبعوث قط سواه ، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلّم كثيراً .

8.   الحديدُ بالحديد يُفلّ :

دعاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى الشام يُقتلون غدراً ، ومبعوثه صلى الله عليه وسلّم إلى ملوك الشام يُقتل صبراً .!!! ما معنى ذلك .!؟

معناه أن باب الدعوة يصفق بالسيف .!!!

ولابد من فتحه بالسيف أيضاً ، فالحديدُ بالحديد يُفلح .!!!

وفي شهر جمادى الأولى من العام الثامن للهجرة ، جهّز رسول الله صلى الله عليه وسلّم جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل ، وجعل عليه زيد بن حارثة ، فإن استشهد فجعفر بن أبي طالب ، فإن استشهد فعبد الله بن رواحة ، وأمره أن يسير إلى مؤتة من أرض البلقاء في تخوم الشام ، لتأديب القبائل العربية التي تقف في وجه الدعوة هناك .

وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يذهبوا إلى المكان الذي قُتل فيه مبعوثة إلى هرقل ، الحارث بن عمير ، ويدعوا الناس إلى الإسلام ، فإن هم أجابوا إلى ذلك ، فبها ، وإن أبوا ، فالقتال ...

وأوصاهم فقال : (لا تغدروا ، ولا تغلّوا ، ولا تقتلوا وليداً ، ولا امرأةً ، ولا شيخاً فانياً ، ولا متعزّلاً بصومعة ، ولا تقربوا نخلاً ، ولا تقطعوا شجرة ، ولا تهدموا بناءً ...ألخ  ).

وما إن وصل المسلمون إلى مؤتة ، حتى فوجئوا بجموع هائلة من الروم وعملائهم من العرب ، تزيد على مائتي ألف مقاتل تنتظرهم ، وفي الحقيقة هم لم يأتوا لقتال الروم ، بل للدعوة إلى الإسلام ، وتأديب القبائل العربية التي تقف في وجه الدعوة ، ومع ذلك فقد قرروا خوض المواجهة مهما تكن النتائج ...

واستشهد في هذه المعركة غير المتكافئة قادة المعركة الثلاثة الذين عيّنهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، ثم آلت القيادة إلى خالد بن الوليد ، فاستنقذ الجيش ببراعته المعهودة ، وانحاز به إلى المدينة منتظراً فرصة أفضل .

9.   ذات سلسل :

وفي شهر جمادى الآخرة من العام الثامن للهجرة أيضاً ، وصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخباراً تفيد بأن جمعاً من قضاعة قد تجهزوا للإغارة على أطراف المدينة المنوّرة ، فجهّز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم قوّة سريعة جعل عليها عمرو بن العاص ، ثم أتبعها بقوّة أخرى عليها أبا عبيدة بن الجرّاح ،

فلما سمعت قبائل قضاعة بأن المسلمين يزحفون إليهم تفرّقوا في الصحراء ، وعاد المسلمون إلى مدينتهم سالمين ، بعد أن قذف الله الرعب في قلوب أعدائهم.

10.                      غزوة تبوك :

وكانت في أول رجب من العام التاسع للهجرة ، حيث وردت أنباء إلى المدينة عن حشود كبيرة للروم وعملائهم العرب من قبائل قضاعة على تخوم الشام الجنوبية، فتجهّز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بنفسه على رأس جيش يربو على ثلاثين ألف من الصحابة الكرام ، وتحرك المسلمون حتى نزلوا في منطقة تبوك فلم يجدوا أثراً لأعدائهم ، فأقاموا بضعة أيام ، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد إلى دومة الجندل في الشرق ففتحها ، ثم إلى إيلة في الغرب على البحر الأحمر وتيماء وجرباء وأذرح ، فصالحه أهلها على أداء الجزية .

ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأصحابه إلى المدينة بعد أدخل الرعب في قلوب المشركين ، حتى لا يفكّروا بالتحرش بالمسلمين بعد اليوم أبداً .

11.                      بعث أسامة بن زيد :

ثم عقد رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأسامة بن زيد لواءً ، على رأس جيش من المسلمين ، وأمره أن يسير إلى مؤتة حيث استشهد والده زيد ، كان ذلك في آخر يوم من صفر ، في السنة الحادية عشرة للهجرة الشريفة ، ولكن مرض  رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، ثم وفاته ، أخّرت خروج الجيش حتى ربيع الآخر من نفس العام بعد أن بويع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه .

وكان لخروج جيش أسامة أعظم الأثر في إخافة القبائل التي كانت تتربص بالمسلمين ، فلما رأوا  الجيش المسلم قالوا في أنفسهم : لو لم يكن المسلمون أقوياء بما فيه الكفاية ، لما أخرجوا هذا الجيش والجزيرة العربية تموج بالردّة ..

وبعد ... فهذه كانت أهم الإرهاصات والإشارات والمقدّمات لفتح المسلمين لبلاد الشام ، فلما سحق المسلمون حركة الردّة ، وحطّموا الأصنام ، واقتلعوا الشرك من جزيرة العرب ، خرجت جحافلهم  المظفّرة فانساحت شرقاً حتى أزالت دولة الفرس من الخارطة العالمية ، ووطئت حوافر خيلهم تربة الصين ، وأزاحوا حدود دولة بيزنطة إلى الشمال والغرب آلاف الكيلومترات ...!!!

فرضي الله عنهم وأرضاهم ، وجزاهم عن أمتهم خير الجزاء، وألهم أحفادهم من أبطال الشام النجباء ، التخلّق بأخلاقهم ، والسير على نهجهم ،   والجهاد على طريقهم ، حتى تحرير سورية الحبيبة من أرجاس اليهود والقرامطة والصفويين. (( ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء ، وهو العزيز الحكيم )) الروم(5) / صدق الله العظيم .

************

دروس وعبر من الفتوحات العربية الإسلامية لبلاد الشام

أبو بكر الصدّيق يعقد مجلس شوراه (5 )

لقد رأينا في حلقة سابقة من هذه السلسلة ، كيف أن الخليفة الراشد أبو بكر الصدّيق ( رض ) أراد أن يستثمر الزخم الجهادي المتدفّق للعرب ، والروح المعنوية العالية للمسلمين ، بعد قمع الردّة في جزيرة العرب ، وإخماد نار الفتنة فيها ، فأصدر قراره التاريخيّ الرائع  ( الفتوحات الإسلامية ) وفتح له باب التطوّع ، وبدأ بالعراق ، فأوعز إلى قائده المبدع خالد بن الوليد  ( رض ) _ وكان قد فرغ لتوّه من القضاء على المرتدّين ، وعلى رأسهم مسيلمة الكذّاب في اليمامة _ أن يدخل العراق من جنوبه الشرقي ، كما كتب إلى عِياض بن غنم ، وهو قائد آخر يلاحق فلول المرتدّين في منطقة الحجاز ، قرب دومة الجندل ، وأمره أن يدخل العراق من شماله الغربي ، بحيث يطبقان على غربيّ نهر الفرات بفكّي كمّاشة ، وأمرهما أن يلتقيا في الحيرة ، وأيهما سبق إليها فيكون هو الأمير ، ومنها يزحفان إلى المدائن عاصمة الفرس.!

ورأينا أيضاً كيف تحرّك الأسطورة خالد ( رض ) على رأس ثمانية عشر ألف مجاهد لتطبيق الخطة المرسومة ، فدخل العراق في شهر محرّم سنة اثنتي عشرة للهجرة ، الموافق لشهر نيسان من سنة (633 م ) مبتدئاً بثغر العراق الجنوبي ( الأُبلّة ) التي كانت أشهر ميناء على شط العرب ، والتي تبعد عن موضع البصرة الحالية ( التي لم تكن موجودة ) حوالي أربعة فراسخ ( 22 كم ).

ولم تمض إلا ثلاثة أشهر فقط ، حتى حقّق خالد أهدافه ، ووصل إلى غايته ، ودخل الحيرة فاتحاً في منتصف شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة للهجرة النبوية الشريفة ، الموافق لشهر أيار سنة 633 ميلادية ، بعد أن خاض مع الفرس عدّة معارك عسكرية مظفّرة ، حطّم فيها جيوشهم ، وأرعب جندهم ، وكسر ظهرهم ، ودوّخ قياداتهم ، وكان يسبقه صيته مسيرة شهر .

ثم أرسل خالد رضي الله عنه الغنائم وبشرى النصر إلى الخليفة الصدّيق في المدينة المنوّرة مع شرحبيل بن حسنة ، فوصل المدينة في السابع والعشرين من نفس الشهر ، ففرح الصدّيق والمسلمون في المدينة فرحاً عظيماً بهذا الإنجاز العظيم ، وجمع الصدّيق من فوره مجلس المستشارين من كبار الصحّابة ، من وجوه المهاجرين والأنصار ، وممن شهد بدراً ، وقال لهم بعد أن حمد الله تعالى ، وصلى على نبيّه صلى الله عليه وسلّم :

( إن الله تعالى لا تُحصى نعمه عليكم ، فله الحمد كثيراً على ما اصطنع لكم ، فجمع كلمتكم ، وأصلح ذات بينكم ، وهداكم إلى الإسلام ، ونفى عنكم الشيطان ، فليس يطمع في أن تشركوا بالله ، وتتخذوا معه إلهاً غيره ، والعرب اليوم أمّة واحدة ، وقد أردت أن أستنفركم للروم في الشام ، ليؤيد الله المسلمين ، ويجعل كلمته هي العليا ، فمن هلك ، هلك شهيداً ، وما عند الله خيرٌ للأبرار ، ومن عاش ، عاش مدافعاً عن الدين ، مستوجباً من الله عزّ وجلّ ثواب المجاهدين ...

هذا رأيِ الذي رأيت ، فليشر عليّ كل امرئ بمبلغ رأيه )

فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : ( الحمد لله الذي يخصّ بالخير من يشاء من خلقه ، واللهِ ما استبقنا إلى شيء من الخير ، إلا سبقتنا إليه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ...

والله لقد أردتُ لقاءك لهذا الرأي الذي ذكرت ، فما قضى الله أن يكون ذلك حتى ذكرته الآن ، فقد أصبت ، أصاب الله بك سُبُل الرشاد ، فسرّب إليهم الخيل في إثر الخيل ، وابعث إليهم الرجال تتبعها الرجال ، والجنود تتلوها الجنود ، فإن الله عزّ وجلّ ناصر دينه ، ومعزّ الإسلام وأهله ، ومنجزٌ ما وعد رسوله )

فسُرّ الصدّيق لكلام عمر رضي الله عنهما سروراً عظيماً ، ودعا له بخير ...

ولكنه أراد أن يسمع المزيد من الآراء ، فأردف قائلاً : ( ماذا ترون ، رحمكم الله .!؟ ) .

فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلى على رسوله ، وقال : ( أنا أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين ، عليهم شفيق ، فإذا رأيت رأياً فيه خيرهم ورشدهم وصلاحهم ، فاعزم على إمضائه غير ظنين (أي لست عندنا موضع شك واتهام وسوء ظن ) ولا متّهم ) ...

فقام طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد وغيرهم من الحاضرين فقالوا : ( صدق عثمان فيما قال ، ما رأيتَ من رأيٍ فأمضه ، فإننا سامعون مطيعون لك ، لا نخالف أمرك ، ولا نتهم رأيك ، ولا نتخلّف عن دعوتك ) ...

ففرح الصدّيق لكلامهم الرائع هذا فرحاً عظيماً ، ودعا لهم بخير ...

ولكنه نظر فرأي علياً صامتاً ، فقال : (ما ترى يا أبا الحسن .!؟ )

فقال عليّ رضي الله عنه : (أرى أنك مبارك الأمر ، ميمون النقيبة ، وأنك إن سرت إليهم بنفسك ، أو بعثت أحداً غيرك ، فإنك منصور بإذن الله )

فصاح أبو بكر بأعلى صوته : (الله أكبر ، بشّرك الله بالخير ، فمن أين عرفت هذا يا أبا الحسن .!؟ )

فقال عليّ كرّم الله وجهه : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : لا يزال هذا الدين ظاهراً على كلّ من ناوأه ، حتى يقوم الدين وأهله ظاهرين ).

فقال أبو بكر رضي الله عنه : ( سبحان الله ، ما أحسن هذا الحديث ، لقد سررتني ، سرّك الله في الدنيا والآخرة )...!!!

وانتهى مجلس الشورى ، وخرج الصدّيق من فوره فجمع الناس في المسجد  وقام فيهم خطيباً فقال بعد أن حمد الله ، وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلّم : ( أيها الناس ، إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام ، وأعزّكم بالجهاد ، وفضّلكم بهذا الدين على أهل كل دين ، فتجهّزوا عباد الله لغزو الروم بالشام ، فإنّي مؤمّر عليكم أمراء ، وعاقد لهم ألوية ، فأطيعوا ربّكم ، ولا تخالفوا أمراءكم ، ولتحسن نيّتكم وسيرتكم ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )

ثمّ أرسل الصدّيق يستنفر العرب في أرجاء الجزيرة العربية ، فزحفت إليه جموع المؤمنين بالآلاف ، وعسكروا في معسكر الجرف على أطراف المدينة المنوّرة ، منتظرين إذن الخليفة لهم بالتحرّك ....!!!

يا للعظمة ...!!! و يا للروعة ...!!! و يا لألق التاريخ ...!!!

قد يظنّ ظان بأن إيراد هذه النصوص هو حشو زائد عن حاجة البحث ، ونحن نتحدث عن معارك حربية ...  ولا والله ، ما هو بحشو ، ولا هو زائد عن حاجة البحث ، بل هو روح البحث ، وجوهره ...

وهو مفتاح ذلك السرّ العظيم ، لذلك التحول الكوني الهائل ، الذي أحدثه أولئك الصحابة العمالقة رضوان الله عليهم ، الذين رشّدوا بجهادهم العصر ، وعدّلوا بأخلاقهم مسار التاريخ ، وغيّروا بتضحياتهم خارطة العالم ، فمسحوا دولة الفرس من الوجود ، وأزاحوا حدود دولة بيزنطة إلى الشمال والغرب آلاف الكيلومترات ، كل ذلك في أقل من ربع قرن ، وهو عمل جبّار بكل المقاييس ، ويعجز غيرهم عن إنجازه في دهور وقرون ...

فرضي الله عنهم وأرضاهم ، وجزاهم عنّا وعن أمتهم خير الجزاء ، ورزقنا الله التأسي بهم ، والتخلّق بأخلاقهم ، والسير على نهجهم ، والجهاد على طريقهم ، حتى نحرر شامنا الحبيبة من أرجاس اليهود والقرامطة والمجوس الصفويين ...

(( ويقولون متى هو .. قل عسى أن يكون قريباً )) صدق الله العظيم

***************

بسم الله الرحمن الرحيم

دروس وعبر من الفتوحات العربية الإسلامية لبلاد الشام

تحرك جيش يزيد بن أبي سفيان (6 )

نظر أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى معسكر المسلمين في الجرف ، على أطراف المدينة المنوّرة ، فوجده يغصّ بالمجاهدين ، وهم في أحلى هيئة ، وأبهى صورة لهم ، فعقد أول لواء في فتوح الشام ، وكان من نصيب يزيد بن أبي سفيان  رضي الله عنه ، وأمره أن يتحرك بجيشه ، وحدد له مساره على طريق التبوكية ، كما حدد له وجهته النهائية ، وهي دمشق ...

وتحرك يزيد بجيشه في الثالث والعشرين من رجب ، لسنتة اثنتي عشرة للهجرة النبوية الشريفة ، وخرج أبو بكر رضي الله عنه يودّعه ، يزيد راكب ، وأبو بكر يمشي ...!!!

فقال يزيد : يا خليفة رسول الله ، لتركبنَّ ، أو لأنزلنَّ ، فإني أكره أن أركب وأنت تمشي ...!!!

فقال الصدّيق : ( والله لا تنزل ، و والله لا أركب ، وماذا عليّ أن أغبّر قدميَّ في سبيل الله ساعة ، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( من اغبرّت قدماه في سبيل الله ، فقد حرّمهما الله على النار )...!!!

ثم بدأ يودّعه ، ويوصيه ، فقال : ( يا يزيد ، إنّي أوصيك بتقوى الله وطاعته ، والإيثار له ، والخوف منه .

وإذا لقيت العدوّ فأظفرك الله بهم فلا تغلُل ، ولا تمثّل ، ولا تغدر ، ولا تجبن .

ولا تقتلوا وليداً ، ولا شيخاً كبيراً ، ولا امرأةً ...

ولا تحرقوا نخلاً ، ولا تعرّفوه ( أي تقشّروه وتفسدوه ) ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تعقروا بهيمة إلا لمأكلة .

وستمرّون بقوم في الصوامع يزعمون أنهم حبسوا أنفسهم لله ، فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له .

فإذا لقيتم العدوّ من المشركين ، فادعوهم إلى الإسلام ، فإن هم أجابوكم لذلك ، فاقبلوا منهم ، وكفّوا عنهم ، وإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام ، فادعوهم إلى الجزية ، فإن فعلوا ، فاقبلوا منهم ، وكفوا عنهم ، فإن هم أبوا ، فاستعينوا الله عليهم وقاتلوهم ، ولينصُرنَّ اللهُ من ينصره ، ورسله بالغيب .

يا يزيد ، إذا قدمتْ عليك رُسُلُ عدوّك ، فأنزلهم في ثروة عسكرك ، وأكرم منزلتهم ، فإنه أول خيرك إليهم .

وأقلل حبسهم في معسكرك ، حتى يخرجوا وهم جاهلون بما عندك .

وامنع أصحابك من محادثتهم ، وكن أنت الذي تلي كلامهم .

ولا تجعل سرّك مع علانيتك ، فيمزج ( يختلط ) أمرك .

وإذا استشرت ، فاصدُق الخبر ، تُصدق المشورة ، ولا تكتم المستشار ، فتُؤتى من قبل نفسك .

  وإذا بلغك عن العدوّ عورةً ، فاكتمها ، حتى تعاينها .

واستر في عسكرك الأخبار .

واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار ، وتنكشف عنك الأستار .

وأكثر حرسك ، وبدّدهم في عسكرك ،  وأكثر مفاجأتهم في ليلك ونهارك بغير علم منهم ، فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه ، وعاقبه في غير إفراط .

ولا تغفل عن أهل عسكرك ، فتفسدهم ، ولا تجسّس عليهم ، فتفضحهم .

وأصدق اللقاء إذا لقيت العدوّ ، ولا تجبن ، فيجبن من سواك ) ...

ثم أخذ أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه بيده ، وقال : ( أستودعك الله ، وعليك سلام الله ورحمته )...

ثم التفت أبو بكر رضي الله عنه إلى الجيش ، وقال : ( صفّوا إليَّ صفّاً واحداً حتى آتيكم ) ، فمرّ على أولهم ، حتى أتى على آخرهم ، يسلّم عليهم فرداً  ، فرداً ، ويودّعهم .

ثم رفع الصدّيق يديه إلى السماء ، بهذا الدعاء : ( اللهم ، إنك خلقتنا ولم نك شيئاً ، ثمّ بعثت إلينا رسولاً ، رحمة منك لنا ، وفضلاً منك علينا ، ، فهديتنا وكنّا ضُلّالاً ، وحبّبت إلينا الإيمان وكنّا كفاراً ، وكثّرتنا وكنا قليلاً ، وجمعتنا وكنّا أشتاتاً ، وقوّيتنا  وكنّا ضعافاً ...

ثمّ فرضت علينا الجهاد ، وأمرتنا بقتال المشركين ، حتى يقولوا لا إله ، إلا الله ، أو  يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ...

اللهم ، إنا نطلب رضاك ، ونجاهد أعداءك ...

اللهم ، فانصر عبادك المجاهدين ، على عدوّك من المشركين ...

اللهم ، افتح لهم فتحاً يسيراً ، وانصرهم نصراً عزيزاً ، واجعل لهم من لدنك سلطاناً نصيراً .

اللهم ، أشجع جبنهم ، وثبّت أقدامهم ، وزلزل عدوّهم ، وأدخل الرعب في قلوبهم ، واستأصل شأفتهم ، واقطع دابرهم ، وأبد خضراءهم ، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم .

اللهم ، كن لنا ولياً ، وبنا حفيّاً ، وأصلح لنا شأننا كلّه ، واغفر لنا يا كريم  )..

ثم خاطب الجيش فقال : ( ثبّتنا الله وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة،  إنه بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم ) ...

وتحرك الجيش الفاتح ، ووجهته النهائية دمشق ، وطريقه التبوكية كما ذكرنا ، أنظر الخارطة ... وفي نفس اليوم الذي تحرّك فيه جيش يزيد ، كان خالد بن الوليد ، وعياض بن غنم رضي الله عنهما يفتحان دومة الجندل ، ويطهران الطريق الشمالية أمام جيوش الشام الزاحفة ...

تُرى ... فأين جنرالات الحروب ، وقادة الفيالق ، ومنظّروا الستراتيجية ، وضباط أركان الأكاديميات العسكرية ، ومدرّسوا القيم والأخلاق الإنسانية ...

ليأتوا ، ويركعوا ، أمام هؤلاء الصحابة الكرام ، والقادة العمالقة ، رضوان الله عليهم ، فيتعلّموا : فنون الستراتيجية ، ودروس الحرب ، وأخلاق الفروسية ...

والله الذي لا إله إلا هو ، لو صنع هذا التاريخ : الاسكندر المقدوني ، ونابليون بونابرت ، ورومل ، ومونتجمري ، وكلاوزفتز ، وغيرهم من ضباط أوربا ، عشر هذا التاريخ المشرق ، لصنع لهم الأوربيون تماثيل من ذهب ، وحجّوا إليهم كما يحج المسلمون إلى الكعبة المشرّفة ...!!!

فهل نقتدي بهم ، ونحن أولى الناس بهم ، ونتخلّق بأخلاقهم ، ونجاهد جهادهم ، ونسير على نهجهم ، حتى يحقق الله على أيدينا تحرير الشام الحبيبة من أرجاس اليهود ، والقرامطة الحشّاشين ، وأسيادهم المجوس الصفويين ، أو نلقى الله على ذلك ...!!!؟

هذا ما نرجوه مخلصين ، ونعمل من أجله جاهدين ، والله غالب على أمره ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون ...

*****************

دروس وعبر من الفتوحات العربية الإسلامية لبلاد الشام

تحرّك جيش شرحبيل بن حسنة ( 7 )

بعد ثلاثة أيام من تحرّك جيش يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه ، الذي نزل البلقاء من أرض الأردن اليوم ، وكانت وجهته النهائية دمشق ، تحرك شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه على رأس جيش آخر ، وسلك التبوكية أيضاً ، وهو نفس الطريق الذي سلكه يزيد ...

وخرج أبو بكر رضي الله عنه في وداع شرحبيل وجيشه ، وهو يقول :

(يا شرحبيل ، ألم تسمع وصيّتي ليزيد بن أبي سفيان .!؟

قال شرحبيل : بلى ، يا خليفة رسول الله ..

قال الصدّيق : فإنّي أوصيك بمثلها ، وأوصيك بخصال أغفلت ذكرهنَّ ليزيد : أوصيك بالصلاة في وقتها ، وبالصبر يوم البأس ، حتى تظفر أو تُقتل ، وبعيادة المرضى ، وحضور الجنائز ، وذكر الله كثيراً على كلّ حال .

فقال شرحبيل : الله المستعان ، وما شاء الله أن يكون كان . )

وودّع شرحبيل أبا بكر رضي الله عنهما ، وسار بجيشه في إثر يزيد ...

وظل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يؤم من تبقى من الجند في المعسكر ، وهم ينتظرون في كل يوم أن يأذن لهم أبو بكر بالتحرّك أيضاً ...

وأبو بكر ينتظر قدوم المزيد من المجاهدين من أرجاء الجزيرة العربية ، ليشحن بهم أرض الشام ، في خطة قريبة من خطة فتح العراق ...

حيث رأينا كيف أمر أبو بكر الصدّيق ، خالد بن الوليد ، وعياض بن غنم ،رضي الله عنهم جميعاً بالإطباق على غربي نهر الفرات من أرض العراق بفكي كماشة ، حتى يصلا الحيرة ، ثم ينقضّا على المدائن عاصمة الفرس من نقطة ارتكاز متقدّمة في الحيرة ، بعد أن يكونا قد أمّنا أجنبهما ومؤخرتهما ...!!!

وها هو يطبّق خطة مشابهة في فتح الشام ، فهو يحرّك أكثر من جيش للإطباق على شرق وجنوب الشام ، بهدف إرباك العدوّ ، واستنزاف موارده ، وتدويخ قياداته ، وتشتيت جهده القتالي ...

ثم ، استجماع الجيوش عندما يلزم الأمر ، لتوجيه الضربة القاضية لعدوّ منهك .!!!

البساطة ، والوضوح ، من أهم عناصر الخطة الناجحة ...

فما أبسطها ، وما أوضحها ، وما أروعها ، من خطة ...!؟

وأين هي الأكاديميات العسكرية المعاصرة ، لتدرّس هذه الفنون الباهرة في التكتيك والستراتيجية وعلوم الحرب .!؟

****************

دروس وعبر من الفتوحات العربية الإسلامية لبلاد الشام

أبو عبيدة ، القائد العام للجيوش العربية الإسلامية في الشام ( 8 )

تحرّك يزيد بن أبي سفيان بجيشه ، ثم تبعه شرحبيل بن حسنة بجيشه ، وبقي أبو عبيدة عامر بن الجرّاح ، يصلّي بمن تبقى من الجند في معسكر الجرف على أطراف المدينة المنوّرة ، ينتظرون إذن الخليفة بالتحرّك ...

وسيل المجاهدين ما يزال يتدفّق على المعسكر من جميع أرجاء الجزيرة العربية ، وخاصة من اليمن ، وفيهم وجوه القبائل ، وغرر العرب ، وصلحاء المسلمين ...

عندها أمر أبو بكر أبا عبيدة رضي الله عنهما ، بالتحرّك ، وجعله قائداً عاماً للجيوش العربية الإسلامية في الشام  كلّها ، إذا اجتمعت ، وخرج في وداعه ، وهو يقول :( يا أبا عبيدة ، إسمع سماع من يريد أن يفهم ما قيل له ، ثم يعمل بما أُمر به

إنك تخرج في أشراف الناس ، وبيوتات العرب ، وصلحاء المسلمين ، وفرسان الجاهلية .

كانوا يقاتلون إذْ ذاك على الحميّة ، وهم اليوم يقاتلون على الحسبة والنيّة الحسنة.

فأحسن صحبة من صحبك منهم ، وليكن الجميع في الحق عندك سواء .

واستعن بالله ، وكفى بالله وكيلاً .

يا أبا عبيدة ، إني قد رأيت منزلتك من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وتفضيله إياك ، وأحبّ أن تعلم منزلتك منّي ، وكرامتك عليّ .

والذي نفسي بيده ، ما على الأرض من المهاجرين ، وغيرهم ، رجل أعدله بك ، ولا هذا (وأشار إلى عمر بن الخطاب ) ، ولا له منزلة منّي ، إلا دون ما لك ... )

ثم سار معه في جمع من المهاجرين والأنصار حتى بلغوا ثنيّة الوداع ، فلما حانت ساعة الفراق ، قال : ( يا أبا عبيدة ، إعمل صالحاً ، وعش مجاهداً ، وتوفَّ شهيداً ، يعطك الله كتابك بيمينك ، ولتقرَّ عينُك في دنياك وآخرتك ، فو الله إني لأرجو أن تكون من التوابين الأوابين الخاشعين الزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة .

 إن الله قد صنع بك خيراً ، وساقه إليك ، إذ جعلك تسير في جيش من المسلمين ، إلى عدوّ من المشركين ، فقاتل من كفر بالله ، وأشرك به ، وعبد معه غيره )

فأما أبو عبيدة رضي الله عنه ، فقد ردّ التحيّة بأحسن منها ، وأجابه يقول :

( رحمك الله ، يا خليفة رسول الله ، فو الله إني لأشهد بفضلك في إسلامك ، ومناصحتك لله ولرسوله ، ومجاهدتك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم من تولّى عن دين الله ، حتى ردّهم الله بك إلى الدين صاغرين .

ونشهد أنك رحيمٌ بالمؤمنين ، ذو غلظة على الكافرين .

فبارك الله لك فيما علّمك ، وسدّدك فيما حمّلك ، فإني إن أك صالحاً فلربّي المنّة عليّ بصلاحي ، وإن أك فاسداً فهو وليّ صلاحي ، وأما أنت ، فإنا نرى لك من الحق علينا ، أن نجيبك إذا دعوتنا ، وأن نطيعك إذا أمرتنا .  )

وتحرّك أبو عبيدة في السابع من شعبان ، لسنة اثنتي عشرة للهجرة ، وسلك نفس طريق التبوكية التي سلكها إخوانه من قبله ، حتى بلغ الجابية ، جنوب دمشق ...

ألف شكر لرواة التاريخ الأمناء ، الذين أثبتوا لنا هذه النصوص الباهرة ...!!!

وأيم الله إنها لكنوز ، تشرّف التاريخ الإنساني ، وتصلح لتدريس مادة الأخلاق الحربية في أرقى العاهد والجامعات والأكاديميات العسكرية والستراتيجية...!!!

فهل نقتدي بهم ، ونتخلّق بأخلاقهم ، ونسير على دربهم ، ونجاهد جهادهم ، ونضحّي تضحياتهم ...!!!؟

هذا ما نرجوه مخلصين ، ونعمل من أجله جاهدين ، والله غالب على أمره ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون ...