هل فوتنا حلولاً سياسية؟.. أم لا وجود بالأصل لها ؟..

عقاب يحيى

تجري نقاشات متواترة حول مواقف المعارضة من " المبادرات" السياسية التي تعاقبت ، وهناك من يحملها، خاصة للمجلس الوطني، والإئتلاف حاليا، مسؤولية إفشالها عبر مواقف الرفض المسبقة، أو المتشددة، أو المشروطة . ويغتبر البعض أن الموافقة على مبدأ الحل السياسي يجب أن يكون الأصل، حتى مع معرفة طبيعة نظام الطغمة، ورفضه، في الجوهر، لكل حل سياسي، كي يتعرّى شعبياً، وكي نكسب الشارع، خاصة تلك الكتلة الصامتة، أو المغشوشة بخطب إعلامه ودجله .....إلخ ..

ـ عناك من يرى أن الطغمة هي التي كانت بموقع القرار والفاعل، وهي بتركيبها، وأساس ارتكازها، وأقلويتها، وحقدها، وصلفها.. لا يمكن أن تنتج شيئاً له علاقة بحل سياسي، أيّاً كان محتواه، وأنها ىهي التي قادت الأوضاع بتخطيط ومرض خبيث إلىى حمل السلاح، وإلى وضع المعارضة ـ كل المعارضة ـ في زاوية الرفض لما تقدمه، لأنه لا يحمل سوى الهشيم والخنوع ...

******

الثورة السورية بدأت متواضعة المطالب : حرية وكرامة، حتى شعار إسقاط النظام جاء لاحقاً، فما الذي فعله نظام الطغمة ؟؟..

ـ كشف بكل جلاء عن بنيته الحاقدة، الفئوية، النترجسية منذ اليام الأولى، راكلاً تلك المطالب بالقنص والاغتيال، وقلع أظافر أطفال درعا، وتوجيه الإهانات لذويهم .

ـ في خطب وريث العته ومجون الاستعلاء .. رفض شامل لحقوق الشعب، وطبيعة ما يجري، بدءاً من اعتبار ما يحدث فتنة ومؤامرة، وجراثيم، ومندسين، وإرهابيين.. غلى آخر معزوفة على ذات الإسطوانة : الإرهاب، والعملاء، والمؤامرة.. مع الإصرار على عدم الاعتراف بالواقع، وبان هناك ثورة، وشعب يضحي، وله حقوق ومطالب، مروراً بالاستهتار بكل المبادرات العربية والدولية وتجويفها.. كسباً لمزيد من الوقت لممارسة رهانه الإجرامي على العنف سبيلاً وحيداً للتعامل مع الشعب والثورة ..

ـ هيئة التنسيق التي تعرضت لمزيد الشروخات والإشكالات.. حاولت الرهان على الحل السياسي، بدءاً من التدرج في القبول ببقاء المجرم على رأس الحكم.. إلى المطالبة.. متعددة الأشكال، برحيله، أو بصيغة ما للانتقال إلى الوضع الديمقراطي.... فماذا حصدت؟؟.. ولماذا لم يستجب نظام الطغمة لشيء من مطالبها؟.. بل هناك أطراف تطرح سقفاً متواضعا.. ومع ذلك يتمّ تجاوزها..

فماذا كان على قوى المعارضة أن تفعل؟، وعلى ماذا تراهن والحال الموصوف هكذا، والدماء، والدمار، والخراب والقتل .. يحرك الحجر قبل البشر ؟...

ـ نعم قد أخطأ البعض في الحسابات والتوقعات والتقديرات. هناك من راهن، لوقت، على دور خارجي فاعل يصل حد التدخل العسكري المباشر، وهناك من اعتقد أن الأمور بطريقها للانفراج القريب، أي سقوط الطغمة خلال أيام، وهناك من بنى موقفه على روايات تقدّم كشائعات وحكايا..

لكن المعارضة المجتمعة، في أغلبيتها الساحقة في مؤتمر القاهرة، ناقشت لأيام، وبروح مسؤولة، المبادرة الأممية ـ العربية التي كان كوفي عنان مكلفاً بها، واتخذت قرارات واقعية.. بقبولها، لكنها وضعت شروطاً لا يمكن التنازل عنها : تنحية رأس النظام ورموزه، وتحويل المتورطين بالقتل إلى المحاكم، كي تبدأ بعدها مفاوضات مع جهات من النظام لتشكيل حكومة انتقالية، وعلى بقية المسائل العاجلة، تمهيداً لإقرار دستور دائم للبلاد.

ـ شرط المعارضة ليس تشددا، بل هو الاستدابة للحد الأدنى من مطالب الثوار والشعب إزاء قاتل أوغل بالدماء حتى الإبادة الجماعية، ناهيك عن تكريس مبدأ المصالحة والمسامحة، والتعامل مع موظفي الدولة وإطاراتها، وحتى أعضاء حزبه كمواطنين عادينن لهم نفس حقوق بقية المواطني.؟. إلا الذين أثروا على حساب الشعب وسرقوا المال العام، والذين يجب أن يحالوا إلى محاكم عادية تفصل في أوضاعهم والتهم المنسوبة إليهم .

*****

الطغمة ترفض ذلك كله، وأدنى منه.. ذلك الذي يجري تسريبه منذ مدة عن قابلية وجود تسوية.. تقع بين خروجه الآمن وعائلته، وزمرته القاتلة، وبين نقل بعض، أو معظم صلاحياته لنائبه، وتولي المعارضة رئاسة حكومة انتقالية مختلطة.. وإجراء انتخابات برلمانية..

ـ وريث الحقد يرفض ذلك كله، مصرأ على اعتبار نفسه ونظامه الباب والمحراب.. وأن على " المعارضة الوطنية" ـ حسب توصيفه ـ أن تأتي راكعة إلى بيت طاعته، وقبول مراحله وفلسفاته، ومفهومه للحوار، والحل.. وكل ذلك بعد مجموعة إجراءات.. اشتراطية...لا تحتاج التعليق..

فكيف يمكن لقوة معارضة أن تقبل بما طرح؟، وكيف يكون التعاطي والحال هكذا مع طغمة لا تعرف غير القتل نهجاً، وسبيلاً؟.. ولا مانع لديها من تدمير كامل البلد وإشعاله بحريق طائفي إن استطاعت ؟..

ـ نعم إنه يضع الشعب وثواره أمام مخرج وحيد : المضي في طريق المقاومة مهماى غلت التضحيات، لأنه لا مكان للاستسلام والتراجع، وليس هناك ما يمكن الرهان عليه ..