الطبخ والطباخين

الطبخ والطباخين

عقاب يحيى

اشتهرت بلاد الشام على العموم، وسورية بوجه الخصوص بالمهارة في الطبخ وتنوع المأكولات، والحلويات.. خاصة في مدنها الكبيرة، وبالأخص : دمشق وحلب، وما بينهما من تنافس على مر الأزمنان.. فأهل حلب يعتبرون أنفسهم أهل فوز واختصاص في عديد المأكولات والحلويات.. خاصة الكبة والكباب والكفتة.. وغيرها، وأهل دمشق الذين يبزونهم يريدون أن يقولوا أنهم الأغنى تنوعاً، والأمهر، والأكثر أناقة وتحضراً.. وكثير من كلام في الطبخ والطباخين.. وبعض الذين اشتهروا، وعديد المغمورين.. في حين نلاحظ شبه غياب لأسماء مشهورة من النساء رغم أنها سيدة البيت والمطبخ في البيوت.. وكان هذا بدوره يطرح، وما يزال، قصة التفوق..فتنتفخ أوداج الذكورة معلنة أنها تملك " الجينات" البارزة في التفوق.. ليس في القوة والعضلات وحسب.. بل حتى في ميدان اعتبر اختصاصاً للمرأة ..

ـ نترك الطبخ والمطبخ والطباخين في مجال الأكل والحلويات.. ونأتي على الطبخ السياسي والطباخين.. والتي اشتهرت به سورية أيضاً، خاصة في عزّ تجربتها الدجيمقراطية، ومعارك المنافسة الانتخابية، والطبخات السياسية والعسكرية والانقلابية وغيرها .. ويمكننا هنا اعتبار المجرم، الطاغية الأكبر : حافظ الأسد من أكثرهم مهارة، وباطنية حين نجح ولسنوات مديدة في إظهار غير ما يبطن فغشّ رفاقه وأقرب من يعرفونه الذين كانوا يصفونه بالسذاجة، والبساطة، والمحدودية، والغباء، وقلة الثقافة والإمكانية، في حين كشفت الأيام أنه يعدّ نفسه منذ سنوات مديدة لأن يكون الأوحد، والمتفرد، والوارث والمورٍّث، وأنه مليء بالخبث، ومزدوج تمكن من أن يغطي مشروعه سنوات عديدة ليظهر وحشاً نرجسياً عابداً للسلطة والتفرد حتى النخاع..

******

طباخو المعارضة فشلوا في تركيب طبخات مناسبة لبلدهم، ولم يكونوا وحدهم السبب، فقد اجتمعت عليهم ظروف ومصاعب شتى حدّت من بروز فرادة بعضهم، وطمست جميع محاولات الطبخ والذين لدعت، أو احترقت ايديهم على مرّ العقود لأنها لم تثمر.. والتاريخ لا يسجل ما يقوم به المهزومون، ولا يعترف بغير المنتصرين.. الذين يقتحمون التاريخ ويقسرونه بما يريدون، ولو تشويهاً، وتزييفاً ..

ـ مع الثورة السورية انفتحت الشهية على الطبخ، والنهم.. وتذوق أصناف مألوفة من أكلات معروفة، ودخل على الخط طباخون جدداً، بعضهم لم يتخرج بعد من مطابخ مسجلة، وبعضهم يتعلم بطريقته، أو عبر عدد من المستشارين والأدلاء..فكثر الطباخون والطبخات..

بعض الطبخات ساذجة.. تشوط وتحترق فتخرج روائحها تزكم الأنوف، وبعضها يتمّ طهيه بوسائل بدائية عبر الكهوف والسراديب، وهناك من يرفض استخدام الوسائل الحديثة في الطبخ، أو أن يعطي سرّ الطبخ لغيره كي يبقى منفرداً، متفرداً.. وهناك من يتحسر محاولاً التعلم لكنه لا يملك القدرة والوسائل فيكتفي بالصراخ عن شطارته وطبخاته التي يرفض الآخرون الاقتراب منها وتذوقها ..وهناك من يثتوهم وجود طبخات سرية تحضّر في غرف سرية مغلقة، وبوجود خبراء أجانب يرفضون الأكلات الشرقية وتنوعها، ويحتجون بتعقيدها والوقت الذي تستهلك.. فيتحدثون عن كثير الطبخات التي تعدّ تحت طاولات أنيقة لها ستائر سميكة لا يرى أحد ما يجري فيها..وعن الأفواه السورية المفتوحة لالتهام أي شيء يأتي من الأجنبي، وذلك التنافس التناطحي بين النهمين لالتهام الأكثر، والاستحواز على كل الطبخة، أو جلها، وحرمان الآخرين منها ..

ـ وفي الهيئات السورية القائمة يظهر طباخون معروفون، وآخرون في الخفاء.. يحاولون ـ توفير الوقت والجهد على الآخرين ـ شركاءهم فيها ـ لتقديم وجبات سريعة جاهزة وساخنة من كل الأنواع.. وبالمجان أحياناً.. أو بأسعار مغرية في الغالب..

ـ البعض لا يعرف كنه الطبخ السري.. فيعتصر الحنق حتى الانفجار، والبعض ما زال " دقة قديمة" يرفض الطبخ الأحادي فيتكوّر، أو يعزل.. وما يزال الطبخ قائما " على قدم وساق"، وما زال الطباخون يمارسون هواياتهم وإدمانهم ..