الناصريون .. ليسوا سواء!
أ.د. حلمي محمد القاعود
قلت من قبل إن الناصريين في الإعلام والثقافة والسياسة والجامعات وغيرها قاموا بدور "يهوذا " الإسخريوطي في تقديم مصر ضحية بالغدر والخديعة إلى أعداء الشعوب والأوطان ، ولعبوا لعبة نجسة مع الشيوعيين حين تآمروا على الثورة المصرية التي قامت لتصحح انقلاب عبد الناصر على ثورة يوليو منذ ستين عاما ، وتحويل مصر إلى عزبة خاصة يفعل بها ما يشاء ، فلم يحافظ عليها ولم ينمّها ، ولكنه قدمها لقمة سائغة للأعداء بعد أن أذل شعبها وأهان أبناءها ودمّر جيشها ، ومات وتركها أسيرة لدى شذاذ الآفاق ، وما زالت تعاني حتى اليوم من آثار إجرامه وخطاياه التي لم يحاسب عليها في الدنيا ، وإن كان سيحاسب عليها أمام رب العباد !
الناصريون قاموا بدور يهوذا حين أرشد عن السيد المسيح عليه السلام ليتم قتله ؛ولكنه نجا بفضل الله ، ونجت مثله الثورة المصرية العظيمة التي أطاحت بسيدهم مبارك وقد كانوا خداما في بلاطه ، وأبواقا في إعلامه ، وسماسرة لتمرير جرائمه وأحقاده ، وكلافين في حظائره وساحاته . لقد تصوروا أن سطوهم على الثورة بالحناجر والأكاذيب والأضاليل عبر سيطرتهم على إعلام الدولة والفلول واللصوص والكنيسة ، سيبقيهم على رأس الوطن يأمرون فيطاعون ، ويقولون فيصدقون ، ويشيرون فيسمعون ، وكانت محاولتهم لقهر الإرادة الشعبية من خلال العمل مع المجلس العسكري ، وتحرير الإعلانات الدستورية وتشكيل الحكومات وتعيين أنصارهم في المؤسسات واعتمادهم على سياسة " اسبقوهم بالصوات ليغلبوكم " ، وإرباك كل خطوة صحيحة إلى الأمام ، ثم استخدامهم لمعجم سافل وضيع ضد الرئيس المنتخب والخصوم الذي يمثلون الأغلبية الكاسحة التي تستحي أن تتلفظ بما يجرح أو يسوء ..
لقد قادوا حملة رعب وتخويف لتدمير البلاد وتخريبها ، ووقف حال الناس فيها ؛ حين أشاعوا في الشهور الماضية أخبارا كاذبة عن الانفلات الأمني والخراب الاقتصادي ، وروجوا لشائعات الحرب الأهلية والصراعات الدموية في الشوارع ، وبشروا بلادنا بمستقبل أسود مثل قرن الخروب ، والغريب أنهم وهم أدعياء الثورة لم يجدوا غضاضة في التحالف مع اللصوص الكبار الذين نهبوا البلد وخربوها وأفسدوها ، وأعلنوا بكل بجاحة الباطل المحترف أنهم سيتحالفون مع كل من يقف ضد الإسلاميين ، فقد صار الإسلام عدوهم اللدود يحاربونه كما حاربه عبد الناصر ، ويصرون على مواصلة محاربته لتخلو لهم الدنيا ، ويعتلي رمزهم الغامض كرسي الحكم الذي يعدونه حقا موروثا لهم منذ سقوط الطاغية الأكبر عام 1970م !
لقد تضخمت ذواتهم النرجسية إلى حد الانفجار ، وتصوروا أنهم أصحاب الحق الوحيد في حكم البلاد ، وعلى غيرهم أن يسمع ويطيع ، لا رأي لرئيس أو مجلس منتخب أو جمعية منتخبة أو استفتاء يدلي فيه الشعب برأيه ويعبر من خلاله عن إرادته . كلامهم هم هو القرآن النافذ ، والحكم القاطع ، والدواء الشافي الذي يجب على الشعب أن يتجرعه ولو كان هزيمة مثل الهزيمة القاصمة التي صنعها زعيمهم الملهم عام 1967م . لا يهم أن تخرب البلاد ويموت العباد في سبيل نزواتهم الضالة المضلة ، وفلسفتهم الفاشية الإرهابية ، ومعجمهم السافل البذيء !
لقد صور لهم خيالهم الأرعن أن رمزهم الغامض الذي حصل على بضعة ملايين قليلة من الأصوات في انتخابات الرئاسة نتيجة بعض الألعاب غير النظيفة والتحالفات المشينة يجعلهم يحتكرون التخطيط والتقرير في كل شيء بل إنهم صاروا يقولون لمن يتناول الإسلام : من أنت حتى تتكلم في الإسلام ؟ ثم لماذا تعد نفسك أو غيرك من الإسلام ؟ بل صاروا يكفرون المسلمين ويصفونهم بالمتأسلمين .. فأي خلل واضطراب أصاب القوم ؟ ووجودهم في الشارع يقول إنهم مجرد ظاهرة صوتية تشبه أغاني عبد الحليم حافظ في زمن الهزيمة والعار ؟
لقد باركوا الهجوم على المساجد وبيوت الله (مسجد القائد إبراهيم ، ومن قبله مسجد النور أيام الجنرال بدين ) واستباحوا كرامة شيوخ العلم والإسلام ( الشيخ المحلاوي والشيخ القرضاوي) ، وحاربوا الدستور لأنه يشير إلى إسلامية الدولة ، وتحولوا إلى خدم في بلاط الكنيسة ، لدرجة أن خادما منهم فضل أن يحتل اليهود الغزاة مصر المسلمة كلها على أن يحتلها الإخوان المسلمون ( يقصد يهوذا اختيار الشعب المصري للإسلاميين في الانتخابات !) .
إن موقف الناصريين بعد الاستفتاء النزيه الذي عبر فيه الشعب عن إرادته الحرة واختياره لدستوره ، يمثل انحرافا عجيبا في الفهم السياسي وخللا واضحا في السلوك الفكري ، وما بالك بمن يرفض إرادة الشعب ، ومن ينقلب عليها ،ومن يدعو العسكر لحكم البلاد بدلا من الحكم الشعبي الديمقراطي ويعلن أن سيحارب حتى يسقط الدستور ؟
تمنيت لو أن هؤلاء المحاربين لدين الله والخادمين للكنيسة المتطرفة المتعصبة أن ينزلوا إلى الشعب المصري ، في الحقول والمصانع والشوارع والمنازل ، ويتعرفوا على رغباته واتجاهاته ويحاولوا إقناعه بأفكارهم ، فإذا جاء بهم في الانتخابات فسوف نقف من ورائهم ونساعدهم على بناء الوطن ،ولكنهم للأسف يعيشون في أبراجهم العاجية ،ويستمتعون بأموال القنوات الحرام وإغداق اللصوص الكبار في مالكي الصحف ، ويزعمون ضعف الرئيس المنتخب لأن البنات لا تحبه ولا ترسل إليه رسائل غرام ! يا لها من فلسفة تؤكد على السطحية والابتذال والنرجسية .
ومع ذلك فهناك ناصريون يملكون شرف المنافسة ، ويقدرون على قول كلمة الحق ، ولا ينساقون وراء الأطماع الحقيرة والأحقاد السوداء ، ولديهم القدرة أن يقولوا في بيانات لهم عكس ما تقوله القيادات الناصرية الفاشية المعادية للديمقراطية . لقد كان لدي بعضهم الشجاعة أن يصدروا بيانا يقول : لا تقاطعوا الاستفتاء ..وقولوا كلمتكم عن الدستور وأن يذكروا الناس أن أصحاب المصالح من أذناب النظام القديم وفاسدي الدولة العميقة يسعون إلى أن ينزلق الوطن إلى الهاوية . وأن ينبهوا إلى أن رءوس الفتنة تطل من جحورها ، ثم تكون لديهم الشجاعة ليعلنوا في بيان آخر تعلنه جبهة " قوميون وناصريون ضد المؤامرة" عن عظيم امتنانهم لاحتكام الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية لإرادة الشعب للفصل فى الدستور الجديد وتؤكد أن هذا الإجراء يكرس لمبدأ سيادة الشعب بعيدا عن التضاربات النخبوية والمصالح الفئوية التي تريد أن تعود بالبلاد لعصر ما قبل الثورة وتكرس لديماجوجية النخبة .
الناصريون ليسوا كلهم يهوذا ، وليسوا سواء.