أحييك يا سلموني ...

أحييك يا سلموني ...

عقاب يحيى

عندما كتبت البارحة من القلب كلمات لحمص.. الحبيبة.. كتب لي أحد الأصدقاء كلمتين : أحييك يا سلموني..

فتلت الكلمة برأسي طويلاً.. قلبت معانيها ومدلولاتها.. ورحت أنقب في حسناتها وسلبياتها.. وقررت أن أكتب شيئاً..

أعتز بأصلي السلموني، ومن ينكر أصله لا أصل له، وأنا، وأنا العارف( بإيجابيات تركيبة سكانها وسلبياتهم، بأنني أنتمي لمدينة عاهدت الإخلاص والثقافة والوعي والالتزام.. وشيء من بدوية مخلوطة بفلاحية طيبة.. عهود نشأتها، فأنتجت مبدعين ومناضلين تركوا بصماتهم الواضحة في عموم الحركة الوطنية، والحالة الثقافية الأدبية.. كما أنتجت شبيحة ومرتزقة وانتهازيين كثراً، ومؤيدين للطغمة حتى اليوم.

ـ سلمية التي تتعايش فيها عدة مذاهب : الإسماعيليون أساساً الذين أعطوها نكهتها ووسمها، والسنة المنحدرون من الجذر إيّاه عبر حركة" تسنين" هي الوحيدة في المذاهب الإسلامية غير السنية، والعلويون الذين سكنوها تباعاً، والذين يسكنون بعض القرى، وبعض الأحياء فيها، وقليل قليل من مسيحيين.. لكن الصفة السلمونية ـ إن جازت التسمية ـ كانت الأغلب، والإطار الجامع، وخلاصة التعايش، وأكثر منها الحالة السياسية التي كانت عابرة للمذاهب، ومتخلصة، في الكثير من مواقفها، من شرشبات، وآثار العقل المذهبي.. فكانت الأولى في سورية ـ قياساً بعدد السكان ـ التي عارضت النظام بقوة، والتي قدمت قوافل متتالية من المعتقلين في مختلف الأحزاب والتشكيلات..

ـ وكانت الأولى أيضاً التي شقّت معادلة الطغمة، ومراهناتها في الانضمام إلى الثورة منذ يومها الأول، بل لها الفخر بأن شباباً منها كانوا من بين المحضرين والمفجرين لها في دمشق كي تنحر بذلك مقولات الطغمة عن طبيعة الثورة.. وكي تعلن عشقها للحرية..

***

يمكن الكتابة مطولاً في مميزات هذه البلدة العتيقة النائمة على حضن البلعاس، والتي استنشقت كثيراً من هوائه النقي، ومن بطمه وصفائه وسنديانه.. وصلابته.. وتلك البدوية المخلوطة بنزوع التمرد والبساطة الفلاحية..وعشق الكتاب والكتابة.. والتأمل..

لكن كلمة سلموني يمكن أن تثير المشاعر في وجهها الآخر.. ذلك أن كثيراً لم يكن سلمونياً بالمعنى الحرفي، لم يكن سقفه وحلمه وأساره سلمونيا... كان الانتماء لوطن كبير.. وحتى لأممية عادلة حلم الأغلبية الذين طووا زواريب الفئوية والكانتونات والماضوية، وتأليب المظلومية للانطلاق للأرحب..فكراً، وانتماء، والتزاماً.. وبهذا لم يكونوي أسيري السقوف الصغيرة، ولم تسجنهم تخوم الكهوف، ولا فيسفساء التمذهب التناحري.. فضاقت الكلمات وتمردت النفوس على المداليل، ورفض العديد الدخول مداجن التعليب والتصنيف لأنهم ينتمون لوطن آخر اسمه سورية، ولأمة حضارية ترسم المدى الكبير لسماء مفتوحة على الأحلام .

ـ ربما يكثر البعض من التركيز والمبالغة على الجانب الجهوي في غمرة فيضان البحث عن الذات، أو إعلان الوجود، أو الرد على الإهمال والتهميش ، وعدم إعطاء البلد حقها في الثورة.. فيغالي، وقد يضخم الحدث، ويتوقف طويلاً عند حادثة استشهاد شاب، أو تفجير لئيم.. بما يشعر آخرين وكأنها حالة سلمونية.. في حين أعلم أن الهدف ليس في هذه الخانة، وأن البحث عن إعلان الانتماء للثورة، وعن حجم التضحيات، وتسليط الضوء وسط ما أصيبت به البلدة من تعتيم.. هو الدافع وليس غيره.

ـ نعم سلموني المنشأ، لكني أعشق حمص، وأعشق المدن السورية كلها، ومدينتي الرائعة : محافظتنا حماة.. ولدمشق الخلود والتوق.. دمشق أم المدن والعواصم مكانتها الأولى في القلب والوجدان.. لأننا دعاة وطن موحد متحرر..