شيء عن الشيوعيين ..

عقاب يحيى

كان الشيوعي ... زماااان ثورة على الواقع. البعض أبحر كثيراً في مفاهيم الثورة، والصراع الطبقي، وإإنشاء دكتاتورية البروليتاريا.. ورحلنا في الموج الكبير كمحاولة لإيجاد مخرج نظري وعملي لآزماتنا . درس كثيرنا الماركسية واللينينية. انبهر بها وقتاً، وبعد شيء من التمثل والهضم.. صار بالإمكان وضع اليد على عديد الثغرات البنيوية. على المراهنة الكبرى التي أقحمها لينين بفعل الواقع السوري باستبدال الظرف الموضوعي بالذاتي اقتحاماً وقسراً . انتفخ الذاتي وتغوّل فأكل الفكمرة ونبت الحزب مكانه. اهترأ الحزب تحت ضربات الأحادية والاستبداد، فكان ستالين الكل بالكل. النظرية والحزب والواقع الذاتي.. فتراخى الموضوعي في عتمة التلاشي..ونام ماركس مكتئباً.. لأنه اقام شيئاً على بنى مختلفة ولم يخطر بباله أن مجتمعاً نصف رأسمالي ـ نصف زراعي يمكن أن يدخل الاشتراكية ويطبق دكتاتورية البروليتاريا بحفنة من العمال، وكثير من الشعارات ..

ـ شيوعو الشرق، أو الوطن العربي نشأوا في اغتراب الفكر عن الواقع. ارتبط كثيرهم بالرفيق" الأكبر" فناموا على وهجه سنوات. تركوا الواقع وتعلقواغ بما يأتيهم . استراحوا من عناء فهم الخصوصية ومركبات مجتمعاتهم، وموقع القومية، والدين، والروحانيات عموماً فيها، ولفظوا نظرياً كل ذلك في الأقوال والأماني..ورقدوا على ما اعتبروه الأماني القادمة حين تنهض البروليتاريا من زخم البرجوازية.. وحين لم تنجز البرجوازية ذلك تعللوا بالبدائل.. وجاءت " البرجوازية الصغيرة"، بل عسكرها الطامحين للحكم والتفرد.. فتعاوزنوا.. وغلت الشعارات في مرجل التكييف والتدجين.. فخرجت مبرقعة بألوان متناقضة.. ثم أن الكثير تمسّك بما يعتبره الصراع الأساس، والرئيس احيانا.. اي طالما أن هناك نظاماً ما .. أي نظام ـ يرفع شعارات معاداة الإمبريالية والرأسمالية ولو في هواء الاستبداد والقمع، وفي خيم التخلف والماضوية المغلقة.. فلا بأس من منحه البركات والتأييد، والتعاون معه ..

ـ حين قام الطاغية الأكبر بانقلابه المفضوح، المشبوه على نوايا ترسيخ خط وطني رافض للصلح مع إسرائيل.. اتهموه، لأيام قلائل، بالارتباط والعمالة مع الإمبريالية، والأمريكية منها بالتحديد . وصفوا ذلك كثيراً، وتحدثت رموز كبيرة منهم عن وثائق لديهم، وعند " الرفيق الأكبر" تؤكد ارتباط الانقلاب التفحيحي بالدوائر الغربية، وبعلاقات مشبوهة للطاغيةى الأكبر بالولايات المتحدة الأمريكية، وحتى إسرائيل..

ـ أيام فقط انقلبت تلك الحقائق إلى بحيرة للصيد في بيان" الحركة التصحيحية" فوجدوا فيه اسماكاً ذهبية يمكن أن تصبح حيتاناً يتغذون بها " الجبهة الوطنية التقدمية. وجاءت الأوامر من موسكو.. ان انسوا كل ما قلتموه وقلناه لكم عن الطاغية الأكبر وتعانوا.. وهي فرصتكم ..فتعاونوا.. وزادوا في ذلك حتى الانغماس .

ـ تعاونوا كثيراًن وركب بعضهم سيارات المارسيدس، وملأ جيوبه بنعم" القائد" في الجبهة والوزارات والإدارات.. فعلا صراخ التنظير عن الصراع الرئيس وتجلياته، وعن القائد العظيم الذي يناطح الإمبريالية فيشبعها تلطيخاً بالصفات.. وانهالت الصفات عليه تستعرض نفسها في وسائل الإعلام بينما سوس النخر يسري في وسط تلك الأحزاب..

ـ " الحزب الشيوعي ـ المكتب السياسي" بقيادة المناضل رياض الترك ومجموعة من رفاقه الذين كان كأسهم قد فاض من واقع الحزب، وحجم تدخلات"الرفيق الأكبر"، ومن مستوى الحياة الداخلية وجمودها وعاهاتها قرروا، وقبل سنوات، خط طريق آخر يستوعب خصوصيات الوضع العربي، وموقع القومية والوحدة وفلسطين فيه . صحيح أنهم تعاونوا مع حكم الطاغية بضع سنوات.. لكنهم ارادوا أن يكونوا متميزين، بينما غرق الحزب الشيوعي بقيادته التاريخية ـ بكداش ـ وبقية الصحب ـ في أدلجة الانتهازية وإعطائها نوعا من تنظير بائس انعكس عليهم وعلى سمعتهم ودورهم.. فتنتفوا وانشقوا، وأصيبوا بالهزال وفقر الدم، وبمزيد من الانشطارات الرسمية وعمليات التبطيل فصار الحزب ثلاثة، وتحول إلى شكل وراثي يرتع فيه صدى التوريث الخبيث الذي حدث باستلام بشار الرئاسة المفروضة، وتهديم صرح الجمهورية ..

ـ الشيوعيون هؤلاء ما زالوا غافين في وحول مألوفهم، وما زالوا رغم الزلزال السوري جزءاً من هوامش النظام المجرم، وما زال تنظيرهم عن المؤامرة يثير غباراً بعيداً عن الرؤية، لكنه بعض المطلوب منهم في واجب الخضوع.. وبعضهم انتفخت دمامل الذهنية التآمرية، والتفسير البوليسي للتاريخ والأحداث حتى التقيؤ.. وما زال يتحدث عن " الزمن الجميل" وعن الثورية والصراع الرئيس بينما يطبق الذهن والعين على حقيقة ما يجري، وعلى هوية وجوهر الطغمة وما تفعله ببلدنا الحبيب.. ويتكدّس البعض منهم في مزارات التاريخ لتلقي بركات امتلأت بغبار الواقع ..