خطوة معاذ الخطيب الأخيرة
خطوة معاذ الخطيب الأخيرة
ناديا مظفر سلطان
لا أعتقد أن بيان المجلس الوطني الذي تم طرحه مؤخرا - والمتأجج بالحماس والإخلاص للثورة - قد أفادها بالفعل ، أم أنه قد أفاد النظام وأثلج قلبه لما فيه من صريح البيان عن "الشرخ " الذي أحدثه موقف معاذ الخطيب المنفرد .
ومما لاشك فيه أن الأحزاب السياسية كثيرا ما يدب النزاع بين أفرادها ، لاختلاف الآراء ، وتباين وجهات النظر أحيانا ، ولكن أن يعلن هذا النزاع على الملأ ، أمر يفتقر إلى اتقان اللعبة السياسية المتعارف عليها والقائمة على الضبابية وعدم كشف الأوراق ...ولاسيما الظهور على الملأ بصورة متنازعة ، مقطعة الأوصال ، الأمر الذي لازم "قوى المعارضة " ، كصفة منذ أول قيام الثورة وحتى الساعة .
وقد كثرت تحليلات السياسيين لموقف الشيخ الخطيب وبعدت المسافة بينها ، فبينما وصفه أحدهم ب "الدروشة" ... رأى محلل آخر أنه قمة الدهاء !!
وما ألمح إليه البعض أن التحاور مع إيران الملطخة اليدين بالدم السوري ، هو خيانة عظمى ...رأى آخر أنها مغامرة جريئة وشجاعة فائقة كمن يركب صهوة موج كالجبال !!
ومهما يكن من تحليل فإن تصريح الخطيب قد أيقظ العالم من سبات المألوف ، والاعتياد على رؤية الدم السوري يراق ، كما يراق الخمر في الأقداح على موائد المتحاورين في المؤتمرات المنعقدة.
والخطيب كانت تصريحاته واضحة والاختلاف بينه وبين الطرف الآخر من أهل الثورة " فقط " هو الاختلاف بين الأسلوب السياسي وبين الأسلوب العسكري ، بين من يريد رحيل الأسد وكل أعوانه وأذنابه وبين من لا يتنازل عن رأسه والثأر لجرائمه المشينة ، ولكن الاثنان متفقان على ان البلاد ينبغي ان تتطهر من هذه العصابة وكل من والاها ، والاثنان لا يمكن لأحد أن يطعن في ولائهما للثورة ، والغاية منها وهي "وحدة سوريا وحريتها في ظل حكم ديمقراطي " .
وإن كان الحل العسكري مسرحه علني على الأرض السورية وثمنه المزيد من الدماء والخراب ، فإن الحل السياسي مسرحه غامض في أروقة ودهاليز حالكة الظلام لا يدخلها إلا من يعرف سبلها ، وثمنه ضياع ما فات من دم طاهر هدر لأجل الثورة .
ولابد من السؤال هل رأس الأسد يعادل مائة ألف أخرى أو يزيد من السوريين ، نصفهم في المعتقلات ونصفهم سيقضي في مجازر وتصفيات ميدانية ؟ أم أن هنالك فرصة لحقن الدماء؟
ومن الموقع السياسي الذي يقف فيه الشيخ الخطيب ، كان لابد من السير ولو خطوة على درب الحل السياسي بدلا من الوقوف برهبة ووجل على أعتابه منذ عامين دون حركة ولو قيد أنملة .
ولعله كان من المنتظر أن يدعم المجلس رئيسه بشمعة تبدد عتمة الطريق ...وإن كان هناك البعض أو الكثير من التحفظات ، فليس من الضرورة ان يتم نشرها على الملأ كتعزيز لوحدة الصف أمام الملأ.
بكل الاحوال لا أرى فيما وصفه بيان المجلس عن البلبلة في الأوساط الشعبية والثورية ،أنه ينال من حقيقة إخلاص الشيخ الخطيب للثورة ، ولكنه يعزز الافتقار إلى أصول العمل الجماعي ، كإبداء النصح عوضا عن التشهير ،وتقديم الدعم من السوري الحر لأخيه السوري الحر عوضا عن التنصل والخذلان
في عام 2002 عرضت هوليوود فيلم (امسكني إن استطعت ) وهي قصة واقعية لمحتال يدعى (فرانك أبيغنل ) وهو أمريكي الأصل يتم القبض عليه ويسجن في باريس ولكن أحد عناصر ال ف ب ي استطاع أن يخلصه من الواقع المتردي والبائس في السجن الفرنسي ثم يأتي به إلى أمريكا ليعمل لاحقا معه ك (زميل ) وخبير في قضايا الاحتيال .
والعرض حتما يبرهن على أن الأمريكي للأمريكي أخ حميم (لا يخذله ولا يسلمه )، حتى وإن كان أحدهما محكوما والأخر حاكما ...هكذا تبنى المجتمعات القوية.
و النظام الأسدي قد حسم الموضوع برفضه للحل السياسي وجنوحه للحل العسكري وهو أمر متوقع لاطمئنانه إلى القوى العظمى التي تدعمه ، و"فرعون وجنوده " كان أيضا واثقا من النصر ...حتى أدركه الغرق .
ولعل خطوة الشيخ الخطيب الأخيرة نحو الحل السلمي والتي باءت بالرفض بالأمس تكون اليوم دفعا قويا للثوار و مضيا قدما دون تردد ودون تطلع إلى الوراء ، حتى يتم لهم النصر القريب بإذن الله .
"فأ نجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون " .