هل يتوسط الإبراهيمي بين روسيا وأمريكا؟!
ياسر الزعاترة
نكتب قبل ظهور نتائج لقاء جنيف بين نائب لافروف (بوغدانوف) ونائب كلينتون وليام بيرنز بحضور الأخضر الإبراهيمي، لكن اللقاء لن يكون على الأرجح سوى محطة من محطات الحوار بين الطرفين، من دون أن نعول عليه لإنجاز حل سريع للأزمة، لاسيما أن الطرفين ليسا في عجلة من أمرهما، بخاصة الطرف الأمريكي الذي يتحرك على إيقاع هواجس نتنياهو الذي بات مطمئنا لمصير الأسلحة الكيماوية في ظل تطمينات روسية من جهة، ووجود فرق عسكرية جاهزة للسيطرة عليها في حال سقوط النظام من جهة أخرى، فضلا عن قرار بناء الجدار في الجولان، والذي سيتكفل بحماية الدولة العبرية من تداعيات سقوط النظام بصرف النظر عن الوضع التالي.
روسيا ليست في عجلة من أمرها أيضا، وإن تكون أكثر حرصا على الحل من واشنطن، لاسيما أنه من الصعب عليها ضمان عدم حدوث تطورات دراماتيكية في الوضع العسكري، ولو كانت مطمئنة تماما لما جهزت سفنا لإجلاء رعاياها منذ الآن. لكن حرصها على الحل لن يدفعها إلى قبول أي حل، بل لا بد من حل يحفظ هيبتها أولا، وبعض مصالحها ثانيا. جدير بالذكر أن إرسالها لبوغدانوف كي يكون محاورا لبيرنز هو بحد ذاته نوع من المرونة، حتى لو قيل إن نائب وزير يقابله نائب وزير، لاسيما أن المسافة في المواقف بينه وبين لافروف كبيرة. ألم يكن هو الذي شكك بصمود النظام وانتصاره العسكري؟!
بالنسبة للإبراهيمي، فقد جاء إلى اللقاء محملا ببعض الثقة من طرف المعارضة، ليس فقط بسبب هجائه الصريح لخطاب بشار، بل أيضا بسبب حديثه عن عدم وجود أي دور له في المرحلة الانتقالية، وهي نقطة بالغة الأهمية، وإن لم تكن كافية بالنسبة للثوار الذين يرون في بقائه داخل سوريا ملامح شعور بالهزيمة حتى لو لم يكن له دور في الحكومة الانتقالية، لاسيما أنها حكومة لن تؤثر بشكل جوهري على المؤسسة العسكرية والأمنية.
عموما، فأن أي تفاهم سيخرج به اللقاء الثلاثي، أكان هذه المرة أم في المرات التالية لن يكون سهل القبول من طرف الائتلاف الذي لا يملك دالة حقيقية على الثوار، أو بعض فصائلهم في أقل تقدير، ما يعني أن أي حل مع بقاء الأسد سيكون صعب التطبيق، إن لم يكن مستحيلا بهذا القدر أو ذاك.
هنا تطل إيران برأسها من ثنايا اللقاء وعموم الجهود الباحثة عن حل سياسي، ليس فقط لأنها الوحيدة التي رحبت بخطاب بشار، بل أيضا لأنها تملك فيتو على الحل، وإن يكن من الصعب عليها الدخول في صدام مع روسيا لعلمها أن رفع موسكو الغطاء عن بشار سيعني الكثير في المرحلة اللاحقة.
طهران تبدو في مزاج تراجع هي الأخرى رغم ترحيبها بخطاب بشار، وما زيارة وزير خارجيتها صالحي للقاهرة ومكوثه 3 أيام فيها، واستماعه لما لا يحب سماعه، سوى تأكيد على هذا المزاج. ويكفي أن يتزامن وجوده في القاهرة مع انعقاد مؤتمر لقضية عرب الأحواز حتى يدرك أن مصر اليوم ليست هي ذاتها القديمة، وأن بوسع الأخيرة إثارة بعض المتاعب لإيران إذا لم تُحدث بعض التوازن في سياستها في المنطقة، وقد لاحظ المراقبون كيف أن شيخ الأزهر لم يتردد في طرح قضية حقوق السنّة في إيران أمام صالحي معطوفة على القضية دائمة الاستفزاز بين السنة والشيعة، وهي قضية سبِّ الصحابة.
هكذا يمكن القول إن الأطراف الداعمة للنظام تبدو في مزاج تراجع عن مواقفها المتشددة رغم محاولتها الإيحاء بتماسك النظام وقدرته على الصمود، بل حتى الانتصار، رغم أن أحدا لا يقبض هذا الكلام، بمن فيهم الإبراهيمي الذي نفى قدرة النظام على الحسم العسكري، بينما لم ينفها عن المعارضة (في المدى الطويل)، وإن ربط انتصارا كهذا بتدمير سوريا.
ولأن حوار جنيف لم يكن الأول، ولا يبدو أنه سيكون الأخير، فإن تطورات الوضع العسكري على الأرض ستفرض نفسها على اللقاءات القادمة، وهنا تحديدا تبرز مهمة تركيا والعرب الداعمين للنظام الذين يقع عليهم عبء إحداث نقلة في دعمهم للثوار (يتعرضون لحصار منذ أسابيع) من أجل تغيير ميزان القوى العسكري، وبالطبع لكي يكون بالإمكان الحديث عن حل سياسي يقبله الشعب السوري بعد 60 ألف شهيد وملايين اللاجئين والمعتقلين والمصابين.