مهرجان العيد

الجزء الثالث عشر من يوميات بلا أسرار في المخيمات

نسيبة بحرو 

عاد اليها كما رحل عنها منذ عام ، متجرداً من مراسمه حاملاً معه بهجة مأسورة وفرحة مبتورة .. إنه عيد الأضحى الذي أمضته فتيات فريق حرة في المخيمات بهدف المشاركة المعنوية والوجدانية للأطفال اللاجئين ، وذلك بإقامة مهرجان ترفيهي لهم في أيام العيد ..

 أحضرن معهن الأدوات ، أقلام وألوان ، خرز وخيطان ، لوحات وقصص .. بدأن بتجهيز الأركان ، وقبل الانتهاء استدعين الأطفال ظناً منهن أن التجمع والحضور سيستهلك وقتاً يكفيهن للاستعداد التام ، ولكن .. تجلى أثر شوق الأطفال لهذا المهرجان بسرعة تجمعهم وتواجد مجموعة كبيرة منهم في المكان ، مما شكل عائقاً أمام فتيات الفريق منعهن من استكمال ما تبقى من الأعمال التحضيرية ..

سادت لحظات من التفكير بحل سريع ينقذهم من المأزق ، اهتدت اليه إحداهن فهتفت بالجموع الصغيرة عمراً والكبيرة عدداً : فلنخرج في مظاهرة جماعية حول المركز قبل أن نبدأ المهرجان واللعب .  وما هي إلا دقائق معدودة حتى خلا المكان من جديد ، حين خرج الأطفال في جولة مظاهرات ارتجالية ، وعلت هتافاتهم الثورية ..

بعد عودتهم بدأ المهرجان ، الأركان متنوعة ومشوقة ، وعند كل منها وقفت مسؤولة أو اثنتين للعناية بالأطفال وتنظيم مشاركتهم في اللعب ، وعلى منضدة ركن الرسم على الوجه عرضن نماذج من الرسومات الطفولية الجميلة وطلبن من الأطفال اختيار الرسمة المفضلة لديهم ، فكان الملفت أن طلب معظمهم رسم علم الاستقلال السوري رغم عدم وجوده ضمن النماذج المعروضة ، ومنهم من طلب إرفاقه بإسم مدينته أو بكلمة الحرية ، يزين بها وجهه الجميل ..

وعند ركن الخرز تسابقت الأيادي الصغيرة لصناعة الأشكال الجميلة ، وكلما صنعت طفلة أسورة لنفسها ، طلبت بلهفة صناعة أخرى لأختها أو صديقتها ، ذلك أنها تخشى انتهاء الحبات الملونة قبل أن يأتيهن الدور ، بينما انهمك طفل بتجميع حبات الخرز القليلة المتساقطة سهواً والمبعثرة على الأرض ، وقدمها للمسؤولة عن الركن للاستفادة منها عوضاً عن تركها أو أخذها لنفسه .. في مشهد يجسد الحرص و الأمانة التي تسكن نفوسهم المحرومة ..

وتتجلى هذه الأمانة في موقف آخر عند ركن الهدايا ، فهي ورغم كثرة عددها لا تكفي الجميع .. فلجأت المسؤولة إلى اعتماد طريقة المسابقة ومنح الهدية لمن يستحقها .. وبعد انتهاء النشاط أتى اليها طفل مطأطئ الرأس في خجل ، أعاد إليها احدى الهدايا معترفاً أنه تسلل وأخذها خلسة ، خشية منه ألا ينجح في المسابقة فيفقد فرصة الحصول عليها ، وأخبرها أنه أدرك خطأ ما فعل ويطلب السماح ، فأعادت له الهدية لشجاعته وصدقه ..

في ركن الحكايا أحاط الأطفال براوية القصة ( الملقبة بالحكواتي ) إحاطة السوار بالمعصم ، وحلق خيالهم بأجواء الروايات التي تقصها لهم وتفاصيل الصور المعبرة التي تعرضها.. لا مجال للملل أو الشرود في حضرة الحكواتي ، جميعهم يصغي باهتمام تام .. يتخلل ذلك مداخلات وتساؤولات واستباق للأحداث والاستنتاج .. وضحكات تبهج المكان ، في ساعة كانت بمثابة النقلة المؤقتة لهم من الواقع الصعب إلى الخيال الرحب ..

وعند ركن التعبير بالرسم ، أبدع الأطفال بأناملهم الصغيرة ورسموا مما يجول في خواطرهم ويستقر في نفوسهم أجمل اللوحات وأكثرها ألماً .. وهناك في الزاوية جلست الطفلة بهدوء ترسم لوحتها ، تمسك القلم بيدها اليمنى فترسم علم الاستقلال والثورة .. والقضية التي حملتها باكراً وتحملت آثارها تهجيراً وحرماناً ، وتمسك الحلوى بيدها الأخرى متشبثة بطفولتها المهددة ..

اللوحة التي لا تقدر بثمن ، هي التي رسمتها تحركات الأطفال جميعاً وقفزاتهم السعيدة وهم ينتقلون من ركن إلى آخر .. البسمة تلوح على محياهم والرضى يغمرهم ، فيمنحهم المقدرة على تقديم بعضهم البعض عند اللعب ، بعكس ما كان عليه حالهم من مشاحنات ونزاعات مستمرة نتيجة الملل والفراغ والقلق ..

وحيث اختصرت الأحداث الصعبة والظروف القاسية سنوات طفولتهم وقفزت بهم الى الأمام أياماً وأعوام نحو المسؤولية والهم وصعوبة الحياة التي لا يطيقها أقوى الرجال عزماً وأشد النساء صبراً ، أعادتهم هذه الأنشطة إلى أعمارهم الحقيقية وأجوائهم المفترضة في يوم من السنة ..