بغداد تغرق في بحار أمانتها

كاظم فنجان الحمامي

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

قبل أن نخوض في بحار أمانة العاصمة لابد من الإشارة إلى إن مساحة بغداد اصغر من اصغر عاصمة عربية, فقد تقلصت حدودها الإدارية بقرارات ارتجالية تبنتها  السلطات المتبغددة في العهود السابقة واللاحقة بهدف تقليص المساحات الخدمية, وتكثيف جهود الحكومة في توفير العناية الفائقة بالعاصمة, وضمان الارتقاء بمستواها نحو الأفضل, فلا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي, ولم تدرك حتى الآن إن العبرة ليست بالتقليص وإنما بالتخليص, وباختيار الشخص المناسب للمكان المناسب. .

وهكذا انبرت الحكومة للدفاع عن أمين العاصمة, والتباهي بمواهبه الخارقة وقدراته التعميرية الفذة, حتى وصل بنا الأمر إلى مطالبة أمريكا بانتدابه للعمل لديها, وتكليفه بالتصدي لإعصار ساندي, فهو بالنسبة لنا سوبرمان الأعاصير والعواصف, ورجل الكوارث الطبيعية في كل الكواكب والمجرات. .

لكننا فوجئنا بغرقه في الأعماق السحيقة لشوارع العاصمة في أول زخة مطر هبت عليها فاكتسحتها كما الطوفان الجارف, وتوقفت منظوماتها المخصصة لسحب المياه الثقيلة والخفيفة, وفشلت أجهزة العاصمة في تصريف المياه نحو نهر دجلة الذي ترقد على ضفتيه في بحار الكرخ وبحيرات الرصافة. .

زخة واحدة فقط كانت كافية لكشف عورات أمانة العاصمة التي لم تكن أمينة بالمرة, من يزر العاصمة الأردنية عمان يشعر إنها بنيت على أرض ملتوية متموجة, حيث تشاهد المنخفضات والمرتفعات, لكنها لا تتأثر بالأمطار حتى لو استمر هطولها لأسابيع متواصلة, رغم انها لا تقع على نهر ولا على بحر, فكفاءة مجاريها كفيلة بشفط آخر قطرة من حبات المطر. .

من المفارقات العجيبة ان المدن العراقية غرقت كلها في يوم واحد تضامنا مع بغداد, فجرفتها السيول في ساعة واحد, وجرفت معها كل الوعود الكاذبة, والخطب الرنانة, والخطط الهشة. .

كانت بيوت أصحاب المعالي والسمو, وأصحاب المراتب العليا بمنأى عن الطوفان, فوقفوا متفرجين كعادتهم على ضفاف بحار أمانة العاصمة, لم ينتقدوا أمينها الأمين, ولم يوجهوا له الملامة, لكنهم عالجوا الأزمة بإصدار قرار فوري منحونا بموجبة عطلة مطرية. .

يقولون: في الامتحان يكرم المرء أو يهان, فما بالك بامتحانات الأنواء الجوية التي هطلت فيها الأمطار لبضعة ساعات, وكانت كافية لإغراق المدينة برمتها, لكنهم لن يفرطوا بأمين العاصمة السابق, ولم ينتقدوه, وربما سيمنحونه فرصة أخرى لأداء الامتحان في الدور الثالث أو الرابع. .

انتحر هوشيموتو فوكودا مدير بلدية مدينة (كوبي) في اليابان بعد اكتشاف عجزه في تأمين مياه الشرب لأبناء مدينته, وسننتحر نحن إكراما وتقديرا لجهود أمين العاصمة وأمانته, وربما نتلمس له الأعذار فنجبر أنفسنا وأولادنا على تعلم فنون السباحة في الشوارع والأنفاق العميقة, ونمارس هواية صيد الأسماك (الأمينية), نسبة إلى أمانة العاصمة, التي سمحت بتدفق اسماك الجري إلى صالات بيوتنا وممراتنا. .

كنا نتوقع إنهم سيعلنون بغداد مدينة منكوبة, لكنهم أعلنوا عن نكبتنا بتعطيل العمل بما يسمى العطلة المطرية القسرية. . .

مطر .. مطر .. مطر

بغداد غرّكها المطر

لا رمل فاد ولا حجر

كلشي تساوة وية البحر

وتعلل أويانة القرش

... الطابق الثالث غرگ

وبالهول يتمشى الرفش

الماي صاعد للركب

وطوفت خشبات العفِش

سلّية سويت البشت

وللسوگ مريت بطشت

مو صوج أمين العاصمة

المگرود ما عندة وقت

وماراح ألوم واشكتي

ولا روحي يحرگها القهر

صوچ البناية الناصية

والماي حتى يعتلي

الطابق الثالث نزل

والماي طب من الممر

هيا بنا انطبش سوى

وننسى الزبايل والحفر

خلیها لاشغل وعمل

ونگضيها عطلة هالشهر

ونغني من كثر القهر

مطر..

مطر ..

مطر

قصيدة لكاظم ال مبارك الوائلي